من حقك أن تنتقد أفكار الشيخ الشعراوى ـ رحمه الله ـ فى حدود الأدب الذى تفرضه تقاليد المجتمع، ولكن ليس لك أي حق فى أن تتخذ من هذا النقد وسيلة للهجوم على الشيخ بأساليب ممجوجة، وتتهمه اتهامات باطلة، ناهيك عن أن تتخذ من نقد الشيخ وسيلة للهجوم على القرآن الكريم والسنة النبوية، والسخرية من تعاليم الإسلام.
الشيخ الشعراوى ليس نبيا معصوما، ولم يقل أحد أن له قداسة، إنما هو بشر يصيب ويخطئ،، وعالم جليل أحبه الناس ووثقوا فيه، ونهلوا من علمه، وجعلوا له فى نفوسهم مكانة عالية، ولن يضره أن تىنتقد أفكاره وآراءه، إن كان ذلك بهدف بيان الخطأ وتصحيحه، ولن يضر الإسلام أن ينتقد أحد الشيخ الشعراوى، فمهما بلغ من علم ومقام رفيع لن يكون هو الإسلام، ولن يكون الإسلام حكرا عليه، أو على غيره من الشيوخ، الإسلام أكبر من الجميع.
لكن هذا شيء وحملة الإساءة المنظمة التى يتعرض لها الشيخ حاليا شيء آخر، هناك مجالات وحدود للنقد، والمشكلة أن يتحول انتقاد الشيخ الشعراوى إلى حملة ممنهجة، يجرى فيها تكرار مقولات مسيئة، واتهامات غير لائقة، بهدف النيل من مكانة الشيخ، وكسر هيبته فى نفوس محبيه، فذلك ـ يقينا ـ ليس من باب النقد، ولا من باب المروءة الإنسانية.
وياليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، وإنما تصاعد الغرور بصاحبه، فجره إلى السخرية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى يقدمها الشيخ فى معرض حديثه، فينسبها الجاهل إلى الشيخ، ويسخر منها، وهو يعلم تماما أنه يذهب إلى المنطقة الخطرة، وإلى ما لا يمكن أن يقبله مسلم، أو يسكت عليه، لكنها الرغبة المحمومة فى الإثارة، وإسماع الصوت العالى لمن يهمهم الأمر.
إن الهجوم على الشيخ الشعراوى مجرد حلقة من حلقات المخطط الكبير الذى تقوم به فئة معروفة، لها أجندة محددة، تمولها وتشرف على تنفيذها دول وأجهزة أمنية ومراكز بحثية وقنوات فضائية، وقد تكسب من وراء هذا المخطط كثيرون، توافرت فيهم الجرأة على الطعن فى ثوابت الدين باسم التنوير والحداثة والتقدمية والعلمانية، وتوافر فيهم أيضا انعدام الضمير الدينى والوطنى، وهم يعلمون أنهم لايجددون ولا ينيرون، وإنما يشعلون فتنة نائمة، لعن الله من أيقظها.
القضية تجاوزت الهجوم على الشيخ الشعراوى، ودخلت إلى منطقة الخطر على الدين وثوابته، وعلى الوطن وسلامه الاجتماعىى، وصارت حديث القاصى والدانى، حتى امتلأت النفوس غضبا وغيظا من تلك الأصوات المنكرة، التى لا تجيد غير الطعن فى الشيخ الشعراوى والجرأة على الإسلام، وباتت اللعبة مكشوفة، فالهدف هو الإسلام وليس الشيخ الشعراوى.
وقد بدأت الحملة ـ أو الحملات ـ بالتنفير من الأذان والدعوة لإلغائه، والتشكيك فى رواة الأحاديث النبوية، والتشكيك فى جمع المصحف الشريف، وترتيب السور والآيات، وإنكار السنة، والتهكم على الأحاديث النبوية، ثم اتهام الصحابة بأنهم ” القتلة الأوائل “، والتشكيك فى آيات الإسراء والمعراج، وفى حقيقة وجود المسجد الأقصى من الأساس، والطعن الصريح فى أئمة المذاهب وعلماء التفسير الحديث، وإدانة الفتوحات الإسلامية، واتهام الفاتحين العظام بكل النقائص، وتشويه الخلفاء الراشدين، والسخرية من نظام المواريث الإسلامى، واتهامه بظلم المرأة، ثم الرقص على وقع الأيات بعد تحريفها ( سلطانية سلطانية )، وتعميم الاتهام على المتمسكين بدينهم بأنهم دواعش، أو مشاريع دواعش، واتهام المساجد بتربية إرهابيين، والهجوم الدائم على الأزهر الشريف وشيخه ومناهجه، وإدانة حصة الدين الإسلامى فى المدارس، والدعوة لإلغائها، وإلغاء أي حديث عن الإسلام فى كتب القراءة، بدعوى تجفيف منابع الإرهاب.
وفى المقابل يجرى الاحتفاء بأى خروج على الثوابت الدينية والتقاليد والأعراف والأنساق الأخلاقية التى يعيشها المجتمع الإسلامى، وكلما كان الخروج فظا غليظا كان صوت الاحتفاء به عاليا، وكلما كانت الفاحشة أكثر بروزا وأشد سوءا وأوسع انتشارا كان مهرجان الحفاوة بها أعظم إبهارا.
ما علاقة هذا الوضع البائس بالعلمانية والتنوير والحداثة والتقدم ؟
هذه شعارات كاذبة، ترفع لتسويغ البذاءات وتشجيع الانحرافات، وسلخ الأمة من دينها وهويتها، كى تسير فى ركب التبعية، فى ذيل من سبقونا إلى الدروب الموحشة، ويجنون اليوم ثمار مازرعوا.
فى الأسابيع الأخيرة كررت فنانة ” جريئة ” دعوتها لما يسمى بالزواج المدنى، أو الزواج المختلط، والمقصود تحديدا زواج المسلمة بغير المسلم، وقالت فى ذلك تصريحات تتضمن موافقتها على الزواج بغير مسلم إذا تحركت عاطفتها له، وهذا كلام يناقض ما أعلنته دار الإفتاء على موقعها بأن مثل هذا الزواج باطل، ويلزم التفريق بين الزوجين، ولا يترتب عليه شيء من أحكام الزواج الصحيح، ومع ذلك خرج كاتب سياسي بمقال فى أكبر صحيفة مصرية ليقرظ الفنانة الجريئة، ويعتبر دعوتها ـ التى لم تقتصر على رأيها المستقل والجرئ ـ مجرد جزء أو جانب من جوانب موقف اجتماعى/ سياسي تقدمى متكامل، تمتلكه وتعبر عنه بكل وضوح فى مواجهة الأفكار المتشددة والرجعية!!
ولم يفوت الكاتب الفرصة دون أن يشيد بالفنانة الجريئة، قائلا إنها ” نموذج للفنان والمثقف المصرى الملتزم بقضايا وطنه العادلة، الذى يمتلك موقفا واضحا، كما يمتلك الشجاعة للتعبير عنه بلا وجل أو تردد، تلك كلها أمور تستحق كل تحية وتقدير وإكبار” !!
وعلى هذا النحو تسير الأمور، يقطع لحم الشيخ الشعراوى كل ليلة على الشاشات، ويؤكل ميتا، وتتهم دار الإفتاء بالتخلف والرجعية فى أعمدة كتاب الصحف، بينما تمتدح الفنانة، ويقال عنها إنها شجاعة، وصاحبة موقف اجتماعى / سياسى تقدمى متكامل، وتقدم لها ” كل تحية وتقدير وإكبار” !!
الدلالة واضحة، لاتحتاج إلى كلام يفسرها، فقط نقول لهؤلاء وهؤلاء : اتقوا الله فى دينكم، وفى وطنكم الذى تأكلون خيره، وفى شعبكم الذى تهينون دينه.