يُحكى أن رجُلاً يُدعى أبا جعفر كان يملك جارية حسناء فائقة الجمال تُدعى رُقية، ولم يكن أبا جعفر سوى تاجر عادي يبيع السمن والعسل.
وقد كان أبا جعفر مولعاً بجمالِ جاريته فسكنَ بها بعيداً خوفاً عليها من أعين الحُساد.
وذات يوم زاره صديقٌ له من مدينة أُخرى يقال له أبا صخر، وقد كان رجُلاً مُرَفْهاً يملكُ مِن المالِ ما شاء الله له أن يملِك.
وبعد أن أخذ الصديقان مجلسهما نادى أبا جعفر جاريته الهَيْفاء العُرهرة رُقية، فأمرها بأن تُعِد ما يُكرِم به ضيفة، فرآها أبا صخر فصُعِقَ مِن جمالها، فطارَ عَقْلُه وقَفز قَلبُه، وبينما يتسامران سأله عنها وعن قصته معها،
فحكى له عنها، وما تحمله من صفات جميلة وبالغ في الثناء عليها، مما زاد إعجاب أبى صخرٍ بها.
وبعدما انتهت زيارته لأبي جعفر وهمَّ بالمغادرة أخبره أنه سيمكث في المدينة لبِضعة شهور وسيُعيد زيارته له مرة أخرى، فودعه وقبل أن يتوجه إلي المخرج رأي الجارية رقية فرمى لها بدرهمين وغادر.
ومضى ليلته تِلك غارقاً في التفكير بتلك المرأة الباهرة، البراقة، الرقراقة، الرجاجة، الفرعاء،الفيصاء، الدعجاء، الممشوقة، الرائعة.
وبعدها أصبح يتردد على صديقه كثيراً، وفي كل مرة يرى فيها الجارية يرمي لها بدرهمين ثم يغادر، ولم يكن أبا جعفر يشعر بضجر أو غرابة مما يفعله صديقة وظن أن الأمر عادي، ولكن رُقية فهمت ما لم يفهمه سيدها، وعلمت أن أبا صخر قد هامَّ بها.
وأصبحت تُبادِله النظرات والهمسات، فأيقن أنها أيضًا قد أُعجبت به وعلمت مبتغاه.
وكان أبا جعفر المسكين غارقاً في بحر أوهامٍ به خِلٌ وفي وجارية تُحبه، ولم يعلم ما يصنعانه مِن خلفه.
حتى جاء يوم وقررت رُقية أن تهرب مع عشيقها صاحب الدرهمين، وبالفعل هربت مع أبي صخر وتركت رسالة لسيدها أبا جعفر قالت له فيها:
“أنتَ تُريد أن تُشبِع قلبك وأنا أريدُ أن تَشبعَ بطني”
فحزن عليها حُزناً شديداً،
فكتب لها :
أيا ظبية الصحراء !
أيُباع حُبي بدرهمين؟!
هل خُنتي أيام الصبابة والهوى وسلكتي دَّرب الجاحدين؟
المال يا حسناء يفنى فالتعلمي هذا يقين.
والحب يا حوراء نورٌ لا يراه الخائنين.
الحب عهد صادق ولا يفوز الصادقين.
قد كُنتِ في عيناي دُرة، ومشيتي في صحرائي حُرة، واليوم لن تجني بما فعلت يديكِ سوى المضرة.
ومكثت رُقية عند أبا صخر الرجل الغني وظنت أنها ستعيش عنده مُنعمة، ولكن أساء مُعاملتها وأبدع في تعذيبها بالعمل الشاق،
وفي كل مرة يقول لها :
لقد خُنتي سيدك بدرهمين وغدا ستخونيني بدرهم.
فضاقت نفسها مما تلقاه منه مِن إهانة وتعذيب وهي التي كانت ملكة عند أبي جعفر التاجر الفقير، فقررت أن تهرب وتعود له.
فتسللت ليلاً وسلكت طريق العودة إلي مدينتها الأولى وإلي دار إبي جعفر .
ولكن عندما وصلت أخبروها أنه قد مات حُزناً عليها.