قد تزايدت في الآونة الأخيرة الدعاوى ضد أخطاء الأطباء رغم ما قد يحيط الخطأ الطبي من صعوبات في وسائل وطرق إثباته، إلا أننا لا يمكن أن نغض الطرف عن حصيلة هذه الأخطاء الطبية من أبرياء ومرضى ووفيات من مختلف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية والذين وضعوا ثقتهم في بعض الأطباء، لكنهم ذهبوا ضحية تهور أو سوء تقدير أو ضعف كفاءة، فضاعت حقوقهم بسبب العجز عن إثبات الخطأ الطبي في العديد من الحالات.
وتطبيقاً لقواعد الإثبات في الدعاوى الجزائية، فإن النيابة العامة يقع على عاتقها عبء إثبات عناصر الجريمة، أما دعوى المسؤولية المدنية الطبية فإنها تحتاج من المريض المضرور إثبات الخطأ الطبي وهو أمر ليس باليسير، لاسيما أن الأعمال الطبية تمتاز بكونها أعمال فنية لا يفهمها الشخص العادي أو المريض.
بادئ ذي بدء ينبغي الإشارة إلى تحقق مسؤولية الأطباء عن كل أخطائهم، فيسأل الطبيب عن خطئه الفني أو المهني الجسيم واليسير، كما يسأل عن خطئه العادي، لأن النصوص القانونية التي رتبت مسؤولية المخطئ عن خطئه لم تفرق بين أنواع الخطأ، وهذا أيضاً ما سار عليه القضاء، وتماشياً مع ذلك فإن مسؤولية الطبيب الجنائية تقوم عن كل خطأ ثابت في حقه على وجه اليقين، سواء كان الخطأ فنياً أو مادياً جسيماً كان أم يسيراً، وذلك وفقاً للقواعد العامة في المسؤولية غير العمدية.
وغنى عن البيان أن إباحة عمل الطبيب تتوقف على أن يكون ما يجريه الطبيب مطابقاً للأصول العلمية المقررة، فإن خالفها أو قصر في اتباعها أو أهمل تحققت مسئوليته الجنائية، حسب تعمده الفعل أو تقصيره وعدم تحرزه في القيام به، حيث يجب على الطبيب أن يلتزم تجاه المريض ببذل العناية وإلا يسأل عن أخطائه حتى لو كانت يسيره.
وجدير بالذكر أن المقصود بالأخطاء المتصلة بالإنسانية الطبية هي تلك المخالفات التي لا صلة لها بالأصول الفنية لمهنة الطب، ومن أهم تلك الأخطاء ما يلي:
1- ممارسة العمل الطبي دون ترخيص من الجهة الحكومية المختصة، وكذلك من يحصل على ترخيص بطرق غير مشروعة، أو يستعمل وسيلة دعائية تجعل الجمهور يعتقد أنه أهل لمزاولة عمل طبي، وأيضاً من ينتحل لقب يطلق على مزاولي مهنة الطب.
2- وكذلك امتناع الطبيب والذي يعلم أن مريضاً في حالة خطرة عن علاجه وتقديم المساعدة الممكنة، ومن أمثلة ذلك: امتناع الطبيب عن استخدام أجهزة الإنعاش الصناعي لمريض معرض لخطر الموت، أو امتناع الطبيب عن التدخل العلاجي في حال انفجار الزائدة الدودية.
3- تخلف رضاء المريض بالعلاج يعد من الأخطاء الطبية التي تستوجب مسؤولية المريض، ولا يجوز مطلقاً للطبيب أن يتدخل لعلاج المريض إلا بعد حصوله على موافقة المريض إذا كان لديه أهلية، فإذا كان ناقص الأهلية فيجب إذن من يمثله قانوناً، ولابد أن يصدر رضاء المريض بعد أن يبين له الطبيب تشخيص مرضه ومدى خطورته ونتائج التدخل الطبي، وهو ما يطلق عليه التزام الطبيب بالإعلام والتبصير، ويستثنى من ضرورة الحصول على رضاء المريض بالعلاج الحالات الخطرة أو الضرورية.
4- إفشاء أسرار المريض، حيث يقع على عاتق الطبيب التزام بألا يفشى سر مريضه، سواء كان هذا السر قد عرفه من خلال ممارسة عمله الطبي، أو أفضى به المريض إليه، وإذا أخل الطبيب بذلك وتحققت مسئوليته ما لم يفعل ذلك لضرورة الإبلاغ عن مريض مرض معد.
5- إجراء العلاج لغير الشفاء: يجب أن يكون غرض الطبيب من العمل الطبي غرض مشروع. وهو علاج المريض، أما إذا تجاوز الطبيب في عمله ذلك الغرض، وكان هدفه من عمله الطبي إجراء تجارب طبية على المريض مثلاً، فإنه يكون قد ارتكب خطأ يستوجب المسؤولية، وكذلك إذا قام بقطع إصبع المريض بناء على طلبه، لكي يعفى من أداء الخدمة العسكرية، فيسأل الطبيب لأن الباعث الذي يبتغيه من عمله ليس شفاء المريض، أو تحقيق مصلحة مشروعة، بل أمر مخالف للنظام العام.
- أولا : العمل الطبي : –
يعرف البعض العمل الطبي بأنه ” ذلك العمل الذى يقوم به شخص متخصص من أجل شفاء الغير ، طالما استند هذا العمل إلى الأصول الطبية المقررة فى علم الطب . فاللجوء إلى العلم من أجل شفاء المريض هو الذى يميز الطب عن أعمال السحر والشعوذة” كما يعرفه البعض الآخر بأنه ” ذلك الجانب من المعرفة الذى يتعلق بموضوع الشفاء وتخفيف المرض ووقاية الناس من الأمراض” . ولكن يعاب على هذين التعريفين أنهما قصرا نطاق العمل الطبي على العلاج ووقاية الناس من الأمراض ، دون الأعمال الأخرى التي تكون غايتها المحافظة على صحة الإنسان وحياته . ولذلك فإننا ننضم إلى الفريق الذى يعرف العمل الطبى بأنه ” كل عمل يكون ضروريا أو ملائما لاستعمال الطبيب حقه فى ممارسة المهنة الطبية ” . أو هو ” العمل الضروري والملائم لتحقيق الغرض الاجتماعي الذى يستهدفه الطب كعلم وفن ” (د / محود نجيب حسنى(
فيدخل في الأعمال الطبية – من غير شك – كل ما يتعلق بالكشف عن المرض (مثل الفحوص البكترولوجية والتحاليل الطبية)، وتشخيصه ووصف الأدوية واعطاء الاستشارات الطبية والعقاقير وإجراء العمليات الجراحية . لعلاجه من أجل تحقيق الشفاء منه أو تخفيف آلامه أو الحد منها . كما يدخل فى الأعمال الطبية الوقاية من الأمراض والمحافظة على صحة الإنسان الجسمية والنفسية ، أو تحقيق مصلحة اجتماعية يقرها المجتمع . (د/ أسامة عبد الله قايد – المسئولية الجنائية للأطباء – ص۵۵ – نقض ۱۵/۱۰/۱۹۵۷ – المرجع السابق ص۸۷٦) .
ثانيا : شروط أباحه العمل الطبي : –
يشترط لإباحة الأعمال الطبية توافر عدة شروط ، الهدف منها ضمان حصر العمل الطبى المباح فى المجال الذى يفيد المجتمع ، وحتى لا يساء استعماله فينقلب شرا يصيبه ، فيشترط أن يكون الطبيب أو الجراح مرخصا له فى مباشرة الأعمال الطبية ، وأن تكون هذه الأعمال قد وقعت برضاء المريض أو ممن يعتد برضائه فى ظروف خاصة ، ,ان تكون الغاية من هذه الأعمال هى العلاج . فإذا لم يعمل الجراح أو الطبيب داخل هذه الحدود كان مسئولا عما يتسبب عن فعله مسئولية عمدية أو غير عمدية . (د/ محمود نجيب حسنى – د / محمود مصطفى – المرجعان السابقان) .
۱) الترخيص القانونى بمزاولة المهنة :
حتى يكون العمل الطبى مباحا يجب أن يباشره شخص مرخص له قانونا بمزاولة مهنة الطب . ويقتضى ذلك الحصول على بكالوريوس الطب والجراحة ، ثم الحصول على ترخيص الجهة المختصة بمباشرة مهنة الطب . وعلة هذا الشرط أن المشرع لا يثق فى غير من رخص لهم بمزاولة الأعمال الطبية ، إذ هم الذين تتوافر لديهم الدراية والخبرة العلمية للقيام بعمل طبى أو جراحى مطابق للأصول العلمية من أجل شفاء المريض . (د/ محمود نجيب حسنى – المرجع السابق) .
والترخيص بمزاولة مهنة الطب قد يكون عاما شاملا لجميع أعمال المهنة ، وقد يكون خاصا بمباشرة أعمال معينة منها . وفى هذه الحالة لا تتحقق الإباحة إلا إذا كان العمل داخل فى حدود الترخيص المقرر وقد قضت محكمة النقض بأن : حق القابلة لا يتعدى مزاولة مهنة التوليد مباشرة غيرها من الأعمال ومن بينها عمليات الختان التى تدخل تحت عداد ما ورد بالمادة الأولى من القانون رقم ٤۱۵ لسنة ۱۹۵٤ التى قصرت على من كل طبيبا مقيدا اسمه بجدول الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين . واجراؤها عملى الختان يكون خروجا عن نطاق ترخيصها ، ومن ثم تسأل عن جريمة عمدية . (نقض ۱۱ مارس سنة ۱۹۷٤ ، مجموعة أحكام محكمة النقض ، س۲۵ ، رقم ۵۹ ص۲٦۳ ، وأنظر أيضا نقض ٤ يناير سنة ۱۹۳۷ ، مجموعة القواعد القانونية ، جـ٤ ، رقم ۳٤ ، ص۳۱ ، ونقض ۱۳ يونيو سنة ۱۹۳۹ ، مجموعة القواعد القانونية ، جـ٤ ، رقم ٤۰۷ ،ص۵۷٦(
وقد أجاز القانون استثناء لطائفه خاصه من غير الاطباء -كالممرضات -ممارسة بعض الاعمال الطبيه كان حكمهم فى ذلك حكم الطبيب بالنسبه للاعمال المرخص لهم بمزاولتها .
فقد قضى بأن “الحلاق الذى يجرى عملية حقن تحت الجلد يسأل جنائيا عن احداث الجرح العمد رغم رخصه الجراحه الصغرى التى بيده اذ هى على حسب القانون الذى اعطيت على مقتضاه لا تبيح اجراء هذا الفعل .(نقض ۲۳اكتوبر سنة ۱۹۳۹ مجموعة القواعد القانونيه ج ٤ رقم ٤۱۷ ص ۵۸۵ )
ولا يقبل من المتهم الدفع بأنه حاصل على بكالوريوس فى الطب وأنه ارتكب الفعل بناء على طلب المريض والحاحه او بان الغرض الذى قصد اليه وهو شفاء المريض قد تحقق أو بأنه لم يقع منه خطأ فنى او مادى اذ ان فعله قد وقع غير مشروع ابتداء فيسأل عن نتائجه كغيره من الناس عن جريمة عمديه .
وقد قضت محكمة النقض بأن : لا تغنى شهادة الصيدليه أو ثبوت دراية الصيدلى بعملية الحقن عن الترخيص لمزاولة مهنة الطب وهو ما يلزم عنه مساءلته عن جريمة احداثه بالمجنى عليه جرحا عمديا ما دام أنه كان فى مقدوره أن يمتنع عن حقن المجنى عليه مما تنتفى به حالة الضروره .
(نقض ۱۳ ديسمبر سنة ۱۹٦۰ مجموعة احكام النقض س۱۱ رقم ۱۷٦ ص ۹۰٤ ) .
وبأنه ” الأصل أن أى مساس بجسم المجنى عليه يجرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب ،وانما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على اجازة علمية طبقا للقوانين واللوائح ، وهذه الاجازة هى اساس الترخيص الذى تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزاولتها فعلا .وينبنى على القول بأن اساس عدم مسئولية الطبيب استعمال الحق المقرر بمقتضى القانون ان من لايملك حق مزاولة مهنة الطب يسأل عما يحدثه بالغير من جروح وما اليها باعتباره معتديا – اى على اساس العمد – ولايعفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية :تقضى ۲مارس سنة ۱۹۸۱، مجموعة أحكام محكمة النقض ،س۳۲،رقم ۳۱،ص۱۹٦. وانظر فى نفس المعنى نقض۲٤ اكتوبر سنة ۱۹۳۲، مجموعة القواعد القانونية ،جـ۲، رقم ۱،ص۱۰۳۹، ونقض ۱۸فبراير سنة ۱۹۵۲،مجموعة احكام محكمة النقض ،س۳،رقم ۲٦،ص٦۹۸) .
وانظر عكس ذلك نقض ۲۷مايو سنة ۱۹۳۵ ، ومجموعة القواعد القانونية ،جـ٤،رقم ٤۱۷،ص۵۸۵حيث قضت محكمة النقض بأن التمورجى اذا ادخل قسطرة فى قبل المريض بطريقة غير فنية فأحدث جرحين بالمثانة ومقدم القبل يسأل عن جريمة القتل الخطأ.
۲) رضاء المريض :
لا يكون العمل مباحا إلا إذا رضى المريض به . فرضاء المريض سابق لمباشرة العمل الطبى عليه .وعله هذا الشرط هى رعاية ما لجسم الانسان من حصانه ، بحيث لايجوز لاحد ان يمس به إلا برضاء صحيح من المريض (د/حسن محمد الجدع – دمحمد صبحى محمد نجم – محمود نجيب حسنى) ويجب ان يكون رضاء المريض صحيحا ، وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان حرا ومتبصرا وصادرا عن ذى اهلية . فإذا وقع المريض فى غلط أو تدليس أو اكراه فإن رضاؤه يتجرد من القيمة القانونية وكذلك يجب أن يكون رضاء المريض مبينا على اساس من العلم المستنير بطبيعة ونوعية ومخاطر النتائج المحمله للعمل الطبى الذى ينصرف اليه رضاؤه وإلا كان الطبيب مسئولا .ذلك أنه لا يتسنى للمريض قبول أو رفض تحمل مخاطر العلاج الا بعد تبصيره بحقيقه هذا العلاج ومدى ما ينطوى عليه من مخاطر (د/محمود نجيب حسنى – المرجع السابق)
ويجب ايضا ان يصدر الرضاء عمن هو اهل له . ومتى كان المريض بالغا رشيدا متمتعا بكامل قواه العقلية ، فإن رضاؤه المتبصر بالتدخل العلاجى او الجراحى لايثير مشكلة . أما إذا كان فى وضع لايسمح له بأبداء ذلك الرضاء لكونه فى غيبوبة او عديم الاهلية (الصبى دون السابعة) او ناقصها ( القاصر) فإنه يلزم ان يصدر الرضاء باجراء التدخل الطبى او الجراحى ممن ينصبه القانون ممثلا له . وبالنسبة للقصر فإن الامر يدق بالنسبة للسن التى يعد عند بلوغها أهلا للرضاء بمباشرة الاعمال الطبية على جسده . وفى هذا السديد يرى البعض – وبحق – انه لامحل فى تحديد السن هنا للرجوع الى قواعد القانون المدنى ، ولا محل كذلك للرجوع الى السن التى يحددها قانون العقوبات لبلوغ الاهلية الجنائية ، اذ يتعلق هذا التحديد بموضوع مختلف ، وانما ينبغى الاعتداد بالسن التى يكون الشخص قادرا ببلوغها على ادراك مغزى تصرفه وتقدير خطورته .
وعلى ذلك اقترح البعض أن تكون سن الاهلية الطبية هى الخامسة عشره . واستندوا فى ذلك الى المادة ٦ من قانون رقم ۱۵۸ لسنة ۱۹۵۰ بشأن مكافحة الامراض الزهريه التى تنص على أنه ” إذا كان المريض حدثا دون الخامسة او معتوها يقع التكليف بمعالجته على …والديه او وليه او على رئيس المؤسسه التى يوجد بها ” كما تنص المادة ۵/۱من قانون الاجراءات الجنائية على أنه ” إذا كان المجنى عليه فى الجريمة لم يبلغ خمس عشر سنه كاملة أو كان مصابا بعاهة فى عقله ، تقدم الشكوى ممن له الولاية عليه ” فالمستفاد من هذين النصين ان المشرع اعترف بإرادة مستقلة للشخص عن ارادة من له الولاية عليه ببلوغه سن الخامسة عشره من عمره. (د/ حسن محمد ربيع – د/محمود نجيب حسنى – د/ محمد مصطفى القللى) ورضاء المريض قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا . كما لو ذهب المريض الى غرفة العمليات بعد ان علم بنوع العملية التى تقتضيها حالته .
ولكن لايستفاد الرضاء ضمنا من مجرد ذهاب المريض الى عيادة الطبيب، واذ ان الاعمال الطبية متنوعه . وقد يرضى المريض ببعضها دون البعض الاخر . وتطبيقا لذلك قضت محكمة douai بأنه ” يجب على الطبيب قبل اجراء العملية الجراحية ان يحصل على رضاء المريض أو من يشمله بسلطته وعلى الاخص اذا كان من المحتمل ان تؤدى العملية الى نتائج خطيره ، وعندئذ يتعين على الطبيب ان يعطى المريض صورة صحيحة عن تلك المخاطر وإلا كان مسئولا.(د/محمود محمود مصطفى – محمود نجيب حسنى) وعلى ذلك اذا اجرى الجراح عملية جراحية للمريض بدون رضائه او رضاء من يمثله ، فإن هذا الفعل يكون غير مشروع لمساسه بسلامة جسم المجنى عليه وتكامله الجسدى ، ولم تكن ثمة ضرورة لتدخله .
وفى هذه الحاله يسأل الطبيب او الجراح مسئولية عمدية كأى شخص عادى ، حتى ولو قصد بفعله العلاج واستفاد منه المريض . ومسئولية الطبيب – فى هذه الحالة – مستقله تماما عن المسئولية التى تنشأ عن اخطائه المهنية (د/محمود نجيب حسنى – د/رمسيس بهنام – د/حسن ربيع) .
۳) قصد العلاج :
لا يكون العمل الطبى مشروعا إلا إذا قصد به علاج المريض أما إذا لم يتوافر قصد العلاج زال حق الطبيب وإنعدم قانونا بإنعدام علته وزوال أساسه ، وجرى عليه حكم القانون اسوه بسائر الناس ، فيسأل عن فعله جنائيا . وتطبيقا لذلك قضى بمعاقبة طبيب قام بإجراء عملية بتر عضو من أعضاء جسم شخص بقصد تسهيل تخليصه من الخدمة العسكرية . رغم ان هذه العملية قد تمت برضاء المجنى عليه وبناء على رجائه، او اذا حصل الطبيب على رضاء إمراة باستئصال مبيض التناسل لها على الرغم من ان حالتها الصحية لاتستدعى هذا التدخل الطبى . كذلك يسأل الجراح جنائيا عن جريمة عمدية اذا قام باجراء جراحه يعلم انه لاجدوى منها، لكنه اجراها لمجرد ابتزاز مال المجنى عليه ، أو أن يوقع الكشف الطبى على إمراة اشباعا لشهوة لديه ، أو لمجرد اجراء تجربه علمية (د/حسن ربيع – ونقض ۱۱/۳/۱۹۷٤- مجموعة احكام محكمة النقض -س۲۵، رقم ۵۹-ص۲٦۳)
ولايؤثر فى قيام مسئولية الجراح أو الطبيب ولا يمحو جريمته رضاء المجنى عليه بالفعل غير المشروع الذى وقع على جسمه . ذلك أن سلامة جسم الانسان من النظام العام وحمايتها أمر يقتضيه الصالح العام ، ولا يجوز الخروج على هذا الأصل إلا إذا كان فعل المساس بسلامة الجسم يحقق فائدة للانسان ذاته بعلاجه من مرض الم به ، وعلى ذلك فإن رضاء المجنى عليه باطل ولا يعتد به ، لأن الهدف العلاجى يعد بمثابة شرط من شروط إباحة العمل الطبى (د/ رؤف عبيد – د/ محمود محمود مصطفى ) .
ويتعلق بوجوب انصراف نية الطبيب إلى العلاج كشرط لإباحة أعماله الطبية مسألة جراحة التجميل ، وجراحة التجميل هى العمليات التى لايقصد بها شفاء علة ، وإنما اصلاح تشويه خلقى او طارئ – لاينال الصحة بضرر ، إذ أنه لايهدر مصلحة الجسم فى السير الطبيعى العادى ، ولكنه مؤثر فى شكل الانسان ، لانه يلحق ضرر بقيمته الشخصية والاجتماعية. فعمليات التجميل تهدف الى اعطاء عضو من اعضاء الجسم او جزء من الشكل الطبيعى او الفطرى ، بإزالة التشوية الذى يصيب الانسان بأمراض نفسيه تؤثر فى شخصيته .
ذلك ان العلاقة وثيقه بين نفسية الانسان وصحته إذا أن التجميل يعطى للانسان مسرة وسعادة التى هى احدى شروط الصحة .( د/محمود نجيب حسنى رقم ۱۲۵ -ص۱۸۱- المرجع السابق) .
وجراحات التجميل أصبحت من العمليات المشروعة التى تجيزها الشريعة الاسلامية ، كما امر القضاء بدخولها فى نطاق العمل الطبى . وفى هذا الصدد قضت محكمة lyon بأن الطبيب الذى يجرى إزالة الشعر الغزير من جسم سيده باستخدام العلاج الكهربائى لايعد مسئولا عن الضرر الذى يترتب على علاجه ، طالما لم يقع منه تقصير فى العلاج. (د/محمود نجيب حسنى – المرجع السابق – رقم ۱۸۳ -ص۱۸۷) .
ثالثا : حكم المعمل الطبي إذا تخلف شرط من شروط الاباحة : –
تقضى القواعد العامة بأنه اذا تخلف شرط من شروط الاباحة استتبع ذلك القول بأن الفعل غير مشروع . ذلك ان الفعل خاضع أصلا لنص تجريم ، فلا يخرج من نطاقه الا اذا توافر سبب اباحة بكل شروطه . وانتقاء احد هذه الشروط يعنى انتفاء سبب الاباحة ذاته . فاذا لم يكن العمل ذاته طبيبا وفقا للتعريف الساب ق، فلا تثور على الاطلاق فكرة الاباحة ولو كان الذى يأتيه طبيبا.
ولكن قد لا تقوم المسئولية الجنائية على الرغم من انتفاء بعض شروط الاباحة أو كلها إذا توافرت حالة الضرورة ، كما تحددها المادة ٦۱من قانون العقوبات . ومن القواعد الشرعية المقررة ايضا ” أن الضرورات تبيح المحظورات “وفى القران الكريم : فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه” .وفى الحديث الشريف ” رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” وعلى ذلك إذا صدر العمل من غير طبيب . أو لم يقترن به رضاء المريض ، أو لم يكن العمل فى ذاته طبيا ،
ولكن ثبت أن ثمة خطرا جسيما على وشك الوقوع يهدد صحة المريض ، ولم يكن من سبيل الى دفعه بغير هذا العمل ، امتنعت مسئولية مرتكبه . (أ/عبد القادر عودة – المرجع السابق -د/ محمود نجيب حسنى – ونقض ۲۰/۲/۱۹٦۸ مجموعة احكام محكمة النقض -س۱۹رقم ٤٦- ص۲۵٤) .