عقد مجلس الأمن جلسة خاصة الخميس الماضى لبحث القضية الفلسطينية بطلب من الإمارات والصين، وذلك عقب اقتحام وزير الأمن القومى الإسرائيلى الجديد إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى مع زمرة من المتطرفين اليهود فى حراسة مشددة، ورغم رفض إسرائيل لعقد الجلسة إلا أنها انعقدت، وطالب مندوبو الدول الأعضاء جميعا، بما فيهم أمريكا، بالحفاظ على الوضع القائم فى الأماكن المقدسة، خاصة المسجد الأقصى، وامتناع كل الأطراف عن اتخاذ إجراءات يمكن أن تزيد التوتر فى مدينة القدس ومحيطها، وتعرقل حل الدولتين.
ولم يوجه المتحدثون فى الجلسة أية إدانة لحكومة نتياهو، أو حتى مجرد إشارة لإسم إسرائيل، ماعدا مندوبي روسيا والصين، اللذين لم يكتفيا بإدانة إسرائيل، وإنما أدانا أمريكا أيضا، باعتبارها الدولة الكفيلة، التى تمد إسرائيل بالسلاح وتحميها بالفيتو، وانتهت الجلسة كما انتهت جلسات أخرى كثيرة دون اتخاذ إجراء عملى ينفذ إرادة المجتمع الدولى، فما أكثر كلمات المجلس، وما أكثر قراراته النائمة فى الأدراج.
ومع ذلك فقد كان لهذه الجلسة ثلاث إيجابيات مهمة، الأولى أنها كشفت عزلة إسرائيل دوليا، وهى تقف وحيدة تتحدث بمنطق خارج عن الشرعية الدولية، والثانية أنها ذكرت العالم من جديد بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى ومقدساته المنتهكة، والثالثة أنها أٌقنعت الفلسطينيين بأهمية العودة إلى المنابر الدولية من أجل الحصول على حقوقهم، بعد أن ثبت فشل المفاوضات الثنائية، التى يتفاوض فيها الذئب مع الحمل بهدف المماطلة وكسب الوقت، حتى يتسنى له هضم الفريسة قطعة قطعة، وهو يتسلى فى وقت الفراغ بنشيد السلام.
وقد يكون من المفيد التوقف عند ما قاله المتحث باسم حكومة نتنياهو الجديدة ردا على دعوة الحفاظ على الوضع القائم وعدم اتخاذ إجراءات أحادية لتغييره، حيث قال إن ماقام به الوزير بن غفير من صميم الوضع القائم، الذى يسمح لليهود بزيارة جبل الهيكل( وهو الإسم التوراتى للمنطقة التى يقع فيها المسجد الأقصى) وأداء شعائرهم الدينية، ومن واجب الحكومة ضمان حرية الوصول إليه، للمسلمين واليهود معا، وعدم الاكتراث بتهديدات حماس والإرهابيين الذين يريدون أن يسلبوا منا هذا الحق.
وهذه مغالطة كبرى تستند إليها حكومات إسرائيل فى السماح للمتطرفين والمستوطنين اليهود باقتحام المسجد الأقصى، لتثبيت موطئ قدم لهم فيه، تمهيدا للسيطرة عليه وتنفيذ مخططهم المعلن بهدمه، وبناء هيكلهم مكانه، ولذلك يشيعون أكذوبة المشاركة اليهودية فى المسجد الأقصى، وصولا إلى تقسيم المسجد مكانيا أو زمانيا، مثلما حدث مع الحرم الإبراهيمى فى مدينة الخليل.
وقبل أسبوع من جلسة مجلس الأمن طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية تقديم رأي استشاري حول التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي وسياسة الاستيطان وضم الأراضى، بما في ذلك الإجراءات التي تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية ووضع مدينة القدس واعتماد إسرائيل تشريعات وإجراءات تمييزية لتكريس هذه السياسة، وتقديم المشورة بشأن كيفية تأثير هذه السياسات والممارسات على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي التبعات القانونية التي تنشأ عن هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة.
وجاء هذا الطلب استجابة للمندوب الفلسطينى رغم معارضة إسرائيل وأمريكا وبريطانيا و23 دولة أخرى، ومعروف أن محكمة العدل فى لاهاى هى أعلى محكمة على المستوى العالمى، وتتعامل مع النزاعات بين الدول، وأحكامها ملزمة رغم أنها لاتملك سلطة إنفاذها، وكانت آخر مرة تناولت فيها محكمة العدل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين في عام 2004، عندما قررت أن الجدار الإسرائيلي العازل غير قانوني، ورفضت إسرائيل هذا الحكم واتهمت المحكمة بأن لها دوافع سياسية.
ورغم أن السلطة الفلسطينية اعتبرت تحرك الجمعية العامة انتصارا إلا أنه فى الواقع قد يكون روتينيا، وقد يتم إحباطه، لكن مايهمنا هو تعليق نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل الجديدة عليه، حيث قال إن ” الشعب اليهودى ليس محتلا على أرضه، ولا محتلا فى عاصمته الأبدية القدس، ولا يوجد قرار للأمم المتحدة يمكن أن يشوه تلك الحقيقة التاريخية”، وهذا هونفس المنطق الذى تحدث به جلعاد إردان سفير إسرائيل فى الأمم المتحدة الذى قال:” لايمكن لأية هيئة دولية أن تقرر أن الشعب اليهودى شعب محتل فى وطنه، وأى قرار من هيئة قضائية تتلقى تفويضها من الأمم المتحدة المفلسة أخلاقيا والمسيسة هو قرار غير شرعى تماما، ولن يخدم إلا المتطرفين”.
إذن هذه هى المشروعية الإسرائيلية، كل الأراضى أرضها، ولا حق لأحد فيها غير الشعب اليهودى، يؤكد ذلك أن المبدأ التوجيهى الأول لحكومة نتنياهو الجديدة ينص على أن ” للشعب اليهودى حقا حصريا لاجدال فيه فى جميع مناطق الأرض الإسرائيليىة، بما فيها الضفة الغربية، وتتعهد الحكومة بتعزيز سياسة ضم الأراضى وتنمية المستوطنات، وإضفاء الشرعية بأثر رجعى على ماتم بناؤه دون تصريح”.
ومع كل هذا الوضوح يجب أن نسأل: هل ترك نتنياهو وحكومته مجالا للسلام، ولو حتى من باب المناورة؟!