لست ناقدا رياضيا بالمعنى المتخصص بل حتى مشاهدة مباريات كرة القدم كنت قد هجرتها منذ فترة طويلة، ولم أعد لها إلا مؤخرا مع انطلاق بطولة كأس العالم فى قطر. ومع ذلك أستطيع ان أقول وبالفم المليان ان احلى أهداف البطولة ليست هى أهداف ميسى ولا رونالدو ولا حتى نيمار وحكيمي، بل ذلك الهدف الرائع الذى أحرزته جماهيرنا العربية فى قطر وفى كل مكان ضد العدو الاسرائيلى المحتل لفلسطين. وياله من هدف رائع.
الشهادة جاءت من هؤلاء الإعلاميين الصهاينة وأمثالهم من أصحاب المنصات الإلكترونية الشهيرة، والتى يتبعها أعداد كبيرة من الناس فى العالم كله. هؤلاء جاءوا إلى العاصمة القطرية الدوحة للاحتفال مع الشعوب العربية بالتطبيع الرسمى ظنا منهم أن تواجدهم بيننا فى مثل هذه الاحتفالية الشعبية سيكون سببا وفرصة لتدشين التطبيع الشعبى الذى يشكل عقدة كبيرة لنفسية هؤلاء الاسرائيليين الذين تفعل قواتهم كل يوم الافاعيل بأشقائنا فى فلسطين، ومع ذلك ظنوا لبجاحتهم الشديدة أننا سوف نرحب بهم على أراضينا، وأننا سنفرش لهم الأرض بالورود والرياحين احتفالًا بهم بيننا.
فوجئ كل هؤلاء برأى الناس فيهم وسمعوا بآذانهم كيف انهم غير مرحب بهم بيننا، وبأننا شعوب نرفض الكلام معهم أو أن نتعامل معهم بشكل طبيعى، كما نتعامل مع كل شعوب الدنيا. واعترف أحد مراسليهم أنه اكتشف خلال وجوده فى قطر بأنه «مفيش فايدة»، يقصد بذلك أنه لا فائدة ترجى من أن تعاملهم الشعوب العربية يوما ما كأناس طبيعيين تربطنا معهم علاقات ود وحب. سمعوا فى كل مكان هتاف تحيا فلسطين وعرفوا أنه طالما استمر احتلالهم الغاشم، وعدم اعترافهم بحق الشعب الفلسطينى فى الحياة الكريمة، فسنظل كشعوب نلفظهم من بيننا مهما أظهروا من علامات الود والقرب. فوجئ الكثير منهم بأن قضية فلسطين لا تزال تعيش داخل كل عربى مخلص. قلوبنا تنبض بحب فلسطين وعقولنا مشغولة بقضيتها حتى لو كنا فى خضم احتفالية كروية مثل كأس العالم، إلا أننا عندما يتاح لنا كشعوب أن نعبر عن رأينا فى التطبيع مع الإسرائيليين لا نتردد ان نقول وبكل وضوح، بيننا وبينكم حقوق مسلوبة لشعب عربى أعزل يتعرض أبنائه كل يوم لاعتداءات سافرة من قوات جيشكم ومن شرطتكم، وعندما يدافعون عن أنفسهم يعتبرونهم ارهابيين يجب ابادتهم من على وجه الأرض.
وإذا كان تعاطف الجماهير العربية مع القضية الفلسطينية أمرا طبيعيا، لكن ما جعل المراسلين و«اليوتيوبرز» الإسرائيليين يقلقون ويعبرون عن قلقهم بصراحة، ان هذا التعاطف انتقل فى مونديال الدوحة لعدد كبير من المشجعين الأجانب، منهم ذلك المشجع الانجليزى الذى اختتم حواره مع المراسل الإسرائيلى بهتاف: «فيفا بلاستاين» أى تحيا فلسطين. وذلك تأثرًا بذلك الهتاف الذى هتفت به الجماهير العربية خلال مباريات كأس العالم، فكان رسالة بالغة الدلالة تم إيصالها للعالم كله بأن قضية فلسطين هى قضية الشعوب العربية فى كل مكان وزمان. وانه مهما حاول العدو الصهيونى طمس معالمها أو محو هويتها، ستظل دائما وأبدا حية فى قلوبنا. وانه لو كانت هناك إرادة ونية إسرائيلية حقيقية ومخلصة فى وجود تطبيع شعبى مع الشارع العربى، فهذا ابدًا لن يكون طالما استمرت السياسة الإسرائيلية على عهدها فى محاربة أصحاب الأرض، وعدم الاعتراف بهم كشعب والتضييق عليهم حتى فى أبسط حقوقهم.
نعم لقد سجلت الجماهير العربية أحلى وأغلى اهداف فى البطولة. ربما لن يأخذه الاتحاد الدولى فى الاعتبار، ولن يتم تسجيله فى سجل تاريخ بطولات كأس العالم، لكن من المؤكد أن الهدف تم تدوينه فى سجل أهم من سجلات كأس العالم ألا وهو سجل ذاكرة البشرية وهو هدف لو تعلمون عظيم.
Hisham.moubarak.63@gmail.com