كان الموسيقار الفنان محمد سلطان يجلس فى بيته ذات يوم عندما فوجئ بمجموعة أمنية كبيرة تطرق بابه. أصيب الرجل بالذعر. وكان من الواضح أن الرجال ينتمون لجهة سيادية. تقدم كبيرهم من الموسيقار الكبير الذى كان يلبس البيجامة غير متوقع أن يزوره أى زائر فى هذا الوقت، وقال له: من فضلك ارتدِ ملابس الخروج وجهز نفسك وهات العود معك! ظن محمد سلطان أنه ربما يكون نوعاً من المزاح الثقيل ابتدعه أحد من أصدقائه الذين اشتهروا بهذا النوع من المزاح لكن إشارة صارمة من الكبير الذى بالباب جعلته يوقن أن الموضوع ليس دعابة وأن الأمر جد خطير، فلم يجادل أو يناقش وامتثل للأوامر.
غادر الفنان شقته محتضناً عوده بيده اليمنى بينما يده اليسرى فى يد كبير المهمة الذى جاء ليصطحبه لمكان ما. أمام العمارة وجد محمد سلطان مجموعة من السيارات الفخمة فى انتظاره. وهرع الرجال الذين كانوا كلهم أمام شقته إلى السيارات. بينما اصطحبه الكبير مع العود إلى أفخم سيارة فى المجموعة، حيث ركب سلطان فى الخلف وجلس قائد المهمة فى الأمام طالباً من السائق أن ينطلق وتبعه أسطول السيارات خلفهم. والفنان فى دهشة شديدة وحيرة من أمره لا يدرى إن كان ما يمر به علماً أم حلماً أو إن شئت كابوساً شديد الوطأة. كان أكثر ما يقلقه ان أسطول السيارات غادر حدود القاهرة دون أن يتمكن هو أن يعرف وجهته بالضبط.
بعد نحو ساعة توقف موكب السيارات أمام بيت ريفى جميل، ثم قيل للموسيقار تفضل، فنزل الرجل من السيارة ودخل خلف الرجل المهم من البوابة الكبيرة للبيت ليجد نفسه أمام فى فناء فسيح مرتب بعناية وبه بعض المقاعد. وظل الرجل يمشى ومن خلفه محمد سلطان محتضناً عوده إلى أن وصل أمام رجل يرتدى جلباباً ونظارة سوداء ويدخن البايب. لم يتطلب الأمر سوى نظرة واحدة ليكتشف الموسيقار أنه أمام الرئيس السادات وجهاً لوجه فى استراحته بميت أبوالكوم. بدأ الملحن الكبير يوقن أنه فى حلم غريب، غير أن صوت الرئيس السادات جاء ليؤكد له أنه بالفعل أمام الرئيس بشحمه ولحمه: اتفضل أقعد يا محمد أهلاً وسهلاً. ارتبك الفنان بالطبع وهو لا يدرى سبب استدعائه بالعود أمام السادات شخصياً وأخذ يعصر فكره لربما يجد نفسه قد ارتكب حماقة فى حق أى شخصية مهمة نافذة فى البلد لدرجة أنها تشتكيه للرئيس نفسه.
لحظات مرت رهيبة قبل أن يقول السادات: فاكر لحن العيون الكواحل يا محمد؟ فرد الموسيقار: طبعاً يا ريس ده اللحن بتاعى. فقال السادات: عارف إنه بتاعك وعشان كده عايزك تعزفه على عودك وأنا اللى حأغنى! فزادت دهشة محمد سلطان، لكنه بالطبع امتثل للأمر وظل يعزف اللحن والسادات يغنى ويجلجل بكلمات مجدى نجيب وألحان وعزف سلطان:
العيون الكواحل سابونى..آه آه
ولذيذ المنام حرمونى
وجرى دمعى من عيونى هامل
آه آه..يا رفاقى ساعدونى
وأخذ السادات يعيد ويزيد فى أداء الأغنية وهو فى منتهى السعادة وبعد أن انتهى صفق محمد سلطان للرئيس السادات مبدياً إعجابه من قدرته على أداء اللحن الصعب بتلك السلاسة والتمكن. فشكره الرئيس وتمنى له التوفيق فى أعماله. ثم عاد سلطان لبيته بنفس الموكب الذى جاء به، ولكن شتان الفارق بين حالته النفسية فى الذهب والعودة.
استمعت لهذه القصة من محمد سلطان حكاها فى أحد البرامج الإذاعية التى كان يتحدث فيها عن أغرب المواقف التى مر بها فى حياته. رحم الله الموسيقار محمد سلطان والرئيس أنور السادات.
Hisham.moubarak.63@gmail.com