كشف التقرير السادس لتوقعات البيئة العالمية الأربعاء الموافق ٢٧ يوليو ٢٠٢٢عن أن السياسات التقليدية التي تحاول معالجة المشكلات البيئية بعد وقوعها لا يمكن أن تواكب معدل التدهور البيئي الذي نشهده اليوم, فضلا عن أن الأنشطة البشرية غير المستدامة على الصعيد العالمي تسببت في تدهور النظم الأيكولوجية لكوكب الأرض مما يعرضها للخطر.
وكانت الأمم المتحدة و الجامعة العربية و مركز البيئة و التنمية “سيداري” قد أطلقوا في إجتماعهم النسخة العربية من التقرير السادس لتوقعات البيئة العالمية, التقرير الذي يصدر كل 4 سنوات ليتناول النتائج التي تم التوصل اليها و الأزمات البيئة الكارثية التي يواجهها العالم, وأهمها تغير المناخ و فقدان التنوع البيولوجي و التلوث. و تمثل تقارير توقعات البيئة العالمية سلسلة من الدراسات التي تسترشد بها الحكومات و غيرها من الجهات صاحبة المصلحة في صنع القرارات البيئية.
وتهدف الطبعة السادسة لتقرير توقعات البيئة العالمية تحت عنوان” كوكب سليم, أناس أصحاء” إلى توفير مصدر سليم قائم على الأدلة للمعلومات البيئية من أجل مساعدة مقرري السياسات و المجتمع كله على تحقيق البعد البيئي من خطة العام 2030 للتنمية المستدامة و الأهداف البيئية المتفق عليها دوليا و تنفيذ الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف, لتحديد الخيارات المتاحة مستقبلا و تحقيق التنمية المستدامة بحلول عام 2050.
تدهور الحالة العالمية
و يشير التقرير إلى أنه رغم الجهود المبذولة على صعيد السياسات البيئية في جميع البلدان و المناطق إلا أن الحالة العامة للبيئة العالمية مستمرة في التدهور منذ صدور الطبعة الأولى لتقرير توقعات البيئة العالمية, وذلك في ظل العوامل المتعددة التي تعرقل هذه الجهود لا سيما أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة في معظم البلدان, وتغير المناخ.
فعلى سبيل المثال لا تزال الانبعاثات الناجمة على النشاط البشري تغير تكوين الغلاف الجوي, مما يؤدي إلى تلوث الهواء و تغير المناخ واستنفاد الأوزون, ويشكل تلوث الهواء العامل الرئيسي المساهم في عبء المرض العالمي وحيث يتسبب في عدد يتراوح بين 6 و7 ملايين من الوفيات المبكرة و في تكبد خسائر في مجال الرعاية الاجتماعية تقدر بمبلغ 5 تريليون دولار سنويا.
التنوع البيولوجى
وفيما يتعلق بالتنوع البيولوجي الذي يساعد في تنظيم المناخ و ترشيد الهواء و الماء و يخفف من آثار الكوارث الطبيعية, فهناك تزايد في معدلات انقراض الأنواع, وفي الوقت الحاضر فتعتبر نسبة 42% من اللافقاريات البرية و 24% من لافقاريات المياه العذبة و 25% من فقاريات البحار معرضة للانقراض, ويشير التقرير أيضا إلى أنه في الفترة من 1970إلى 2014 انخفض تعداد جماعات أنواع الفقاريات على الصعيد العالمي بنسبة 60%في المتوسط.
ارتفاع درجات الحرارة
و بالنسبة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري البشرية المنشأ والآثار المناخية المترتبة عليها, فهي في تزايد مستمر, رغم تنفيذ أنشطة التخفيف في أجزاء كثيرة من العالم, فمنذ عام 1880, ارتفع متوسط درجة حرارة السطح العالمية بمقدار يتراوح بين 0,8 و1,2 درجة مئوية, فقد شهد العقد الماضي ثمانية من السنوات العشر الأعلى حرارة في التاريخ, وإذا ظلت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على حالها, ستستمر متوسطات الحرارة العالمية في التزايد بالمعدل الحالي, متجاوزة الحد المستهدف المتفق علي في إطار اتفاق باريس في الفترة من 2020و 2052, حيث يلزم اتفاق باريس البلدان بإبقاء ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية في حدود أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية و بمواصلة الجهود الرامية إلى حصر ارتفاع درجة الحرارة في حدود لا تتجاوز 1,5 درجة مئوية فوق مستويات ما فوق الحقبة الصناعية , و لقيام بذلك من شأنه أن يقلص من مخاطر تغير المناخ و أثره, في حين أن المساهمات الحالية المحددة وطنيا و التي قدمت في باريس عام 2015 لا تشكل سوى ثلث جهود التخفيف اللازمة لإنشاء المسار الأقل تكلفة واللازم للبقاء دون درجتين مئويتين, وللحفاظ على فرصة جيدة لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة في حدود أقل بكثيرمن درجتين مئويتين, يلزم أن تنخفض الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 40 و 70 % على الصعيد العالمي في الفترة بين عامي 2010و 2015, وأن تنخفض إلى صفر كقيمة صافية بحلول عام 2070.
الاهتمام بالتغيرات المناخية
هناك تصاعدا للاهتمام بقضايا البيئة في العالم وتسابق الدول العربية على استضافة مؤتمرات دولية مهمة في هذا المجال لعل أقربها هو مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخ الذي تعقد الدورة 27 له في شرم الشيخ في نوفمبرالمقبل، كما تعقد الدورة 28 لذات المؤتمر في دولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر 2023.
وإن البحث العلمي وتبادل الخبرات يمثلان دورا مهما في بناء قدراتنا في التعامل مع الأزمات وإحداث التحول المطلوب في مجتمعاتنا للتكيف والتطور مع التغيرات البينية والمناخية، كذلك الربط السليم بين نتائج العلوم وصباغة السياسات يلعب دورا مهما في الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية والحد من التدهور البيئي وتحقيق متطلبات الاستدامة.
إجراءات وقف التدهور البيئى
و يشير التقرير إلى الإجراءات العاجلة التي من شأنها أن توقف هذه الحالة من التدهور البيئي العالمي, للحفاظ على الصحة البشرية و صحة البيئة و سلامة النظم الإيكولوجية العالمية, متمثلة في الحد من تدهور الأراضي وتلوث الهواء و الماء وفقدان التنوع البيولوجي, وتحسين إدارة المياه و التخفيف من آثار تغير المناخ و التكيف معه, إلى جانب كفاءة استخدام الموارد وتحسين إدارتها و تخفيض الانبعاثات الكربونية. هذا إلى جانب تعميم الاعتبارات البيئية في القرارات الاجتماعية والاقتصادية من خلال تطبيق الإقتصاد الأخضرلتحقيق أهداف التنمية المستدامة, والإتزام بالاتفاقات البيئية متعددة الأطراف و الأهداف البيئية المتفق عليها دوليا .
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم