ألحق تدمير الإنسان للطبيعة الذي يقلص بشكل حاد موائل الحياة البرية باشكالها، وكذلك الإفراط في استغلال بعض الأنواع والصيد والاتجار، أضراراً كبيرة بالكائنات الحيّة. إلا أن علماء وخبراء النباتات والحيوانات يعربون أكثر فأكثر عن قلقهم من تأثير الاحترار المناخي.
تؤدي التغيرات المناخية إلى تغير طبيعة المواطن الطبيعية للعديد من الأنواع، على نحو يهدد بقاءها على قيد الحياة. ولإنقاذ هذه الكائنات من الانقراض، يتطلع علماء الحفاظ على الأنواع بشكل متزايد إلى نقلها إلى مواطن أخرى لم تسكنها من قبل. وتحمل إعادة التوطين في طياتها مخاطر لكلٍّ من الأنواع التي يعاد توطينها والمواطن الطبيعية التي تُنقل إليها، لكنه ربما يقدم أفضل أمل لمنع الانقراض.
وشهد العالم تغيرات مناخية قاسية خلال الأشهر الماضية من فيضانات وأمطار رعدية كثيفة وسلسلة حرائق وأعاصير. وتترك هذه التغيرات آثارها السلبية على البيئة والحيوانات، وحذّر الكثير من جمعيات الحيوان من هذه التغيرات والتي لها التأثير الأكبر على الحياة البرية والمخلوقات البحرية على وجه التحديد، وعلى رأسها أسماك القرش.
فقد بات تدهور التنوع الحيوي وخطر انقراض العديد من الحيوانات قضية حاسمة في ضرورة الاهتمام بيئة الأرض والحياة على هذ الكوكب، فقد تعرضت الكرة الأرضية للتدهور البيئي منذ عقود منصرمة، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد الحيوانات المهددة بالانقراض ومن بينها عدد كبيرغير معروف، فهل هناك من وضع إحصائيات لها أو لتراجعها بشكل ملحوظ؟ إلى الآن لا توجد إحصائيات دقيقة للكائنات المهددة بالانقراض أوالتي انقرضت، خاصة التي توجد في أماكن معزولة صعب الوصول اليها. وفي بعض الأحيان نسمع أن هناك كائنا منقرضا أو مهددا بالانقراض أي أنه نادروعلينا حمايته من الانقراض، فتقوم العديد من المنظمات الدولية والجمعيات المتخصصة بوضع قوانين شديدة تردع وتعاقب من يؤذي هذه الحيوانات النادرة، حيث من الممكن أن تصل العقوبة إلى الحبس والغرامة المالية الكبيرة.
ولقد أدى الصيد الجائر إلى زيادة الكائنات المهددة بالانقراض، وتسبب في تناقص أعدادها بالإضافة إلى التوسع السكاني الذي اقتحم بيئتها الطبيعية والتسبب في هجرتها وموتها، وعلى سبيل المثال نذكر دب الباندا الصيني والحيتان البيضاء والنمر العربي وغيرها الكثير. اختفاء أو انقراض تلك الكائنات يتسبب في حدوث خلل في التوازن الطبيعى فمنها من يعيش حياته عليها ومنهم من هي تعيش عليه، فهي سلسلة مرتبطة ببعضها الآخر، فانقراض نوع قد يؤدي إلى انقراض نوع آخر.
وقد حدثت الانقراضات في الأزمنة الحديثة بمعدل سريع نتيجة التغيرات المناخية المتسارعة، حتى أن بعض العلماء يعتقدون أن انقراضًا جماعيًا يجري الآن في العالم، وأن الأنشطة البشرية سببت معظم هذه الانقراضات. وأثناء الـ 200 سنة الأخيرة، فإن أكثر من 50 نوعًا من الثدييات، وربما 75 نوعًا من أنواع أخرى من الحيوانات، أصبحت منقرضة. إن طائر الدودو المنقرض، والأوك العظيم، وبط لبرادور والموة والحمام المهاجر، هي من بين الطيور التي اختفت.
أما الثدييات التي أصبحت الآن منقرضة، فتشمل بقرة ستلر البحرية، ونوعًا من الحمر الوحشية يسمى غواجا. إن عدة أنواع تشمل حصان برزيوالسكي والبيسون الأُوروبي قد انقرضت في البرية ولكنها حُفظت في الأسر أو في حدائق مفتوحة، وعليه اختفاء أو انقراض تلك الكائنات يتسبب في حدوث خلل في ميزان الطبيعة فمنها من يعيش حياته عليها ومنهم من هي تعيش عليه، فهي سلسلة مرتبطة ببعضها الآخر، فانقراض نوع قد يؤدي إلى انقراض نوع آخر.
“القائمة الحمراء” للأنواع المهددة بالانقراض، والتي يضعها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، تطول أكثر بسبب التغير المناخي والإحتباس الحرارى وتدخل الإنسان. التحديث الأخير للقائمة يظهر أن سحالي “تنين كومودو” الأندونسية أيضاً أصبحت مهددة بالانقراض بشدة.
وهناك نحو 28 في المئة من 138 ألف نوع تم تقييمها من الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة معرضة لخطر الانقراض في البرية إلى الأبد، فيما يتصاعد التأثير المدمر للنشاط البشري على عالم الطبيعة. لكن التحديث الأخير للقائمة الحمراء للأنواع المهددة يظهر أيضاً إمكان نجاة أربعة أنواع من التونة التي يتم صيدها لأغراض تجارية، من خطر الانقراض بعد عقد من الجهود الرامية إلى الحد من استغلالها بشكل مفرط.
وفي الوقت نفسه، يلقي تغير المناخ بظلاله القاتمة أكثر من أي وقت على مستقبل العديد من الأنواع، وخصوصاً الحيوانات والنباتات المستوطنة التي تعيش بشكل فريد في جزر صغيرة أو في بعض النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي. وقال الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة إن هذه الأنواع “مهددة بشكل متزايد بتأثيرات تغير المناخ”. ويتوقع أن يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر إلى تقليص مساحة موطنها الصغير بنسبة 30 في المئة على الأقل خلال الاعوام الـ45 المقبلة. وقال أندرو تيري مدير عمليات الحفظ في جمعية علم الحيوان في لندن “فكرة أن هذه الحيوانات التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ اقتربت خطوة إضافية من الانقراض بسبب تغير المناخ جزئياً، هي فكرة مرعبة”. وأضاف أن هذا التراجع في أعدادها هو “نداء واضح من الطبيعة لوضعها في صلب عمليات صنع القرار” خلال محادثات المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة في غلاسكو.
“خطر الانقراض العام آخذ في الارتفاع”
في غضون ذلك، كشف المسح الأكثر شمولاً لأسماك القرش والشفنينيات، أن 37 في المئة من 1200 نوع تم تقييمها مصنفة الآن مهددة بالانقراض بشكل مباشر. وقال نيكولاس دولفي الأستاذ في جامعة سايمون فريزر والمؤلف الرئيسي لدراسة نُشرت الإثنين تستند إلى تقييم القائمة الحمراء، إن الأنواع المهددة حالياً تزيد بمقدار الثلث على تلك المهددة قبل سبع سنوات. وأوضح لوكالة فرانس برس: “حالة الحفظ على المجموعة ككل مستمرة في التدهور، وخطر الانقراض العام آخذ في الارتفاع بمعدل ينذر بالخطرإذا لم يحدّ من الصيد بشكل كاف، سنعرض صحة المحيطات للخطر ونهدر فرص الصيد المستدام والسياحة والتقاليد والأمن الغذائي على المدى الطويل”.
وأطلق الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ( (IUCN رسمياً “القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض Red Data List” المنتظرة بترقب شديد إذ يعطى تقييم الدمار المستمر لبيئتنا وستكون مرفقة للمرة الأولى “بـ”قائمة خضراء” تتضمن النجاحات في مجال حفظ الطبيعية. ، وهو أول معيار عالمي لتقييم استعادة الأنواع وقياس تأثير الحفظ. ويقيّم المقياس الجديد إلى أي مدى تناقصت الأنواع أو انتعشت مقارنة بمستوياتها التاريخية ويقيّم كذلك فعالية إجراءات الحفظ السابقة والمحتملة في المستقبل. وقد فشلت الجهود المبذولة لوقف التراجع الحاد في أعداد الحيوانات والنباتات وتنوعها بشكل كبير. وفي العام 2019، حذر خبراء التنوع البيولوجي في الأمم المتحدة من أن مليون نوع على وشك الانقراض، مما ينذر باحتمال حدوث انقراض جماعي سادس خلال 500 مليون سنة. أن “الاتجاهات تُظهر وتشير بوضوح أننا بين مئة وألف مرة أعلى من معدلات الانقراض العادية إذا تواصل الارتفاع في الإحتباس الحارارى بهذه الوتيرة، سنواجه قريباً أزمة إنقراض كبيرة”. وحذّر المسؤولين في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة عن القائمة الحمراء من أن العالم يقترب من “الانقراض السادس” للأنواع إذ لن يستطيع إنقاذها كلها في ظلّ تسارع اندثارها.
والسؤال الأن هل يستطيع العلماء إنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض عن طريق إعادة توطينها؟. لإنقاذ الأنواع من خطر التغيرات المناخية، يتطلع العلماء إلى نقلها إلى مناطق لم يسبق أن استوطنتها من قبل؛ وهي استراتيجية محفوفة بالمخاطر. وبيد أن فكرة إعادة التوطين بوصفها أحد أساليب الحفاظ على الأنواع أثارت انتقادات قوية، بسبب إمكانية أن تتسبب في دمار بيئي للأنواع التي يعاد توطينها وللموطن الطبيعي الذي تُنقل إليه. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثيرين من علماء الحفاظ على الأنواع قد كرسوا حياتهم لإعادة الحيوانات مرة أخرى إلى الأماكن التي اعتادت أن تعيش فيها قبل 100 أو 200 سنة، كما حدث مع الذئاب الرمادية في يلوستون، أو مع الثور الأمريكي في السهول العظمى، وبالنسبة لهم قد تبدو فكرة إيجاد أماكن جديدة قد تعيش فيها هذه الأنواع في مستقبل مجهول بمنزلة بدعة.
ولكن نظرًا لأن التدمير المحتمل من جَرَّاء التغير المناخي أصبح أكثر وضوحًا، تراجع النقد لصالح وضع خطوط إرشادية حول كيفية نقل الأنواع وتوقيته، ولصالح زيادة قبول فكرة إعادة التوطين، إذا كان لا يزال من الصعب تقبل الفكرة. وقد كشف مسح حديث شمل 2300 عالِم من علماء التنوع البيولوجي نُشر في دورية “إليمنتا: ساينس أوف أنثروبوسين” Elementa: Science of Anthropocene، أن الغالبية تؤيد الفكرة في ظل ظروف بعينها، وتحديدًا عندما يكون هذا الحل سيمنع انقراض الأنواع، وعندما يكون الخطر الذي يهدد الموطن الوجهة محدودًا أو لا توجد مخاطر على الإطلاق.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم