أن جريمة إساءة الائتمان تتشابه مع جريمة الاحتيال في تصنيفها ضمن الجرائم التي تقع على الأموال، إلا أنها تختلف من حيث أن التسليم في جريمة إساءة الائتمان يستند إلى عقد من عقود الأمانة بكامل الرضا وحرية المتعاقدين وإرادتهم المتبادلة،
في حين أن التسليم في جريمة الاحتيال يكون بإرادة ناقصة، وذلك باستعمال أساليب الغش والخداع والدسائس إساءة الائتمان هي جريمة حددها القانون الجزائي لحماية المعاملات والثقة بين الناس في المجتمع. إذا يفرض هذا القانون أن يسلم شخص لشخص آخر مال منقول ليرده بعد زوال سبب معين وليس ليتملكه.
عرفها الفقهاء بأنها استيلاء الشخص على منقول يحوزه بناءاً على سند مما حدده القانون عن طريق خيانة الثقة التي أودعت فيه بمقتضى هذا السند وذلك عن طريق تحويل صفته من حائز حيازة ناقصة لحساب مالكه إلى مدعي بملكية هذا الشيء. تتميز جريمة إساءة الأمانة بطبيعة خاصة حيث أنها من الجرائم الوقتية التي تقع بمجرد وقوع الفعل الجرمي وتحقق نتيجته.
إن جريمة إساءة الأمانة هي جريمة ضد المال والأصل فيها الاعتداء على حق الملكية وهذا الحق لا يرد إلا على مال ذو طبيعة مادية ومنقولاً.
حتى تتوافر جريمة إساءة الائتمان لا يكفي أن يكون موضوعها مالاً منقولاً مملوكاً للغير ، بل لا بد أن يكون المال قد سبق تسليمه للجاني ، أي أن يكون التسليم سابقاً على الفعل المادي المكون للجريمة ، فإذا لم يكن هناك تسليم سابق ، فلا تتحقق الجريمة ، ويترتب على ذلك أن الناشر الذي يذكر للمؤلف في الفاتورة عدداً من النسخ أقل مما طبعه فعلاً ، ليستولي على الفرق ، لا يعد مرتكباً لجريمة إساءة الائتمان ، لأنه ليس هناك تسليم سابق .
والتسليم قد يكون من المجني عليه إلى الجاني مباشرة ، وهو الصورة الغالية ، وقد يكون من غير المجني عليه ، فالوكيل يعتبر مسيئاً للائتمان ، إذا كتم الأموال التي تسلمها من الموكل نفسه، ويعتبر مسيئاً للائتمان كذلك ، إذا اختلس الأموال التي يتسلمها من العملاء لحساب الموكل، والتسليم قد يكون إلى الجاني نفسه – وهو الصورة الغالية – وقد يكون إلى شخص آخر ينوب عنه ، كوكيله أو تابعه … الخ ، ففي الحالتين يتحقق التسيلم ، وتتوافر جريمة إساءة الائتمان .
ولا يشترط لقيام التسليم ، أن يكون حقيقياً ، أي بالمداولة المادية يداً بيد ، إنما يمكن أن يكون التسليم اعتبارياً ، إذا كان الجاني حائزاً للشيء من قبل ، فمن بيع شيئاً منقولاً ، ويستبقيه لديه على سبيل الوديعة للمشتري ، يعتبر مسيئاً للائتمان إذا كتمه أو اختلسه .
ولكن حتى يعتد بالتسليم يجب أن يكون صادراً عن إرادة غير معيبة ، فإذا كانت الإرادة معيبة ، نتيجة لتدليس أو إكراه ، فلا تقوم جريمة إساءة الائتمان ، إنما يشكل الفعل في حالة التدليس جريمة احتيال ، وفي حالة الإكراه جريمة سرقة .
كذلك ، وحتى تقوم جريمة إساءة الائتمان ، يجب أن يكون التسليم قد نقل إلى الجاني الحيازة الناقصة أو المؤقتة ، وذلك لحفظ الشيء أو استعماله في أمر معين ، ثم رده بعد ذلك .
فلا تقوم جريمة إساءة الائتمان إذا كان التسليم قد تم بقصد نقل الحيازة الكاملة ، فمن يتسلم الشيء الذي اشتراه ، ويتصرف فيه قبل دفع الثمن ، بالإتلاف مثلاً ، لا يعد مسيئاً للائتمان ، ولا يعد مسيئاً للائتمان ، كذلك العامل الذي يقبض أجره مقدماً ، إذا لم يقدم بأداء العمل المكلف به ولم يرد الأجر ؛ ولا تقوم جريمة إساءة الائتمان ، إذا كان التسليم قد تم بقصد تمكين اليد العارضة ، إذ في هذه الحالة يشكل الاستيلاء على الشيء جريمة سرقة .
ثانياً- أن يكون التسليم قد تم بناء على عقد من عقود الأمانة :
القواعد العامة لعقود الائتمان :
إن سبق تسليم المال الناقل للحيازة المؤقتة ، لا يكفي لقيام جريمة إساءة الائتمان ، بل لا بد أن يكون التسليم قد تم بناء على أحد العقود التي حددتها المادة 656 والمادة 657 ، حيث تتطلب المادة 656 أن يكون المنقول قد تم تسليمه ” على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة ” ، وتتطلب المادة 657 أن تكون المثليات قد تم تسليمها ” لعمل معين ” ، ويمكننا القول ، من خلال الاستنتاج من هذين النصين ، بأن العقود التي يجب أن يتم التسليم بناء عليها هي : الوديعة والوكالة والإجارة والعارية والرهن والمقاولة والنقل وعقد الخدمات المجانية .
وقد وردت هذه العقود على سبيل الحصر ، لذلك فإن كل تسليم يتم بناء على عقد آخر خارج نطاق هذه العقود ، لا تقوم به جريمة إساءة الائتمان ، إعمالاً لمبدأ خطر القياس في مواد التجريم.
ويترتب على التحديد الحصري لعقود الأمانة أنه يتعين لصحة حكم الإدانة ، في جريمة إساءة الائتمان ، أن يبين – الحكم – نوع العقد الذي تم التسليم بموجبه ، حتى تتمكن محكمة النقض ، من التأكد من صحة تطبيق القانون على الواقعة .
- نطاق عقود الائتمان :
لا شك أن تسليم المال بناء على أحد عقود الأمانة ، الموجب لقيام جريمة إساءة الائتمان ، يقتصر على المصالح المدنية الخاصة ، التي يتفق عليها الأفراد ولا يمتد إلى علاقات أو روابط القانون العام ، فالموظف الذي يستلم مالاً من الدولة لحفظه ، لا يكون مسيئاً للائتمان إذا قام باختلاسه ، لأن العلاقة بين الموظف والدولة ليست علاقة تعاقدية ، إنما هي من علاقات القانون العام .
والتسليم تم بناء على مقتضيات الوظيفة ، وليس بناء على أحد عقود الائتمان ، ولكن الموظف في هذه الحالة يكون مرتكباً لجريمة أخرى هي جريمة الاختلاس ، المنصوص عليها في المادة 349 وهي من الجرائم الواقعة على الإدارة العامة .
- تكييف العقد الذي تم التسليم بموجبه :
إن التكييف القانوني للعقد ، لا يتحدد وفقاً لما يصفه عاقدوه من أوصاف ، لأن تكييف العقد من قبل عاقديه قد يكون مخالفاً لحقيقة الاتفاق ، وبالتالي فإن العبرة هي بحقيقة العقد ، وما يسبغه القانون عليه من أوصاف ، وليست العبرة بالوصف الذي يخلعه المتعاقدين على العقد ، فكثيراً ما يلجأ المتعاقدان إلى إخفاء العقد الحقيقي بعقد آخر صوري ، لتحقيق غاية معينة ، كما لو أقرض شخص آخر مبلغاً من المال ، وحرر عليه سند دين ذكر فيه أن المبلغ قد سلم إليه على وجه الوديعة ، لكي يهدده بالعقوبة المقررة لجريمة إساءة الائتمان إذا امتنع عن الدفع ، أو كما لو باع شخص لآخر مبلغاً من المال ، وحرر عليه سند دين ذكر فيه أن المبلغ قد سلم إليه على وجه الوديعة ، لكي يهدده بالعقوبة المقررة لجريمة إساءة الائتمان إذا امتنع عن الدفع ، أو كما لو باع شخص لآخر شيئاً بالتقسيط ، وذكر في العقد أنه عقد إيجار . ففي مثل هذه الحالات يعد القاضي بالعقد الحقيقي ، ويصرف النظر عن العقد الصوري ، فهو يعطي الاتفاق التكييف القانوني السليم ، ولا يتقيد بالتكييف الذي يسبغه المتعاقدان على عقدهما .
- أثر بطلان العقد الذي تم التسليم بموجبه :
إذا ثبت أن العقد الذي تم بموجبه التسيلم ، هو من عقود الأمانة ، فإن جريمة إساءة الائتمان ، تتوافر سواء كان العقد صحيحاً أم باطلاً ، لأن العقاب في هذه الجريمة لا يترتب على الإخلال بتنفيذ عقد الائتمان ، حتى يشترط صحة العقد ، إنما يترتب العقاب في جريمة إساءة الائتمان ، لأن الجاني عبث بملكية الشيء الذي تسلمه بموجب هذا العقد ، لذلك فإن العبث في الملكية ، هو مناط التجريم في إساءة الائتمان ، لا فرق بعد ذلك أن يكون العقد باطلاً أم صحيحاً ، لأن ملكية الشيء المختلس أو المتصرف فيه من قبل الأمين ثابتة للمجني عليه ولو كان العقد باطلاً .
ومن تطبيقات قيام جريمة إساءة الائتمان ، بالرغم من بطلان العقد ، أنه إذا أرادت امرأة أن تستأجر منزلاً للدعارة ، وعلمت بأن مالكة المنزل لا تقبل تأجيره لهذا الغرض ، فلجأت إلى شخص آخر ، يستأجر لها باسمه لتنفيذ غرضها ، ودفعت له مبلغاً من المال ، فلم يقم باستئجار المسكن واختلس المبالغ ، ففعله هذا يشكل جريمة إساءة الائتمان ، رغم بطلان عقد الأمانة – وهو عقد الوكالة – الذي تم بموجبه تسليم المال من المجني عليها إلى الجاني .
- إثبات عقد الأمانة الذي تم التسليم بموجبه :
على الرغم من أن عقود الأمانة هي من العقود المدنية ، إلا أن إثباتها في محيط جريمة إساءة الائتمان ، يخضع لقواعد الإثبات في المواد المدنية ، أو في القانون المدني ، وليس لقواعد الإثبات المقررة في القانون الجزائي ، وبالتالي – طبقاً لقواعد الإثبات في المواد المدنية – يتوجب على المجني عليه أن يقدم دليلاً كتابياً ، إذا كانت قيمة العقد تزيد عن ( 500 ) ل . س ، ولا يجوز الإثبات بالبنية الشخصية ، إلا إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون حصول صاحب الحق على دليل كتابي ، أو كان العقد ذو طبيعة تجارية ، أو كانت قيمته أقل من ( 500 ) ل . س ، ففي مثل هذه الحالات فقط ، يجوز الإثبات بالبينة الشخصية ، أما في غيرها ، فلا يجوز الإثبات إلا بالدليل الكتابي .
ولكن إذا كان إثبات العقد في جريمة إساءة الائتمان يخضع في إثباته – كعنصر في الجريمة – لقواعد الإثبات المدنية ، فإن إثبات باقي عناصر الجريمة ، كالفعل والنتيجة والقصد ، يخضع لقواعد الإثبات في المواد الجزائية ، جائز بجميع الطرق .
وتجدر الإشارة إلى أن تكييف العقد ، والفصل في وجوده ، يكون من اختصاص القاضي الجزائي ، باعتباره هو الذي يختص بالدعوى ، وبالتالي فإن القاضي الذي يفصل بدعوى ، يفصل في الوقت نفسه ، بكل المسائل التي تتفرع عنها ، ولو كانت في الأصل خارجة عن اختصاصه ، فقاضي الأصل هو قاضي الفرع ، وقاضي الدعوى هو قاضي الدفع . إذاً فالقاضي الجزائي لا يتوقف عن الفصل في الدعوى حتى تبت المحكمة المدنية في وجود العقد وتكيفه، إنما هو الذي يتولى ذلك .
- استبدال العقد الذي تم التسليم بموجبه :
لا تتحقق جريمة إساءة الائتمان إلا إذا كان العقد الذي تم التسليم بموجبه قائماً وقت وقوع الفعل المادي المكون للجريمة ، وهو الكتم أو الاختلاس … الخ ، أما إذا كان العقد قد انتهى ، نظراً لاستبداله بعقد لا يندرج ضمن عقود الأمانة ، فلا تتوافر في هذه الحالة جريمة إساءة الائتمان .
فالمستأجر الذي يشتري من المؤجر الشيء المنقول ، ويتصرف فيه قبل دفع ثمنه ، لا يتوافر بفعله جريمة إساءة الائتمان ، والاستبدال الذي يحول دون قيام جريمة إساءة الائتمان ، حتى يحقق أثره في نفي الجريمة ، لا بد أن يتوافر فيه شرطان :
الأول :
أن يكون الاستبدال قد حصل قبل وقوع الفعل المادي المكون للجريمة ، أما إذا حصل الاستبدال بعد وقع الفعل ، فإن هذا الاستبدال لا يؤثر على توافر جريمة إساءة الائتمان ، فهي تبقى قائمة بالرغم من ذلك ، فإذا لجأ الأمين إلى الاستبدال بعد وقوع الفعل ( التصرف أو الإتلاف … ) بقصد الهرب من المسؤولية ، أو إذا كان الدائن لم يقبل الاستبدال ، إلا باعتباره طريقة الإثبات حقه ، أو على أمل تعويض ما ضاع عليه بسبب الفعل ، فإن الاستبدال لا يؤثر في وجود جريمة إساءة الائتمان ، ولا يمنع من المسؤولية الجزائية .
الثاني :
أن يكون الاستبدال صحيحاً أو حقيقياً ، أي يجب أن يكون هناك عقداً جديداً تم استبداله بالعقد القديم ، كالبيع أو القرض … الخ . فإذا لم يكن الاستبدال صحيحاً أو حقيقياً ، فإن عقد الأمانة يبقى قائماً ، ولا يحول هذا الاستبدال دون قيام جريمة إساءة الائتمان ، فإذا اقتصر العقد الجديد على تعديل بعض شروط عقد الأمانة أو تعديل الطريقة التي يتم بها الوفاء ، أو تم تعديل بعض شروط عقد الأمانة أو تعديل الطريقة التي يتم بها الوفاء ، أو تم تعديل موعد الرد ، فكل ذلك لا يؤدي إلى انقضاء قد الأمانة وزوال آثاره ، وبالتالي لا يخول دون قيام جريمة إساءة الائتمان .
إن يكون المال مملوكاً للغير:
إذا كان المال محل موضوع الأمانة مملوكاً لمسيء الأمانة نفسه أو لا يدخل في ملك أحد لا تقوم جريمة إساءة الأمانة أو كان تسليم المال بناء على عقد الأمانة تسليماً ناقلاً للملكية فلا يمكن أن تنسب إلى الحائز جريمة إساءة الأمانة ولو خالف نص العقد.
إن يكون التسليم ناقلاً للحيازة:
يشترط أن تكون حيازة المدعى عليه للشيء محل الأمانة حيازة ناقصة وبناء على سبب مشروع أي أن التسليم صدر عن إرادة سليمة بناء عل أحد العقود الواردة حصراً في التشريع وهي ( الوديعة – الإجارة – الوكالة – العارية – الرهن – لإجراء عمل بأجر أو بدون أجر)
الوديعة : هي عقد يلتزم فيه شخص أن يتسلم من آخر شيء على أن يتولى حفظه وعلى أن يرده عيناً.
الإجارة : هي عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم.
الوكالة : هي عقد يلتزم بمقتضاه الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب موكله.
العارية : هي عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئا غير قابل للاستهلاك ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو لغرض معين على أن يرده بعد الاستعمال.
الرهن : هو عقد يخصص بمقتضاه شيء منقول مادي أو غير مادي بتأمين التزام ما.
الفعل الجرمي:
هي إرادة الفاعل الذي يعرف أن يده على الشيء المؤتمن عليه يد حيازة ناقصة وقصد تغيير نوع هذه الحيازة وجعلها كاملة جاحدا حقوق المجني عليه ومنكراً لسلطاته على الشيء وإرادة التغيير للحيازة من ناقصة إلى كاملة هي جوهر الفعل الجرمي وتظهر هذه الإرادة للعلن من خلال الأفعال المادية المدللة على تغيير نوع الحيازة وهي كتم الشيء بإخفائه وإنكار وجوده بشكل يجعله عديم القيمة أو بالتمزيق والتبديد والاختلاس أو التصرف بالشيء. فالنشاط الجرمي يبدأ في اللحظة التي يقوم المدعى عليه بنقل حيازة وملكية الأموال المثلية من لمالك إليه حيازة كاملة.
النتيجة الجرمية:
هي الضرر الذي يترتب على الفعل الجرمي والمشرع لم يعتمد في تحديد مدلول الضرر في جريمة إساءة الائتمان على التوسع في تحديده فلم يفرق بين ضرر مادي وضرر معنوي وضرر حال وضرر محتمل وبين ضرر جسيم وضرر يسير ولا أهمية لكون المدعى عليه قد كسب من فعله أم لا كما أنه لا أهمية في قيام الجريمة لكون المال مملوكا للمجني عليه المتعاقد أم لا.
ولتحقق الضرر يجب توافر عنصرين:
1- توجيه إنذار من قبل المجني عليه قبل إقامة الدعوى الجزائية لكشف نية الفاعل بوضوح ويعتبر بذلك الإنذار ركناً من أركان جريمة إساءة الائتمان وليس وسيلة من وسائل إثباته حسب نص الاجتهاد المستقر.
2- عدم إبراء المدعى عليه ذمته بعد توجيه الإنذار له.
ثانياً: الركن المعنوي:
لا بد من توافر القصد الجرمي في جريمة إساءة الائتمان ” كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس …”.
لذلك فجريمة إساءة الأمانة من الجرائم القصدية ولا يكفي الخطأ لتحقق النتيجة الجرمية.
تتطلب هذه المادة قصداً خاصاً وهو نية تملك الشيء وهو علم المدعى عليه بفعله بكون المال مملوكاً لغيره وأن يكون الضرر محتملا بفعل المدعى عليه وتوافر إرادة ارتكاب الفعل وتحقق النتيجة وتوافر القصد الخاص من خلال نية تملك الشيء. معظم الشروط التي يتطلبها القانون في محل جريمة إساءة الائتمان مشتركة بينها وبين جريمتي السرقة والاحتيال ، إذ أن محل جريمة إساءة الائتمان يجب أن يكون مالاً مادياً ومنقولاً ومملوكاً للغير .
فجريمة إساءة الائتمان – شأنها شأن السرقة والاحتيال – لا تقع إلا على مال ، ومفهوم المال فيها لا يختلف عن مفهومه في السرقة والاحتيال ، ويترتب على ذلك ، أنه إذا لم يكن محل إساءة الائتمان مالاً فلا تقوم هذه الجريمة ، ويشترط في المال عدة شروط ؛ فيجب أولاً أن يكون مادياً، ويترتب على اشتراط كون المال مادياً ، أن الأفكار والابتكارات والمنافع لا تصلح محلاً لإساءة الائتمان ، نظراً لتجردها من الطبيعة المادية ، فمن أؤتمن على سر أو اختراع أو اكتشاف ، فإفشاء أو قام ببيعه ، لا يسأل عن جريمة إساءة الائتمان ، ويجب ثانياً أن يكون المال منقولاً ، وقد عبرت عن ذلك المادة 656 بقولها ” سند يتضمن تعهداً أو إبراء ، أو شيء منقول آخر ، “وقد عبرت المادة 657 عن المنقول بقولها ” مبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات ” ، وكل هذه الأشياء تعتبر من المنقولات بدون أدنى شك .
وليست العبرة في كون المال منقولاً بما يوصف من أوصاف في نظر القانون المدني ، إنما العبرة في كون المال منقولاً ، بما يوصف من أوصاف طبقاً لقانون العقوبات ، وقد قلنا أن مفهوم المنقول ، في هذا القانون ، أوسع بكثير من مفهوم المنقول في القانون المدني ، وبناءً على ذلك ، فإن جريمة إساءة الائتمان يمكن أن تقع على العقارات بالتخصيص ، كما يمكن أن تقع على جزء من عقار بطبيعته إذا كان العقار كله قد سلم إلى الجاني بموجب عقد من عقود الأمانة، كنزع حجر من الجدار ، أو استخراج معدن من الأرض .
ويجب ثالثاً أن يكون المال المنقول مملوكاً لغير الجاني ، لأن إساءة الائتمان من جرائم الاعتداء على الملكية ، وما دامت كذلك ، فلا يتصور وقوعها إلا على مال مملوك لغير الجاني ، فإذا كان المال مملوكاً للشخص ، فلا يتصور وقوعها إلا على مال مملوك لغير الجاني ، فإذا كان مملوكاً للشخص ، فلا يتصور وقوع جريمة إساءة الائتمان بحقه .
وكذلك لا تقوم الجريمة إذا كان المال غير مملوك لأحد ، ولكن لا يشترط لقيام الجريمة أن يكون المال كله غير مملوك للجاني ، إذ تقوم الجريمة بحق من يتولى إدارة مال مملوك للجاني وغيره على السواء إذا قام بتبديد جزء منه .
وإذا توافرت الشروط السابقة وهي كون المال مادياً ومنقولاً ومملوكاً للغير كله أو في جزء منه، فإنه يصلح محلاً لإساءة الائتمان ، لا فرق بعد ذلك أن تكون قيمته مادية أم معنوية كالرسائل والصور … الخ .