لا أدرى لماذا ينزعج بعض المشاهير من الشائعات التى تطاردهم أحيانا وتؤكد وفاتهم ورحيلهم عن الدنيا،أعرف أن فكرة الشائعة فى حد ذاتها سخيفة، لكنى أنظر إليها من ناحية أخرى تماما خاصة لو تعلقت هذه الشائعة بموت الانسان، فهى من وجهة نظرى فرصة لهؤلاء المشاهير ليعرفوا رأى الجماهير العريضة فيهم حتى لو كانت معظم الآراء بعد الموت لا تذكر سوى محاسن الميت لكن أعتقد أننا أمام ظاهرة خطيرة بدأت تنتشر فى السنوات الأخيرة ألا وهى أن البعض يوجه للميت انتقادات لاذعة عن سلوكياته وأقواله وأفعاله بل تتم محاكمة كثير من الأموات فى بعض الأحيان والحكم عليهم إذا كانوا من أهل جنة الفردوس أم من أهل نار جهنم والعياذ بالله!
أنا أرى أن هذه الشائعة وإن كانت مزعجة جدا طبعًا إلا أنها لا تخلو من فوائد. لعل أهم فائدة فيها أنها تذكر كل إنسان منا مهما بلغ شأنه او شهرته أنه سيموت يوما ما ومن لم يمت فى الشائعة سيموت بعدها أكيد عندما يحين أجله ويحل موعده. حب الدنيا والصراع على ملذاتها ومكتسباتها شغلنا مع الأسف الشديد عن ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات مع أنه الحقيقة الوحيدة التى لا يختلف عليها أحد مهما كانت معتقداته وثقافته وأخلاقه.ربما يستطيع أن ينكر كل شيء بما فيه وجود الله عز وجل بذاته العلية لكنه لا ينكر الموت ويدرك أنه سيموت لا محالة يوما ما حتى وإن كل كل منا يعتقد فى قرارة نفسه أنه سيكون آخر من يموت على وجه الأرض. نفس هذه الاعتقاد يظنه أولادنا وبناتنا عندما يعتقدون أن آباءهم وأمهاتهم بعيدون عن فكرة الموت.
لاحظ هلعنا جميعا عند وفاة آبائنا وأمهاتنا حيث كثير منا لا يحزن الحزن المشروع بل يتجاوز فى حزنه لأنه فى قرارة نفسه لا يريد تصديق أن أمه أو أبيه قد رحلا فعلا عن الدنيا. لكن لو كان الآباء والأمهات تحدثوا مع أولادهم عن الموت حسب وصية نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) لكان الأمر أهون علينا.
الفائدة الأخرى من شائعة الموت البغيضة تلك،هى أنها ربما تكون فرصة جديدة للشخص الذى أماتته الشائعة. فهو فى الواقع لا يزال على قيد الحياة وربما لمس من بعض ردود الفعل على شائعة وفاته نوعًا من الشماتة لأنه مثلاً يوما ما ظلم «فلانا» أو أكل مال «علان»،أو أعطى من هو قريب إلى قلبه حقوقًا ومكاسب انتزعها بسبب منصبه ونفوذه من شخص كان مستحقًا لها. فتكون فرصة لرد المظالم والحقوق المغتصبة قبل أن تتحول الشائعة إلى حقيقة ويموت الإنسان ويلقى وجه كريم. فاليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل، والحساب فى الدنيا بين البشر أهون وأسهل من حساب الآخرة وكل يوم يمر عليك قبل أن تتحول شائعة موتك إلى حقيقة هو فرصة جديدة لجعل حسابك يوم القيامة يسيرا وتنقلب إلى أهلك مسرورا.
ربما الشخص الميت فى الشائعة صاحب مركز مرموق قد سولت له نفسه يوما ما أن ينتهك حرمات من هم تحت يده،ويطمع فى حقوق الآخرين الذين لم يكن لهم حول ولا قوة وباءت كل محاولاتهم لرد الظلم عنهم بالفشل فسلموا أمرهم لمن لا تضيع عنده الحقوق.
أنا عن نفسى لولا أننى مدرك أنها فكرة غبية وخطيرة وربما تؤثر سلبًا على أحبابى وأصدقائى المقربين لتمنيت أن أخوض تجربة شائعة الموت المثيرة لأعرف ماذا سيقول بعضهم عنى، وربما ساعتها أعرف أننى ظلمت فى وقت ظننت نفسى فيه عادلاً وأننى جرت بينما كنت أظننى منصفا. ربما أجد نفسى التى ظننتها طيلة حياتى ثوبا ناصع البياض مجرد خرقة بالية مليئة بالرقع والرتق. لذا فهى بروفة أراها مطلوبة جدا لكل منا. فأنت فى هذه التجرية تموت وتعود للحياة فى فرصة نادرة لتصحيح مصائبك التى فعلتها، فانتهزها قبل أن تتحول وفاتك لخبر حقيقى لن ينفيه أحد!.
Hisham.moubarak.63@gmail.com