منذ تسعينيات القرن العشرين، أصبحنا أكثر التزاماً بحماية البيئة وأكثر وعياً بالتحديات البيئية التي تنشأ عن استضافة عدد كبير من السكان في منطقة صغيرة. وعلى مدى العقدَيْن الأخيرين، وضعنا برامج ومبادرات تهدف إلى تحسين الإدارة البيئية المستدامة بهدف الحدّ من التدهور البيئي وتعزيز الموارد المتاحة للمهجرين وللمجتمعات المضيفة. قصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية. ولكن، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.
ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.
تشمل أمثلة انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان. تنتج هذه الغازات، على سبيل المثال، عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني. يمكن أيضا أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. وتعتبر مدافن القمامة مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غاز الميثان. ويعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.
وتشكّل الكوارث والتغيّر المناخي مصدرَ قلق متزايد. وتشير التقديرات إلى نزوح شخص واحد كل ثانية بسبب الكوارث منذ عام 2009، وقد نزح 22.5 مليون شخص كمعدل بسبب أحداث مرتبطة بالمناخ أو الطقس وذلك منذ عام 2008 (مركز رصد النزوح الداخلي 2015).
وتتوقّع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي المجلس الاستشاري العلمي التابع للأمم المتحدة، زيادةً في عدد النازحين خلال هذا القرن. ويتركّز غالبية الأشخاص الذين تُعنى بهم المفوضية في أكثر المناطق ضعفاً في جميع أنحاء العالم. وسيُؤدي تغيّر المناخ إلى ازدياد معاناة الناس من الفقر والنزوح، الأمر الذي سيتسبب بتفاقم العوامل المؤدية إلى الصراع ويزيد من تعقيد الاحتياجات والاستجابات الإنسانية في مثل هذه الحالات. والانبعاثات مستمرة في الارتفاع. ونتيجة لذلك، أصبحت الكرة الأرضية الآن أكثر دفئًا بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر. وكان العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق.
يعتقد الكثير من الناس أن تغير المناخ يعني أساسًا ارتفاع درجات الحرارة، ولكن ارتفاع درجة الحرارة ليس سوى بداية القصة، ولأن الأرض عبارة عن نظام، حيث كل شيء متصل، فإن التغييرات في منطقة واحدة قد تؤدي إلى تغييرات في جميع المناطق الأخرى.
تشمل عواقب تغير المناخ، من بين أمور أخرى، الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي. مكن أن يؤثر تغير المناخ على صحتنا وقدرتنا على زراعة الأغذية والسكن والسلامة والعمل. البعض منا أكثر عرضة لتأثيرات المناخ، مثل الأشخاص الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة والبلدان النامية الأخرى. لقد ساءت الظروف مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتسلل المياه المالحة إلى درجة اضطرت فيها مجتمعات بأكملها إلى الانتقال، كما أن فترات الجفاف الطويلة تعرض الناس لخطر المجاعة. في المستقبل، من المتوقع أن يرتفع عدد “اللاجئين بسبب المناخ”.
يمكن أن تحقق العديد من حلول تغير المناخ فوائد اقتصادية مع تحسين حياتنا وحماية البيئة، بالإضافة إلى ذلك، تم إبرام اتفاقيات عالمية لإرشاد التقدم، مثل الاتفاقية الإطارية بشأن تغیر المناخ واتفاقية باريس. هناك ثلاث فئات عامة من الإجراءات ينبغي اتخاذها، وهي: خفض الانبعاثات، والتكيف مع تأثيرات المناخ، وتمويل التعديلات المطلوبة.
سيؤدي تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، إلى تقليل الانبعاثات المسببة لتغير المناخ. لكن علينا أن نبدأ الآن. يلتزم تحالف متنام من البلدان بالوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050،
ومع ذلك يجب أن يتم خفض الانبعاثات بحوالي النصف بحلول عام 2030 للحفاظ على الاحتراز بأقل من 1.5 درجة مئوية، ويجب أن ينخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6 في المائة تقريبًا سنويًا خلال العقد 2020-2030.
ومن جهة أخرى، فإن التكيف مع العواقب المناخية يحمي الناس والمنازل والشركات وسبل العيش والبنية التحتية والنظم البيئية الطبيعية، بحيث يشمل التأثيرات الحالية والتي يحتمل أن تحدث في المستقبل. يجب أن يتم التكيف في كل مكان،
ويجب إعطاء الأولوية الآن للأشخاص الأكثر ضعفًا الذين لديهم أقل الموارد لمواجهة مخاطر المناخ، إذ أن معدل العائد قد يكون مرتفعًا. على سبيل المثال، أنظمة الإنذار المبكر للكوارث تنقذ الأرواح والممتلكات، وقد تمكن من تحقيق فوائد تصل إلى 10 أضعاف التكلفة الأولية.
يتطلب العمل المناخي استثمارات مالية كبيرة من قبل الحكومات والشركات، لكن التقاعس عن العمل المناخي يكلف ثمنا باهضاً. تتمثل إحدى الخطوات الحاسمة في وفاء البلدان الصناعية بالتزامها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا إلى البلدان النامية حتى تتمكن من التكيف والتحرك نحو اقتصادات أكثر اخضرارًا. تقع مسؤولية إيجاد حلول جذرية لتغير المناخ بالدرجة الأولى على عاتق الدول الثرية والمنتجة للنفط، بحسب إعلان العلماء المسلمين الصادر عام 2015.
وقد دعوها إلى خفض انبعاث غازات الدفيئة، وتوفير الدعم للدول الأقل ثراء لخفض تلك الانبعاثات، والإقرار بالواجب الأخلاقي في خفض الاستهلاك حتى يمكن الفقراء الانتفاع بما تبقى من مواد الأرض غير المتجددة.
كذلك اقترح الإعلان على الدول والهيئات والمنظمات المسلمة، “معالجة العادات والعقليات والأسباب الجذرية وراء تغير المناخ وتدهور حالة البيئة وفقد التنوع الإحيائي ضمن دائرة نفوذ كل منهم”. وعلى مستوى الأفراد، يقترح الإعلان على المسلمين الاقتداء بالنبي محمد الذي “حمى حقوق المخلوقات ووجه أصحابه نحو الاقتصاد في الماء، ونهى عن قطع الشجر، وعاش حياة بلا إسراف ولا تبذير، وكان يجدد ويعيد تدوير ممتلكاته الضئيلة إما بإصلاحها أو بإعطائها لغيره”.
لا تستطيع شخصيات ذات سلطة معنوية مثل شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان فرض حلول جذرية في مسألة البيئة، لأن التغيير الفعلي يتوقف على اتخاذ الدول الكبرى، المساهمة بأكبر نسب التلوّث، قرارات سياسية واقتصادية حاسمة، لإنقاذ الكوكب.
لكن مشاركة المؤسسات الدينية في دق ناقوس الخطر، قد يكون له تأثير على سلوك الأفراد، وفي حث الجماعات الدينية على الاقتصاد في مواردها، واتخاذ خيارات في مجال الطاقة والاستهلاك أكثر احتراماً للمخلوقات الأخرى، وللتوازن الطبيعي. إلي تتوقف آثار تغير المناخ عند حدود دولة معينة. ولهذا فإن التصدي
لهذا التحدي ينبغي أن تشترك فيه جميع الدول. وتنهض الحوكمة والتعاون على الصعيد الإقليمي في المنطقة العربية بدور هام في دعم تنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ والهدف الثالث عشر من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة )اتخاذ إجراءات عاجلة يمكن أن يسهم من خلالها تحسين الحوكمة والتعاون على المستوى ُ للتصدي لتغير المناخ وآثاره(. تبحث هذه النظرة التحليلية السبل التي الإقليمي في مساعدة الدول العربية في التصدي لتحدي تغير المناخ، ودفع مسيرة التقدم في تنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ وأهداف
الحوكمة والتعاون على الصعيد الإقليمي يمكن أن يحققان مزايا ظاهرة في مجالات منها: تنسيق السياسات ووضع الخطط؛ وإجراء الأبحاث وتبادل المعرفة والمعلومات؛ والمساعدات الفنية وبناء القدرات؛ وحشد التمويل. وقد يحدث ذلك على الصعيد دون الإقليمي أيضاً أو يشمل تعريفات أخرى لكلمة »المنطقة« )على سبيل المثال دول حوض البحر المتوسط أو الدول الإسلامية(، وينبغي أن يشمل الأطراف من غير الدول. في الوقت الراهن،
يوجد في المنطقة العربية إطار عام لبنية مؤسسية ملائمة لحوكمة تغير المناخ على المستوى الإقليمي وهي: جامعة الدول العربية بمثابة مظلة شاملة لكل من وضع الخطط والتعاون الفني رفيع المستوى، في حين تقدم لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا )الإسكوا( أنشطة الدعم في معظم مجالات التعاون الرئيسية الواردة في هذه الدراسة؛ وهناك أيضاً عدد من المنظمات الإقليمية الأخرى التي تنفذ أنشطة لها عالقة ببرامج معينة.
◊ بالرغم من هذه التطورات الإيجابية إلا أن المنطقة العربية تفتقر حتى الآن إلى أي مبادرات أو شراكات بارزة تستهدف تنفيذ تدابير عملية في تغير المناخ. قد ساهمت في تأخير اتخاذ تدابير تغير المناخ ومنها: الضعف المعهود في المؤسسات الإقليمية؛ وغياب أهداف واضحة للتنفيذ وأدوار محددة وآليات للمتابعة؛ وانخفاض معدلات الشفافية والمساءلة في أنشطة الحوكمة؛
والتركيز المحدود على تخفيف حدة آثار تغير المناخ؛ والانعزال الموجود داخل المؤسسة نفسها وبين المؤسسات المختلفة الدول العربية يمكنها الاستفادة من الترتيبات الإقليمية الموجودة حالياً، ولكن ينبغي عليها أن تعمل معاً عن كثب للتغلب على نقاط الضعف الرئيسية المحددة بوسائل منها: تدعيم التعاون دون الإقليمي من خلال مبادرات التنفيذ الاستراتيجية؛ وإعداد خطط عمل إقليمية تفصيلية بأهداف واستراتيجيات واضحة وأدوار محددة للتنفيذ والمراجعة والمتابعة؛
وتبني نهج متكامل إزاء تغير المناخ وأهداف التنمية المستدامة في الحوكمة الإقليمية؛ وتحسين الشفافية حول الأنشطة ووقائع الاجتماعات الإقليمية حول الحوكمة؛ وحشد مؤسسات التمويل الإنمائي العربية لتقديم التمويل المتواصل لمبادرات المساعدات العلمية والفنية الإقليمية وتنفيذ تدابير مواجهة تغير المناخ
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان