إنَّ الإسلام هو دين الأمن، ولا يمكن أن يتحقق الأمن للناس إلا إذا دانوا بهذا الدين العظيم، فقد حرم قتل النفس، وسرقة المال وأكله بالباطل، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ».
الأمن هو عبارة عن طمأنينة النفس وزوال الخوف، وهناك عدة متطلبات تلزم لحب المسلم لوطنه، وهي أن يحافظ على أمن واستقرار الوطن، من خلال تجنب أي أفعال تؤدي إلى انتشار الفوضى والفساد في الوطن، حيث أن الأمن والأمان في الأوطان من أعظم النِعَم التي من الله بها على الإنسان، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” [النور: 55].
قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَه» رواه البخاري ومسلم. ولعن صلى الله عليه وسلم من أشار بالسلاح لأخيه المسلم، وحرم علينا الجنة حتى نؤمن ويحب بعضنا بعضاً، وأخبر بأن ذلك يتحقق بإفشاء السلام الذي يأمن الناس معه، وهو من شعائر الإسلام العظيمة، وقال: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» البخاري ومسلم.
وقال في حق الكافر المعاهد: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رواه البخاري. وقال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود. أعظم أمنٍ يجب على الناس أن يسعوا لتحقيقه الأمن من عذاب الله. قال تعالى: }أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ (فصلت : 40).
فإن أردت أن تفوز به فقف على الآيات التي بشر الله بها عباده بقوله: }فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون{، وإن مما يحقق لنا ذلك الاستقامة على دين الله، قال الله:} إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{ (الأحقاف: 13(.
والأمن من عذاب الله يكون بالسَّيْر على دروبِ الخير، وبالإكثار من الحسنات، قال تعالى: }مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ{ (النمل: 89)
والناس في هذه الحياة لهم مَآربُ شتَّى، وأحوالٌ متعدِّدة، تختلف أديانهم وتوجُّهاتهم، وتختلف رغباتهم، إلا أنَّ هناك أمورًا هم جميعًا مُجمِعون على طلبها والبحث عنها، بل هي غاية كثيرٍ منهم، ويظهر هذا الأمر جليًّا وواضحًا في المطلب الذي يُكابِد من أجله شعوبٌ، ويسعى لتحقيقه فئامٌ كثيرون، إنَّه الأمن على النفس والمال والولد.
الأمن في الأوطان مطلب الكثير من الناس، بل هو مطلب العالم بأَسْرِه، حياةٌ بلا أمن لا تساوي شيئًا، كيف يعيش المرء في حالةٍ لا يأمن فيها على نفسه حتى من أقرب الناس إليه؟! خوف وذعر وهلع وترقُّب وانتظارٌ للغد، لا يفكر الإنسان في شيءٍ إلاَّ في حاله اليوم، ليس عنده تفكيرٌ في مستقبل، وما كان ذلك إلاَّ بسبب فقدان الأمن. الأمن نعمة عظيمة، بل يكاد يكون من أعظم النعم لأن مقتضاه الأمن النفسي والطمأنينة والسكينة التي يستشعرها الإنسان، فيزول عنه هاجس الخوف، ويحس بالرضا والسعادة. والشعور بالأمن غاية في الأهمية، ومن ثم فقد جعله الله عز وجل نعمة جليلة.
يتفضل بها على بعض خلقه، وجعل فقد هذا الأمن نقمة ينتقم الله بها من بعض خلقه العاصين أو الكافرين. ولكون “الأمن” ضرورياً للحياة، قرنه الله بالطعام والأموال والأولاد في أكثر من موضع، بل قدمه عليها في مثل قوله تعالى : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين } [سورة البقرة:155]. فتأمل كيف بدأ بضد الأمن وهو الخوف ؟ لأن الحياة بدون أمن وأمان قاسية مرة، بل شديدة المرارة، لا يمكن أن تطاق. ولقد امتن الله على قريش قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بأن هيأ لهم الأمن، وامتن عليهم به وخاصة بعد حادثة الفيل، حيث نصر الله قريشاً على النصارى أبرهة وأصحابه ولكن لا بيد قريش؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام، وإنما بنصر من عنده تعالى لا يد لقريش فيه : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم يجعل كيدهم في تضليل . وأرسل عليهم طيراً أبابيل .
ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول} [سورة الفيل]. فعاشت قريش بعد هذا آمنة، لا ينالها أحد بسوء، بل كان الناس من حولها يتخطفون بالحرب والنهب والخوف والقلق، وهي آمنة عند الكعبة، بل تعدى الأمن إلى قوافلها التجارية في رحلة الشتاء والصيف. فكانت تسير آمنة لا يعرض لها أحد بسوء؛ لأنها تجارة قريش أهل البلد الأمين.
قال تعالى : { أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون } [العنكبوت:67]. ولكن كيف قابلت قريش هذه النعمة العظيمة الفريدة التي عاشت في ظلالها دهراً، وتبرز عظمة هذه النعمة إذا علم أن الفوضى القبلية كانت تسود باقي مناطق الجزيرة العربية. ففي غير مكة، كان السلب والنهب، وكانت الهجمات المفاجئة جزءاً من حياة تلك القبائل، وكانت الحروب تقوم لأتفه الأسباب وفي مثل هذه الأجواء القائمة تظهر قيمة الأمن والهدوء والطمأنينة التي كانت قريش تعيشه في بلدها، بل وفي قوافلها خارج بلدها. وبعث الهادي البشير صلى الله عليه وسلم في أم القرى مكة، ودعا قومه إلى الإسلام وإلى هذا النور الذي جاءهم من الله تعالى، وأمرهم بتوحيد الله تعالى وترك عبادة الأصنام والطواغيت.
وكان مما اممتن الله به على قريش نعمة الأمن هذه. فقال تعالى في السورة التي تلي سورة الفيل : { لإيلاف قريش . إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } [سورة قريش]. فهم آمنون في بلدهم، وفي رحلات قوافلهم في الشتاء والصيف إلى اليمن وإلى الشام. فأمرهم تعالى بعبادة رب هذا البيت الذي أنعم عليهم بنعمة الأمن والأمان. فكيف لا يتدبرون هذه النعمة، وكيف يقابلونها بهذا الكفران؛ حيث جعلوا مكة بلد الله الأمين مسرحاً للأصنام، وعبادة غير الله تعالى، مع كفران بنعمة الله ورفض لعبادته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ جواب قريش العملي والقولي لهذه الدعوة والتذكير بتلك المنة
وقد جمع الله سبحانه وتعالى الأمن بالعبادة وسبب ذلك يرجع لأهميته حيث قال تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ” [إبراهيم: 35]، وقد دعا سيدنا ابراهيم عليه السلام وهذا دليل على أن الأمن نعمة من الله وأن الأمن والأمان والاستقرار من اللزوام التي يجب توافرها لإتمام أي مصالح دينية أو دنيوية، على سبيل المثال قَدْ سُئِلَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ: الْأَمْنُ أَفْضَلُ أَمِ الصِّحَّةُ؟ فَقَالَ: “الْأَمْنُ أَفْضَلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ شَاةً لَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَإِنَّهَا تَصِحُّ بَعْدَ زَمَانٍ، ثُمَّ إِنَّهَا تُقْبِلُ عَلَى الرَّعْيِ وَالْأَكْلِ، وَأَنَّهَا إِذَا رُبِطَتْ فِي مَوْضِعٍ وَرُبِطَ بِالْقُرْبِ مِنْهَا ذِئْبٌ، فَإِنَّهَا تُمْسِكُ عَنِ الْعَلَفِ، وَلَا تَتَنَاوَلُ شَيْئًا إِلَى أَنْ تَمُوتَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ مِنَ الْخَوْفِ أَشَدُّ مِنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ أَلَمِ الْجَسَدِ”.