من أجمل ما قرأت في معنى الخشوع لله بأنه مطلق الانتباه مع الله وهذا التعريف لا يقصد معنى الخشوع في ذاته وإنما ركز على أثر الخشوع لأن الخشوع في ذاته هو الخضوع لمن هو أقوى في شىء ما أو الخضوع لمن لدينا حاجة ماسة إليه ،والناس يتقاوتون في درجات الخشوع الذي هو الإنتباه فهناك انتباه للحظات وهناك انتباه لساعات وهناك انتباه طوال العمر وهذا الإنتباه هو مرتبة الاحسان الذي عرفها رسولنا صلوات الله وسلامه عليه بقوله :” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك ” وقد وصف بعض الصوفيه هذا الحال بقوله:” ألا يكون في قلبك سوى الله”.
وكلمة خشع كما جاء في لسان العرب تعني رمى ببصره إلى الارض أي نظر إلى الأرض في انكسار وقد أشار القرآن الكريم الى خشوع للقلب الذي هو مركز العمل ومدارالعلاقة بالخالق جل في علاه فقال: “أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ” وكذلك خشوع الأصوات فقال واصفا جانبا من أهوال الموقف العظيم : “وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا” .والخشوع في بعض اللهجات هو الركوع وهو نفس معنى الخضوع والذل ، والتخشع إصطناع الخضوع، والأرض الخاشعة هي الأرض المشققة من العطش:” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ” ،وخشعت الشمس إذا كسفت كأنها توارت ذلا .
وقال ابن رجب :”الخشوع هو لين القلب وانكساره لله ورقته وخضوعه وسكونه
ويقول ابن الجوزي الخشوع يأتي بأربعة معاني هي : الذل ونجده في قوله تعالى :خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ “،وسكون الجوارح في قوله تعالى وهو يصف المومنين :”الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ” وبمعنى الخوف في قوله تعالى واصفا سيدنا زكريا وزوجته “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ” وتأتي بمعنى التواضع وهو ما نجده في قوله تعالى “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ”
وقد عرف سيدنا عبد الله ابن عباس الخشوع بالخوف مع السكون في قوله تعالى وكانوا لنا خاشعين
وهناك فرق بين الخشية والخشوع
فالخشية في تعريف الراغب الأصفهاني: خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقال: (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى” في إشارة إلى سيدنا عبد الله بن ام مكتوم المؤمن العارف بحدود الله القادم ليستزيد أما الخشوع في مطلقه فهو الخضوع والذل
والقلوب الخاشعة لله هي قلوب في حالة انتباه إلى الله وإذا انتبه القلب وصار في يقظة انتبهت الجوارح وانساقت لأمره لذا عندما خاطب الله المؤمنين متسائلا: “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ..” فهو يخاطب مؤمنين به لكنهم في غفله لأن قلوبهم غير منتبه فأثر ذلك في أعمال الجوارح لذا خاطبهم برفق المحب الذي لا يقسوا على حبيبه ويتلطف إليه في العتاب ويلتمس له الأعذار فكأن الله يقرر أن خشوع قلب المؤمن أمر مفروغ منه ،ولكنه يسأل عن الوقت وهو أسلوب يرّغب المقصود في الخير ويحببه إليه ويلفته إلى خيرية نفسه التي لا يجوز خسارتها ثم يلفته إلى من وقعوا في هذا الخسران فكانوا من الفاسدين وهو أمر من شأنه اين يقبح في نفس المؤمن هذا المصير فيسارع إلى العودة :” وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ”
ومما جاء في كلام رسول الله صلوات الله وسلامه عليه محذرا من الغفلة التي يعلم فيها الإنسان الصواب لكنه لا يعمل به ما رواه سيدنا ابي الدرداء قائلا :” كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- فشخصَ ببصرِهِ إلى السَّماءِ ثمَّ قالَ هذا أوانٌ يُختَلَسُ العِلمُ منَ النَّاسِ حتَّى لا يقدِروا منهُ علَى شيءٍ فقالَ زيادُ بنُ لَبيدٍ الأنصاريُّ كيفَ يُختَلَسُ العِلمُ منَّا وقد قَرأنا القرآنَ فواللَّهِ لنَقرأنَّهُ ولنُقرِئنَّهُ نساءَنا وأبناءَنا فقالَ ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا زيادُ إن كُنتُ لأعدُّكَ مِن فُقَهاءِ أهلِ المدينةِ هذهِ التَّوراةُ والإنجيلُ عندَ اليَهودِ والنَّصارَى فَماذا تُغني عَنهم قالَ جُبَيرٌ فلَقيتُ عُبادةَ بنَ الصَّامتِ قلتُ ألا تسمَعُ إلى ما يقولُ أخوكَ أبو الدَّرداءِ فأخبَرتُهُ بالَّذي قالَه أبو الدَّرداءِ قالَ صدقَ أبو الدَّرداءِ إن شئتَ لأحدِّثنَّكَ بأوَّلِ عِلمٍ يُرفَعُ منَ النَّاسِ الخشوعُ يوشِكُ أن تدخُلَ مسجدَ جماعةٍ فلا ترَى فيهِ رجلًا خاشعًا ” من هنا فإننا نستطيع أنه كلما وجد الخشوع الذي هو الإنتباه إلى الله وجد المجتمع الأمن، وكلما غاب هذاالإنتباه تراجعت درجات الأمان بكل درجاتها وأنواعها.
بقي أن نقول أن الخشوع ذكر في القرآن الكريم بمشتقاته ١٣ مرة وهو يدور حول ما ذكرنا.