القلوب الزائغة قلوب عرفت الحق وانحرفت عنه،وندما يزيغ القلب يزيغ الفكر الذي يجتهد في تحقيق هوى القلب فيكون فكرًا منحرفًا يلوي أوضح الحقائق لتنتهي إلى ضلال مبين . فالزيغ هنا هو الانحراف بإرادة وحرص ممن يزوغ، وفي لسان العرب الزيغ هو الميل، وهو مأخوذ من تزايغ الأسنان لاختلاف منابتها.وهو أمر طارىء على القلب بسبب الهوى لذا نجد سيدنا أبو بكر، وهو يفسر التزامه التام في إدارة الدولة بما ترك رسول الله عليه وسلم الناس عليه دون إضافات تفرضها الحاجة يقول -: “لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به ، إلا عملت به ، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ” أى أجور ولا أعدل. وعندما تحدث القرآن الكريم عما كان من سيدنا موسى وقومه في حوار بديع يذكرهم فيه موسى بأنهم يعلمون أنه رسول الله بما رأوه بأعينهم من معجزات تدل على صدقه مثل شق البحر ومرورهم منه بأمان ونجاتهم من فرعون أقوى قوة على الأرض وغرق فرعون وهم ينظرون بأعينهم إلى ما حدث له لحظة بلحظة فى نفس البحر الذي مروا منه آمنين ومع ذلك انحرفوا عن الحق وعبدوا العجل ولم يعبأوا بموسى وصدقه فأزاغ الله قلوبهم، يقول تعالى :” وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ” وإزاغة القلوب من قبل الله هو تركهم لأنفسهم والشيطان وحرمانهم من العون على الهداية ” هداية المعونة” لأن الهداية كما يقول العلماء تنقسم إلى: هداية دلالة ومعرفة يعرف بها الإنسان الصواب والخطا” وهديناه النجدين “أي علمناه طريق الخير وطريق الشر ، ثم هداية معونة أي العون على الالتزام بطريق الحق ومخالفة غواية الشيطان ،والثبات على الإيمان .لذا ندعوا ربنا بما ورد عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه ” اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” وندعوا بما جاء في كتابه العزيز “ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ” أي لا تحرمنا المعونة على الالتزام بما هديتنا إليه ولا تبتلينا بما يوقعنا في الانحراف عن جادة الحق .وكان دعاء الرسول صلوات الله وسلامه عليه: ” اللهم اهدنا فيمن هديت وتولنا فيمن توليت ..” .وفي الدعاء: اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ” لأن معرفة الحق ليست كافية فالمؤمن يدرك أنه في حاجة إلى عون الله على الثبات والانتصار على الهوى . والقلوب عندما تزوغ تفعل ذلك، وهي مدركة أنها منحرفة وأنها تعبد هواها فتجتهد في تزيين هذا الهوى وتقديمه على أنه الصواب الذي لا صواب غيره وتقبح الصواب الحقيقي وتحقره في نفوس الناس وتنزعج وتنتفض ضد كل من يذّكر الناس بالحق والصواب أو يحذرهم من الشر وتحمل عليه حملات شرسه وتحاربه بكل ما أوتيت من قوة وتشوه النماذج الصالحة في عيون النشء، رغم أنها لا تتوقف عن الدعوة إلى حرية الاختيار، فإذا جاء الاختيار إلى الحق انتفضت ضده رافضة له ناعتة له بكل الأوصاف التي تحقر منه . ولقد كان المثال الصارخ لذلك موقف مشركي مكه من الرسالة المحمدية .أما قوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” فيتناول موقف أولئك لذين عرفوا الحق من خلال دلائل واضحات لكنهم يبحثون في آيات تتحمل أكثر من معنى تاركين الآيات قاطعة الدلالة ليجادلوا بالباطل بهدف الفتنة ونصرة الباطل وتشويش الفهم لدى الناس ليشككوهم في وقد نزلت هذه الآيات في وفد نجران الذي زار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأقام بمسجده أياما وقرأ عليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه ما جاء بشأن سيدنا عيسى في القرآن الكريم فتركوا الآيات الواضحات الصريحات وسألوا رسول الله صلوات الله وسلامه علية قائلين ألست تقول: إنه كلمة الله وروحه يريدون أن يثبتوا من خلال ذلك أن سيدنا عيسى ليس بشرًا وإنما روح الله وما دام روح الله، فهو إله، فنزلت هذه الآية لتبين أن متلقي النور من قبل الله ينقسمون الى فئتين: الأولى: أصحاب الهوى والزيغ يبحثون عن كل ما غمض ويحتمل معاني كثيرة لا بهدف الفهم وإنما بهدف الفتنة وتفسيره حسب أهوائهم ولا يعبأون بالايات المحاكمات الواضحات ليفسدوا على الناس إيمانهم ،والفريق الثاني الذي خلص إيمانه وصدق بالنبوة ورأي من الآيات الواضحات ما يثبته على الحق وأصبح راسخا في إيمانه ” الراسخون في العلم” فإذا وقف أمام المتشابهه الذي غمض عليه لا يملك إلا أن يقول آمنا به كل من عند ربنا.فالذي يدفعهم الى هذه الطمأنينه كما يقول المفسرون أنه من عند الله .فهو إذن حق وصدق .
هذا المنطق نراه في كل عصر ومصر إلى أن يرث الله الارض ومن عليها ..نجد كلا الفريقين: أصحاب القلوب المؤمنة المطمئنة وأصحاب القلوب الزائغة وقد يعلو صوت أحدهم على الآخر بحسب الظروف المحيطة لكن الحق يظل واضحا لمن أراده.