فاجأ اللاعب المغربي الكبير ياسين بونو حارس عرين اسود الأطلسي الصحفيين في المؤتمر الصحفي بالمونديال بالرد على اسئلتهم باللغة العربية ولم يعر امتعاضهم اهتماما بل رد عليهم بوضوح عندما احتجوا على عدم حديثه بغير العربية ولماذا لم تصطحبوا معكم مترجمين؟!
موقف رائع من النجم المغربي بانتصاره للعربية اللغة الأم خاصة وأنه يجيد الحديث بالانجليزية والفرنسية والإسبانية فهو محترف في الدوري الاسباني منذ سنوات..
الحقيقة أن موقف بونو اثار الكثير من الشجون والتساؤلات الحائرة حول ضرورة الانتصار للعربية وفرض احترامها على أبنائها اولا ثم الآخرين ثانيا.ولماذا يطلب منا بمناسبة وبغير مناسبة أن نتقن لغة الآخرين ونشعر بالنقص إذا لم نتحدث مثلهم في حين لا يعد ذلك شيئا بالنسبة للآخر الذي يتعالى بلغته ويتطاول ولايجد نفس الحرج لعدم معرفته لغة الآخر؟!
هناك كثير من الدول الكبرى تفرض على مسئوليها ضرورة الالتزام باللغة الأم في الحديث وفي التفاوض والمباحثات وحتى في المؤتمرات الصحفية رغم قدرتهم على الحديث بلغة أخرى.
احترام اللغة الأم جزء من الاعتزاز بالهوية الوطنية والتأكيد عليها وعدم السماح بإهانتها بأي طريقة سواء عن عجز وعدم مقدرة أوهجرانا أوخيلاء وفذلكة من معالم الشخصية الوطنية الحضارية.
يؤسفني القول إنه لا توجد أمة تتعامل مع لغتها باستهانة واستهتار كما يفعل العرب الان وفي المحافل الدولية
وعلى الصعيد الداخلي حتى كاد اللسان العربي يكون مغتربا بين بني وطنه.
من الإشكاليات المعقدة التى تواجهها العربية هي حالة الاستهانة بها في ميادين التفاعل المختلفة وعلى المستويات كافة بدءا من الحديث العادي بين الأفراد مرورا بالتعليم في سنواته المختلفة مدارس وجامعات ثم الكارثة الأكبر في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية وفي المسلسلات والأفلام والمسرح وفي الاغاني..اللغة العربية فيها غريبة مستهجنة منبوذة وكأن عليها غبرة!!
المراقب المدقق يجد أن عمليات الاستباحة للغة والعدوان عليها فاقت الحدود مما يستوجب ضرورة التوقف والبحث عن مخارج مناسبة تعيد للغتنا الجميلة لغة القرآن الكريم الاعتبار سريعا على الأقل بين ابنائها والناطقين بها والغيورين عليها.
لاننكر مجموعة من المبشرات تمنح آمالاً قوية في أن الأمر يمكن تداركه وأنه يجب أن نبدأ الان وليس بعد قليل فهناك إحساس بالمشكلة ووعي بضرورة المعالجة الفعالة.
يدعم هذا التوجه الإيجابي كثرة الحديث في الفترة الأخيرة عن جماليات اللغة العربية واعجازها وترديد واقتباس اقوال كبار الغربيين من مستشرقين وغيرهم ممن درسوا بعمق وعرفوا اسرار العربية والقوة الكامنة فيها وهوما يعكس حالة من الشوق والتطلع إلى استعادة مكانة اللغة المفقودة حاليا سواء بين أهلها أو على الساحة العالمية ..
مما يزيد الامل أكثر ذلك التوجه القوي نحو تحفيظ القرآن الكريم الذي يرعاه الأزهر باروقته الممتدة في ربوع محافظات مصر ووزارة الأوقاف بمقارئها المنتشرة في مساجد مصر العامرة يضاف إليها ذلك الجهد السامي في تعليم وتحفيظ القرآن الكريم بالقراءات في المساجد الكبرى في الأزهر والحسين والسيدة وغيرها على أيدي كبار قراء مصر ومشاهير اعلام التلاوة وهو ما يعطي زخما وحيوية في حركة التحفيظ وكشف الغيوم عن إشراقات شمس العربية الصحيحة كما حفظها وحملها القرآن الكريم..
ولعل هذه الخطوة تعد الأهم والأقوى لاستعادة عرش الفصحى لأنها بمثابة حركة تصحيح شاملة وكبرى ومرحلة وضع الاساسات المتينة للإصلاح اللغوي حيث يعد تحفيظ القرآن اكبر مستودع لجذور اللغة يتعلمها الطفل يفوق بعشرات بل مئات المرات اي جذور لغوية لاي لغة أخرى في العالم من إنجليزية وفرنسية وغيرها من لغات ..
وهذه النقطة تحديدا فطن إليها مبكرا كبار المستشرقين في عصور الاستعمار المباشر وغير المباشر وأجروا دراسات عميقة عليها في بحثهم عن مداخل لإضعاف الانتماء الديني والوطني لتسهيل عمليات الاختراق والعبث بالعقول
وكانت خطتهم الجهنمية لإضعاف اللغة هي قطع الصلة بالقرآن الكريم أو ارهاقها على أضعف الايمان بصورة تدريجية..فكان قرار إغلاق الكتاتيب لأنها مراكز تحفيظ القرآن الكريم وأصول وقواعد اللغة منذ الصغر وحتى قبل المدرسة وهي المسألة التى اكتشفوا أنها وراء قوة شخصية المسلم بصفة عامة وصعوبة السيطرة عليه أو تضليله وتشكيكه في دينه. ثم قرار التعليم المزدوج ديني وعام ومنح امتيازات خاصة وافضلية للتعليم العام.
وتبع ذلك تبني معارك ضد الفصحى مثل دعوات الكتابة والحديث بالعامية ومحاولات استبدال الحرف العربي بآخر لاتيني مثلما حدث في دول أخرى تركيا مثلا.ثم تشجيع المدارس الأجنبية ودعمها ودعم خريجيها ومنحهم الأولوية في التوظيف والترقي والوظائف العليا والقيادية وغير ذلك من حيل غير خافية على أحد لإهمال الفصحى وجعلها منبوذة وتعيش دائما في بيئة معادية أو غير مواتية لها لتحتفظ بمكانتها وهيبتها.
وسجلات التاريخ البعيد والقريب حافلة بمعارك ومساجلات بين اذناب الاستعمار وأنصار التغريب وبين أنصار الفصحى وحماة العربية وفرسانها الذين كانوا لهم بالمرصاد..ولم يمكنهم من تحقيق أهدافهم كاملة فكسبوا جولات وخسروا أخرى ولاتزال المواجهة قائمة وان كانت بصورة أقل حدة بعد أن انكشفت كثيرمن الخطط وسقطت عن المتغربين اوراق التوت.
أتصور أن المعركة الحقيقية الان مع البيئة المعادية للغة التى تتمدد وتخترق بلا حسيب ولا رقيب..الأمر الذي يعرقل اي جهود جادة وصادقة نحو اصلاح لغوي ونهضة حقيقية لتقويم اللسان العربي المبين.
فلن نرى إصلاحا ملموسا طالما بقيت البيئات المعادية على حالها وطالما استمرت وسائل التلوث اللغوي تنفث سمومها ليل نهار وفي ظل معزوفات تصدع الرؤوس بصعوبة العربية وأن الإنجليزية لغة العصر والكمبيوتر وان اللغة الفلانية هي لغة الحضارة وان لغة كذا لغة الادب والرومانسية والى آخر مثل هذه الخزعبلات التي تفتئت وتفتري على العربية التى هي بالأساس لغة العلم والحضارة والأدب والحكمة ايام الازدهار الحضاري.
وهذه قضية في غاية الأهمية تحتاج إلى جهد خاص لاماطة اللثام عن تلك الفرية واشباهها لوضع حد للمقولات التى يتم ترويجها على هذا الصعيد فإلى متى سنظل نردد اللغة العربية مرعبة للجيل الجديد في الوقت الذي نهمل فيه تعليم العربية وتصويرها دائما أنها بعبع ونسخر من المتحدثين بها ونتهكم ونتحرش بهم ونتنتمر عليهم وهكذا.ونركز على تعليم اللغات الأجنبية وننفق عليها بسخاء حتى من سن الحضانة وهذه هي الطامة الكبرى؟!
الأدهى من ذلك أن كثيرين يزيدون من غربة اللغة بكل وسيلة ويخلقون حوائط نفسية قبل العلمية والعملية فترى الآباء يفتخرون بأن ابنهم يجيد الانجليزية أو الفرنسية وضعيف جدا في العربية!
الاعجب أن تساهم المدارس والمناهج التعليمية في زيادة الغربة اللغوية وترفع مؤشرات العداء لها أو على الأقل عدم الاستلطاف.وذلك بمناهج هزيلة وكتب على الاقل دون المستوى الذى توجد عليه الكتب الأجنبية شكلا وموضوعا من حيث الطباعة والإخراج ونوعية الورق والشكل الفني وهو ما يعطى رسالة سلبية للتلميذ. ناهيك عن المدرس وطرق التدريس وتلك قضايا تحتاج معالجات خاصة وعاجلة..
لا يمكن أن نغفل في البيئات المعادية ما يحدث من انتهاكات للغة في وسائل الإعلام المختلفة وفي الشوارع العامة واعلاناتها واسمائها وارشاداتها التى تخاصم العربية تماما حتى تشعر وكأنك في مناطق لغير الناطقين بالضاد من كثرة الاسماء الأجنبية للمحلات والشوارع والاعلانات وغيرها..
أما الاغاني فموضوع شرحه يطول.
والله المستعان.
megahedkh@hotmail.com