من أخص دروس ومقاصد شهر رمضان الكريم درس الاستغناء بمعنى أنه يجيء ليعلم المؤمنين الاستغناء عما يقررون الاستغناء عنه مهما تيسر لهم الحصول عليه أو كان في متناولهم وبالتالي يصبح من الأيسر عليهم كبح شهواتهم المحرمة أو التي تأتي من حرام أو عن طريق حرام أيا كانت هذه الشهوات مال أو نساء أو منصب أو جاه أو مجد وغير ذلك من أمور جبلت النفس على حبها واشتهائها والتطلع إلى الحصول عليها.
والاستغتاء يعني طلب الغنى ومن أسماء الله الحسنى :”الغني” وهو الذي لايحتاج الى أحد في شيء وكل كائن يحتاج اليه، ومن أسمائه: “المغني” أي الذي يمنح الغنى لمن شاء عن الآخرين وفي حديث الجمعة :” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فعليه الجمعة يوم الجمعة ، إلا مريض ، أو مسافر ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مملوك . فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه ، والله غني حميد ” وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة ما أغنيت به” أي أعطيت المحتاج ما يغنيه عن المسأله ولذلك أجاز العلماء إعطاء الزكاة لفقير واحد. وأعلى درجات الغنى غنى النفس.
إذن والصيام الذي فرض في السنة الثانية للهجرة كان من مقاصده في إطار المقصد الأسمى وهو التقوى مقصد الاستغناء لأن فضيلة الاستغناء تستطيع أن تحمي صاحبها عن أية مغريات مهما كان حجمها ليس هذا فقط وإنما تربي في نفس المستغني فضيلة العطاء لأنه صار مستغنيا أي لايجب أن يطلب أو يأخذ أي زهد فيما في أيدي الآخرين وأذا كان من تعود الأخذ يكون شحيحًا في عطائه فإن من تعود الاستغناء يكون كريمًا في عطاءه لأنه يزهد فيما يملك كما يزيد فيما في أيدي الآخرين وما دام قد زهد فيما يملك سهل عليه بذله بل أحب أن تكون يده العليا من خلال العطاء ،فنفسه التي ذاقت لذة الاستغناء تتوق لتذوق لذة العطاء .
أما الفضيلة الأخرى التي تترتب على فضيلة الاستغناء من خلال درس الصيام فهي فضيلة الإخلاص تلك الفضيلة التي تمثل فارقًا مهما بين الحضارة والرقي الإنساني وبين الحيوانية والتدني الخلقي ،فالإخلاص ابن النفس التي استطاع صاحبها أن يلزمها الاستقامة والترفع وبالتالي تخلص لما تقتنع وتؤمن به ،والصيام الحقيقي من أعلى درجات الإخلاص ذلك لأنه يجعل صاحبه وحده هو الرقيب على نفسه بعد الله سبحانه أي أنه يقف على درجة الاحسان التي عرفها نبينا سبحانه وتعالى في الحديث بقوله:” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك” .
وإذا تشربت أمة من الإمم فضيلة الإخلاص حققت ما يدهش الآخرين من آمالها في الدنيا وحقق أفرادها الدرجات العلا ومراتب القرب عند الله سبحانه وتعالى .يقول صلى الله عليه وسلم :إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي وجهه” .
إذن فإلصيام مدرسة لتربية النفس الإنسانية وليس للجوع أو العطش أوتعذيب النفس دون طائل فهو يصنع الكمال الإنساني في حياة المسلم فلا يُرى إلا حيث يريده الله ولا يعمل إلا ما ينفع الناس ويرضي الله ولا يقول إلا ما يتقرب به إلى الله .