فى لحظة سيتوقف التاريخ عندها طويلًا، قفز يوسف النصيرى نجم هجوم المنتخب المغربى إلى أعلى نقطة، عانق الولد عنان السماء ليأتى للعرب بنجمة، وترك اثنين من مدافعى المنتخب البرتغالى على الأرض، ينقبان عن الكرة دون جدوى. وفى لحظة من لحظات الفرحة قذف النصيرى الكرة برأسه لتعانق شباك «دييغو كوستا» حارس مرمى البرتغال الذى لم يصدق ما يحدث وهو يرى الكرة تسكن شباكه.
بدون مبالغة توقف التاريخ فى تمام الساعة السابعة من مساء السبت، أول أمس، عندما أطلق الحكم الأرجنتينى «فاكوندو تيلو» صافرة نهاية مباراة المغرب والبرتغال فى ستاد الثمامة بالعاصمة القطرية الدوحة. كتبة التاريخ لم يصدقوا أقلامهم وهى تسجل أن الذى فاز بالمباراة، وصعد للدور قبل النهائى هم أسود الأطلسى وليس البرتغال الملقبة بـ «برازيل» اوروبا. فى تلك اللحظة لم أكن قد وصلت لمنزلى بعد. شاهدت الشوط الأول للمباراة فى مكتبى ومنتخب المغرب متقدم بهدف تاريخى سجله النصيرى، بعد أن ارتقى فوق الجميع فى ارتقاء يستحق وصف ارتقاء للتاريخ، ثم تركتها متعمدا فى ذلك التوقيت حفاظًا على ما تبقى من أعصابى. تمنيت أن أنام وأستيقظ على خبر نهاية المباراة مهما كانت النتيجة، وفى طريقى للبيت كنت أحاول ان استرق السمع من على المقاهى لأعرف تطورات المباراة من بعيد لبعيد. خشيت أن يحرز البرتغال هدف التعادل الذى قد يمنحهم قبلة النجاة ويعيدهم للمباراة مرة أخرى ومن ثم الفوز بها. وقبيل وصولى للمنزل سمعت الصيحة التى كنت أنتظرها على أحر من الجمر. لم أعرف حقيقة هل كان مصدرها من القاهرة أم من الرباط؟ من بيروت أم من الاسكندرية؟ من الرياض أم من الاسماعيلية؟ من الدوحة أم من أسوان؟ من وهران أم من عمان؟ من الجزائر أم من ام درمان؟ احساس حقيقى لم أكن أتخيله وفرحة جاءت على اشتياق، ونقطة ماء فى وقتها أرسلتها لنا السماء الحانية لتبل ريقنا وتكفكف دموعنا من المحيط إلى الخليج. كيف لا وقد نجح فريق عربى فى أن يضع نفسه ويضع الكرة العربية كلها فى مكانة مرموقة بين تلك المنتخبات الكبيرة التى أصاب بعض نجومها الغرور والصلف فبدأوا يتعالون على الكرة التى لا تقدر إلا من يقدرها ولا تعطى إلا من يخلص لها ويمنحها كل نقطة عرق.
أتمنى لو كنت أعرف أسماء كل لاعبى المغرب الذين كانوا بحق أحد عشر كوكبا، حتى أشيد بهم فردا فردا على هذه الفرحة التى كانوا سببا مباشرا فيها. ولو كنت فنانًا تشكيليا لصنعت تماثيل للتاريخ لحكيمى وزياش وبونو وغيرهم من هؤلاء الأسود الذين كانوا سببا فى عودة الثقة فيما كل ما هو عربى. فما من عربى تتاح له الفرصة والمناخ المناسب إلا وأثبت جدارة واستحقاقا واتخذ لنفسه مكانا مرموقا بين غيره من المجتهدين. لو توفر تكافؤ الفرص لرأيت من العربى ما يسرك ويسعدك.
من حق كل عربى منا أن يفرح تلك الفرحة الكبيرة. وبصرف النظر عما ستسفر عنه نتائج المغرب فى بقية المباريات، لن أقول إنه يكفيها أنها ستكون على الأقل فى المركز والترتيب الرابع على العالم لو لم تنجح فى اجتياز المباراتين المقبلتين، ولكن يكفيها فعلا أنها نجحت فى كسر غرور كثير من المتعالين الذين ظنوا أنهم احتكروا المراكز الأولى فى البطولات العالمية. فكل الشكر لهؤلاء الرجال وللجماهير العريضة التى تساندهم على امتداد الوطن العربى وبادلتهم النجاح بالمؤازرة والتشجيع، ومبروك للعرب الذين لم ينجحوا فقط فى تنظيم أنجح مونديال منذ تاريخه، ولكن ايضًا بوصول فريق عربى للمربع الذهبى لأهم بطولة وهو نبأ لو تعلمون عظيم.
Hisham.moubarak.63@gmail.com