عصر السادات يشير إلى رئاسة أنور السادات، الفترة الممتدة لـ11 سنة من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 1970، حتى اغتيال السادات بواسطة ضباط جيش متعصبين في 6 أكتوبر 1981. شهدت رئاسة السادات العديد من التغيرات في اتجاه مصر، معاكسًا بعض المبادئ الاقتصادية والسياسية للتيار الناصري بالانفصال عن الاتحاد السوفيتي جاعلًا مصر حليفًا للولايات المتحدة، وبدأ عملية السلام مع إسرائيل، وأعاد نظام تعدد الأحزاب، بالإضافة للتخلي عن الاشتراكية بإطلاق سياسة الانفتاح الاقتصادية. قدم أنور السادات خليفة عبد الناصر سياسة التحرر الاقتصادي، وإلى حد أقل، التحرر السياسي. في عام 1971 تم إغلاق معسكرات الاعتقال، وبدأ النظام في إطلاق سراح الإخوان المسجونين تدريجيًا، رغم أن المنظمة نفسها ظلت غير قانونية. واستعاد آخر هؤلاء الذين لا يزالون خلف القضبان حريتهم في العفو العام لعام 1975.
ولم تحدد جماعة الإخوان رسمياً دليلاً عاماً جديداً بعد وفاة الهضيبي في عام 1973؛ أصبح عمر التلمساني أبرز المتحدثين الرسميين. ورغم أن المنظمة رفضت إعطاء ولاءها للسادات، إلا أن منتقديها من اليسار المصري قاموا بتوبيخها لأنها لم تتخذ موقفاً واضحاً ضد النظام وضد اللامساواة الاقتصادية. جاء أعضاؤها لتشمل العديد من رجال الأعمال الناجحين الذين استفادوا من السياسات الاقتصادية للسوق الحرة (سياسة الانفتاح).
كان الطلب السياسي الرئيسي للإخوان خلال هذه الفترة هو تطبيق الشريعة. ردت الحكومة من خلال الشروع في مراجعة مطولة لكل القوانين المصرية لتحديد أفضل طريقة لمواءمتها مع الشريعة. في عام 1980، تم تعديل الدستور ليوضح أن الشريعة «هي المصدر الرئيسي لجميع التشريعات». كان الهدف الآخر المهم للإخوان هو إقناع الحكومة بالسماح لها بالعمل بشكل قانوني والعمل كحزب سياسي، الذي سيقف ممثلوه في البرلمان. لم يُمنح هذا الطلب، وحُظرَ قانون الأحزاب السياسية لعام 1977 تحديدًا الأحزاب على أساس الانتماء الديني. ومع ذلك، تم التسامح مع جماعة الإخوان إلى حد ما، وفي عام 1976 سُمح لهم بنشر جريدتهم الشهرية، الدعوة («الدعوة إلى الإسلام»)، والتي يُقدَّر أن توزيعها قد بلغ 100000 قبل إغلاقها في 1981.
غالباً ما يركز «الدعوة» على مشكلة فلسطين. لم يوافق رؤساء تحريرها على اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1978 ومعاهدة السلام التي وقعتها مصر وإسرائيل عام 1979، مجادلين بأن إسرائيل لن تقبل أبداً بحل سلمي وعادل للنزاع. تميل المقالات في الدعوة إلى تصوير كل اليهود، سواء كانوا إسرائيليين أم غير، باعتبارهم غير جديرين بالثقة ومذنبين بالظلم الذي يتحمله الفلسطينيون، والأساطير المتكررة للنصوص المعادية للسامية. في نفس الوقت، وغالبا في المقالات نفسها، واصلت الصحيفة رفض القومية العربية. أدان المحررين أيضا التبشير المسيحي والشيوعية والعلمانية. يختلف العلماء حول تأثير الإخوان على السياسة المصرية في السبعينيات، لكن يبدو من الواضح أن الحركات السياسية الإسلامية الأخرى بدأت تلعب دورا أكثر أهمية. بعد هزيمة مصر في حرب عام 1967 مع إسرائيل، احتج الطلاب والعمال ضد فشل النظام في تحمل المسؤولية عن الهزيمة، وبدأوا في الدعوة إلى نظام سياسي أكثر ديمقراطية. كانت الحركة الطلابية الواسعة التي أخذت شكلها في البداية ذات طبيعة علمانية في المقام الأول، لكن الجماعات الإسلامية الطلابية ظهرت بشكل تدريجي، بفضل قدرتهم على تنفيذ حلول عملية للمشاكل التي يواجهها الطلاب في حياتهم اليومية (مثل الاكتظاظ الشديد)، وسائل نقابة الطلاب الوطنية التي تم انتخابهم بشكل متزايد في مناصب المسؤولية. عندما تسببت السياسات الاقتصادية للسادات في حدوث زيادات حادة في الأسعار للضروريات الأساسية والتدهور المروع في الخدمات العامة (مما أدى إلى أعمال شغب ضخمة في يناير 1977)، اكتسبت هذه الجماعات نفوذًا خارج الجامعات أيضًا. دَعَمَ حزب الدعوة الحركة الطلابية الإسلامية، ودعيَ قادة الإخوان للتحدث في تجمعات احتفالية كبيرة نظمتها مجموعات طلابية في الأعياد الإسلامية. عندما بدأت الحكومة تعيق الحركة الطلابية، ثم هاجمتها باستخدام شرطة مكافحة الشغب، توترت علاقات الإخوان مع الحكومة أيضاً. رفض الناطقون باسم جماعة الإخوان المسلمين باستمرار العنف الثوري والإرهابي للجماعات الإسلامية المسلحة التي ظهرت في مصر خلال السبعينيات (مثل الجهاد، الذي اغتال السادات في أكتوبر 1981).
وفي الوقت نفسه، جادلوا بأن اضطهاد الشرطة الوحشي بشكل متزايد كان السبب الرئيسي لهذا التطرف، وأنه إذا تم إخضاع الإخوان المسلمين، فسيكون بمقدورهم المساعدة في منع التطرف من خلال توفير التعليم الإسلامي للشباب. هذه الحجج سقطت على آذان صماء. في الأشهر التي سبقت اغتياله، وبينما كانت شعبيته آخذةٌ في التدهور، أمر السادات باعتقالات واسعة النطاق بين جميع قوى المعارضة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين. تم إطلاق سراح الإخوان المعتقلين في يناير 1982، بعد أن تم تبرئتهم من أي مخالفات.
شهد الاقتصاد الإخواني تحولات عدة على الصعيد الاقتصادي، ورغم تركيزهم في البدايات على مشاريع تنموية كصناعة الغزل والنسيج واستخراج الرخام والمنتجات الزراعية والصناعية، إلا أن فكرة نماء المال بالاعتماد على التجارة والتداول والمضاربة في البورصات وتوظيف الأموال قد طفت على فكر الجماعة الاقتصادي وتحديدًا في ضوء انتشار العولمة المالية في تسعينيات القرن العشرين، حيث أضحى الاقتصاد الإخواني جزءًا لا يتجزأ من طبيعة النظام الاقتصادي والمالي العالمي، إذ استفاد من نتاح رأس المال المُعولم، ومع تنوع سلة الاستثمارات الإخوانية وتحديدًا في المجالات المالية والملاذات الآمنة فقد تأثر بأزمات رأس المال المعولم، ويُعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا لجهة أن الاقتصاد الإخواني لا يمكن أن يعمل بمعزل عن رأس المال المعولم.
لقد مُني الاقتصاد الإخواني بخسائر مالية بسبب تأثره بأزمات عولمة رأس المال، ويتضح ذلك من خلال تسجيل المؤسسات المالية للإخوان خسائر مالية، ومنها خسائر بنك التقوى أثناء الأزمة المالية لدول جنوب شرق آسيا عام 1997 إضافة لخسائر المصارف الإسلامية وشركات توظيف الأموال أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008. وعليه، فإن هناك تأثيرًا لأزمات رأس المال المُعولم على اقتصاد الإخوان، ومن أسباب ذلك عدم امتلاك الإخوان أية مشروعات صناعية وإنتاجية، وغلبة الطابع الطفيلي والريعي على ممارساتهم للأنشطة الاقتصادية والتركيز على التربح على حساب الإنتاج.
ملامح الاقتصاد الإخواني وأهم مصادره في الوقت الراهن
يعتبر اقتصاد الإخوان المسلمين اقتصادًا مُعولمًا، حيث إنه ومنذ تأسيس حسن البنا لشركة المعاملات المالية ركز الإخوان على التجارة والتداول على حساب الإنتاج، وجنوح الإخوان للعمل في التجارة والمضاربات والابتعاد عن المشاريع الإنتاجية بجعلها جزءًا من النظام الاقتصادي العالمي.
وفي ضوء ذلك أضحى اقتصاد الإخوان أكثر اندماجًا بالاقتصاد العالمي، خصوصًا مع تنوع استثماراتهم ما بين (إقراض المال بفائدة، التجارة، الصيرفة، البورصة والسمسرة، شركات التأمين، تأسيس البنوك، ظهور المرابين، وتزايد النفوذ الاقتصادي والمالي لبعض العائلات) ، ومع تزايد اعتماد الاقتصاد الإخواني على هذه الأنشطة تزايدت استثماراتهم داخل منظومة الاقتصاد المالي العالمي.
يعتمد الاقتصاد الإخواني في الوقت الراهن على عدة مصادر، أهمها الآتي:
تركيز الأنشطة الاقتصادية في مجالات خفية؛ كتجارة العملة والمضاربة عليها والتهريب، حيث قام بعض تجار الإخوان المسلمين في مصر في ديسمبر 2015 بإخراج الدولار إلى قطر مقابل ما يعادله من الجنيه المصري مقابل معدل ربح يبلغ 5%، حيث لجأ التجار للعمل في أنشطة متنوعة كتجارة السيارات والأراضي والذهب بهدف تجميع الدولار وتخزينه، وتعتبر تجارة العملة مصدرًا أساسيًّا لتمويل أنشطة الإخوان وخصوصًا بعد نجاحهم في خلق مناخ آمن لتداول أموالهم داخليًا وخارجيًا بعيدًا عن رقابة البنوك والحكومات، كما أن عددًا من المنتمين للإخوان المسلمين قاموا بشراء الدولار من المصريين العاملين في الخارج مقابل تسليمهم الثمن بالجنيه في مصر بأسعار مبالغ فيها وساهم ذلك بتهديد الاقتصاد المصري.
وفي السودان سيطر الإخوان على بعض المناجم وقاموا بتهريب كنوزها ساحليًا وحققوا بفعل ذلك ثروات طائلة تمركزت في النخب الاقتصادية للإخوان.
وفي مصر عمل الإخوان في تجميع البضائع المهربة وبيعها من خلال أعضائها في الأسواق التي تُقام أسبوعيًا.
ولم يقتصر الأمر على تهريب البضائع، بل شمل أيضًا تهريب المتطرفين نظير مقابل مادي يصل إلى 60 ألف جنيه، إذ يقوم الإخوان بعملية غسل الدماغ والإعداد النفسي والتربوي والعسكري للمجموعات التي يتم شحنها إلى مناطق الصراع، وساهم إخوان تركيا برواج هذه الأنشطة، حيث تعتبر تركيا داعمًا أساسيًا في تسهيل سفر المتطرفين، كما أن حرية حركة الأموال بداخلها أدت إلى رواج تجارة التهريب واستمرارها.
إن ما حققه الاقتصاد الإخواني في ضوء التهريب من مكاسب مالية خُصص أغلبه للنخب الاقتصادية الإخوانية، وساهم ذلك في بروز إسلامية سلطوية نيوليبرالية، وذلك كما يلي:
توظيف كل ما هو ديني لخدمة الأهداف الاقتصادية للجماعة، ومن أمثلة ذلك إقحام الدين والازدواجية في التعاطي مع أزمة الليرة التركية والأزمة الاقتصادية التي شهدتها مصر في بعض السنوات، ففي الحالة المصرية دعا الإخوان إلى هجر الجنيه المصري وتحويله إلى العملات الصعبة واستبداله بالذهب والعقار، وفي الحالة التركية دعوا إلى دعم الليرة التركية ومطالبة أعضاء التنظيم بتحويل ما يمتلكون من العملات الصعبة إلى الليرة، واعتبار ذلك دعمًا للإسلام واقتصاد المسلمين، أما دعم الجنيه فقد اعتبروه دعمًا للحكومة المصرية وليس للمصريين. الاعتماد على تعدد الموارد المالية عبر بناء قاعدة اقتصادية من خلال إنشاء المؤسسات المالية والاقتصادية لمواجهة الاضطرابات السياسية التي تواجهها.
من القواعد الاقتصادية المتينة للإخوان المسلمين، تأسيس نجم الدين أربكان اتحاد الأعمال والصناعيين المستقلين (الموصياد)، والذي يُعتبر الذراع الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية الحاكم ويتحكم في 12% من الاقتصاد التركي.
استغلال التكنولوجيا وتقنيات الإنترنت للحصول على الأموال وتوظيفها ماليًا، ومن أشهر تلك الأدوات استخدام العملات الافتراضية المشفرة كالبيتكوين لإخفاء الموارد المالية والحفاظ عليها وتشفير عمليات نقل الأموال، حيث تمتاز البيتكوين بعنصر السرعة، والعمليات الهائلة، إضافة لأنها تتم بين مختلف مناطق ودول العالم في مدة زمنية قصيرة.
التبرعات الخارجية، حيث يتم تجميع الأموال عن طريق الجمعيات الخيرية ويتم استخدامها في تمويل أنشطة الإخوان بتلك الدول، ويتم توجيه الفائض وبحسب أوامر المرشد إلى دول أخرى وتتم عملية التحويل نقديًا عبر أشخاص وليس عبر بنوك أو شركات لمواجهة عمليات الحظر12، ووفقًا لقيادات التنظيم الدولي للإخوان يتم تخصيص نسبة 30% من عوائد الكيانات الاقتصادية والمالية التابعة للجماعة في بريطانيا وأوروبا لبعض فروع الإخوان على غرار حركة حماس.
تركيز الاستثمار في ملاذات آمنة ومنها ماليزيا ودول شرق أفريقيا مع الإبقاء على استثماراتها وبوتيرة أقل في الدول التي تنتشر فيها كتركيا وأوروبا لمواجهة أية ضغوط حكومية عليها14، وبرغم حالة الانشقاقات التي تشهدها الجماعة ومصادرة بعض ثرواتها في مصر، إلا الإخوان وأذرعهم في العالم يمرون بحالة كمون بسبب الحزم السياسي، ولكن التنظيم لم ينتهِ؛ وذلك بسبب تغلغله في المجتمعات مستفيدًا من وضعه ومكانته على الصعيد الاقتصادي والمالي15، ويعني ذلك أن اقتصاد الإخوان المسلمين يمرض لكن لا يموت.
وعلى الصعيد الاقتصادي فإن جماعة الإخوان قد حمت استثماراتها من خلال شراكة رجال أعمال من غير المنتمين للجماعة، وذلك حتى لا تتعرض أموالها وممتلكاتها للمصادرة.
حدود ارتباط الاقتصاد الإخواني برأس المال المُعولم
لقد استفادت جماعة الإخوان المسلمين من رأس المال المُعولم من خلال تعزيز قدراتها المالية عبر المضاربة في البورصات الأجنبية في نيويورك ولندن وطوكيو، إضافة لإنشاء المشاريع الكبرى في الخارج، ومن أبرز رجال أعمال الإخوان في منظومة رأس المال المعولم يوسف ندا مؤسس بنك التقوى للمعاملات المالية والتي صنفته الولايات المتحدة الأمريكية بأنه مؤسسة مالية تدعم الإرهاب. اعتمد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على النظم المالية المرنة في الولايات المتحدة الأمريكية لإدارة التدفقات المالية وتنميتها من خلال الاستثمارات في مختلف الأنشطة التجارية والعقارية، وضخ الأموال لفروع التنظيم على امتداد دول العالم، إضافة لتلقي المساهمات المالية من بعض المتبرعين والهيئات المانحة، ولم تعد جماعة الإخوان المسلمين مجرد منظمة بل أصبحت مرتبطة بشبكات معقدة من المصالح والجماعات المتطرفة والتي مكنتها من تأسيس شبكات لنقل وتهريب الأموال.
ويرتبط اقتصاد الإخوان برأس المال المُعولم وهناك حدود لهذا الارتباط يُمكن إبرازها على النحو الآتي:
اقتصاد الحلال:
شهد اقتصاد الحلال نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة وأضحى اقتصادًا حجمه عدة مليارات من الدولارات وعلامة تجارية بارزة في أوروبا وأمريكا، حيث يُقام لها الأسواق المخصصة والمتاجر والتي تخضع لسلسلة إجراءات كالحصول على رخصة لمزاولة الأعمال من مؤسسات الإفتاء الديني والمراكز الإسلامية والتي يحتكر أغلب مجالس إدارتها الإخوان المسلمون، ووفقًا لتقارير مجلس “أنسايدرز” الأمريكي تبلغ تجارة اللحوم الحلال 2.3 تريليون دولار سنويًا، ولا تقتصر تجارة الحلال على المأكولات، بل ضمت قطاعات أخرى مثل: أدوات التجميل والأدوات المنزلية والطبية، والسياحة والقطاع المصرفي، وبُحكم سيطرة الإخوان على مؤسسات منح ترخيص اللحوم الحلال في أوروبا فإنها مقابل ذلك تَجني ملايين الدولارات والتي تُستخدم في تمويل التنظيم الدولي للإخوان.
وعالميًا ينفق المسلمون على قطاع الملابس والأزياء والتصميم الإسلامي نحو 243 مليار دولار؛ أي ما نسبته 10.6% من إجمالي الإنفاق العالمي على قطاع الملابس20، ويُنفق على الإعلام 231 مليار دولار وعلى قطاع السياحة 102 مليار دولار
ومع تزايد الطلب على المنتجات الحلال من المسلمين وغير المسلمين يتوقع الخبراء أن يبلغ حجم اقتصاد الحلال 4.96 تريليونات دولار بحلول عام 2030، وقد ارتفع عدد المنتجات الحلال من 16,936 منتجًا عام 2018 إلى 20,482 منتجًا عام 2020 وهذا يجعل اقتصاد الحلال أكثر تكاملًا واندماجًا مع التجارة العالمية، وبالتالي يعتبر أكثر مقاومة لمخاطر الأزمة الاقتصادية بسبب سرعة الانتشار والنمو22، وتعتبر هذه النسب مرتفعة، ووجود استثمارات للإخوان المسلمين في هذا الاقتصاد يجعلها على ارتباط وثيق بالنظام الاقتصادي والمالي العالمي.
تنامي عدد شركات الأوف شور:
وذلك للاحتماء بالنظام الاقتصادي العالمي، وتعتبر تلك الشركات جزءًا لا يتجزأ من قدرة الإخوان على إخفاء ونقل الأموال حول العالم، حيث تمتاز هذه الشركات بالغموض؛ لكونها بعيدة عن الرقابة23، حيث اعتمد الإخوان على استراتيجية قائمة على أعمدة من السرية والخداع والخفاء والعنف والانتهازية، والهدف من ذلك هو بناء شبكة مالية في الخفاء تتراوح أصولها ما بين 5 و 10 مليارات دولار، ومن أشهر هذه الشبكة بنوك الأوف شور في جزر البهاما، والتي خضعت لتحقيقات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 إذ أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن بنكي التقوى وأكيدا الدولي متورطان في تمويل عدد من الجماعات الأصولية؛ من بينها حركة حماس، وجبهة الخلاص الإسلامية، والجماعة الإسلامية في الجزائر، وجماعة النهضة التونسية، وتنظيم القاعدة. وبرغم ما يُنشر من تقديرات حول حجم اقتصاد الإخوان، إلا أنه من الصعب تحديد حجم اقتصادهم، وذلك لأنه يُعتبر ضمن أسرار الجماعة التي حافظت عليها لعقود.
تداعيات أزمات رأس المال المُعولم على اقتصاد جماعة الإخوان
لا شك في أن هناك تداعيات لأزمات رأس المال المُعولم على اقتصاد جماعة الإخوان بحكم ما تمتلكه من مؤسسات وشركات مندمجة في الاقتصاد العالمي، وبرغم أن الإخوان قد استفادوا مما أتاحته العولمة من حرية لتدفق الأموال من خلال شركات الأوف شور، إلا أنها تتأثر بتداعيات الأزمات المالية والاقتصادية التي ترتبط بشكل وثيق برأس المال المُعولم.
وبحُكم أن الاقتصاد الإخواني جزء من الاقتصاد المُعولم، فلم يكن بمأمن من أزمات رأس المال المُعولم، وهذا ما يمكن تتبعه من خلال تسجيل المؤسسات الاقتصادية والمالية للإخوان لخسائر مالية عشية اندلاع الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، وأهمها الأزمة المالية لدول جنوب شرق آسيا عام 1997 والأزمة المالية العالمية عام 2008.
تأثر بنك التقوى الإخواني سلبًا بتداعيات الأزمة المالية لدول جنوب شرق آسيا في عامي 1997 و1998 حيث قام المودعون بسحب ودائع بقيمة 140 مليون دولار.
وفي سبتمبر 1989 خسرت شركة الريان لتوظيف الأموال الإسلامية 200 مليون دولار في مضاربات الفضة في بورصة لندن
وأثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008 تعرضت المصارف الإسلامية لخسائر مالية أكبر من خسائر البنوك التقليدية؛ وذلك بسبب تداعيات الأزمة المالية التي انتقلت إلى قطاعات الاقتصاد الحقيقي، كما عانت المصارف الإسلامية من الضعف في إدارة المخاطر وانخفاض كبير في الربحية التجارية، ومن أسباب ذلك تركيزها على صيغة التمويل بالمرابحة، وبرغم تحقيقها للأهداف التمويلية إلا أنها لم تنجح في تحقيق الأهداف التنموية.
وبهذا المعنى، فإن الاقتصاد الإخواني يُعتبر وجهًا آخر لليبرالية المتوحشة، ولا يمكن أن يعمل بمعزل عن خدمة الإمبريالية العالمية كأعلى مراحل النظام الاقتصادي الرأسمالي29، كما يعتبر الاقتصاد الإخواني نموذجًا لاقتصاد السوق النيو ليبرالي، وبسبب النهج الاقتصادي الذي ينتهجه الإخوان فقد حصلوا على دعم استراتيجي من الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك أسباب لتأثر الاقتصاد الإخواني بأزمات رأس المال المُعولم، ويمكن إبراز أهمها كما يلي:
الارتباط العضوي لاحتياطي المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بالعملات المتعولمة كالدولار واليورو، إضافة إلى تركز الإيداع بتلك العملات، وتركز أنشطتها في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وهي الدول الأكثر عرضة للأزمات بفعل العولمة، وامتلاكهم مكامن الهشاشة وسرعة العدوى من الأزمات المالية والاقتصادية. تركيز المؤسسات المالية الإخوانية، وتحديدًا المصارف الإسلامية، على نشاط صرافة العملات الأجنبية، ولأن أغلب الأزمات سببها نقدي ومالي فقد تعرضت تلك المصارف للأزمة، وذلك لتراجع صرف العملات بسبب الابتعاد عن الإنتاج
إن أغلب الاستثمارات موجهة نحو البورصة العالمية مقارنة بجزء هامشي موجّه لقطاعات الإنتاج الحقيقي33، كما أن العولمة المالية وما نجم عنها من انفتاح مالي عالمي قد شكلت تهديدًا للمصارف الإسلامية في الدول العربية والإسلامية، وذلك من خلال انتقال رؤوس الأموال من داخل الدول إلى الخارج، وهذا أضعف هياكل الاقتصاد لتلك الدول وجعلها تواجه صعوبات تمويلية واللجوء إلى الاقتراض من المنظمات الدولية لتلبية احتياجاتها.
عدم قدرة المصارف الإسلامية على تجاوز التداعيات الاقتصادية السلبية للعولمة، ومنها كبح جماح تنافسية تلك المصارف مقارنة بالبنوك التقليدية، ونجم عن ذلك تسرب الودائع وانتقالها بسهولة إلى كل من الأسواق المالية العالمية والبنوك التقليدية الدولية.
مستقبل اقتصاد جماعة الإخوان في ضوء الأزمات التي يمر بها الاقتصاد العالمي
برغم ما يمر به الاقتصاد العالمي من أزمات وتحديات، إلا أن الاقتصاد الإخواني لا يمكن أن ينهار بشكل كامل بسبب ما يمتلكه من مكامن قوة من حيث البناء الاقتصادي وتعدد مصادر التمويل والاستثمارات المتعددة ومنها تلك التي تعمل بعيدًا عن الرقابة كشركات الأوف شور. ووفقًا للخبراء فإن ما يظهر من ثروات وأموال للإخوان المسلمين لا يزيد على كونه الجزء الظاهر من جبل الثلج يختفي معظمه تحت الماء.
وبرغم أن الاقتصاد الإخواني قد تأثر بأزمات الاقتصاد العالمي، إلا أن استمراره أمر وارد، لكنه سيتعرض للمزيد من الأزمات وبشكل دوري، شأنه في ذلك شأن النظام الاقتصادي العالمي، الذي يحمل في ثناياه ديناميات الأزمة، وذلك بفعل الطابع الطفيلي للاقتصاد الإخوان.
حيث يُعتبر تنامي النشاط الطفيلي سببًا في مأساة ومأزق الرأسمالية الراهنة، حيث أدى تحول الرأسمالية المنتجة إلى الرأسمالية الطفيلية إلى تراجع حاد في الإنتاجين الزراعي والصناعي مقابل نمو مذهل للاستثمارات في الاقتصاد الافتراضي والذي نجم عنه تراكم المضار والأوهام.
الخاتمة
في ضوء ما يُعانيه الاقتصاد العالمي من أزمات، لم يكن الاقتصاد الإخواني برغم موارده المالية المتعددة محصنًا من التأثر بتلك الأزمات. ومع ذلك، لا يمكن الحديث عن إمكانية انهيار كامل للاقتصاد الإخواني بسبب قدرته على الاستفادة من العولمة المالية واستخدام التقنيات الحديثة في جمع التبرعات المالية واستثمار الأموال.
وفي سياق آخر، يمكن أن يتعرض الاقتصاد الإخواني لمزيد من التراجع؛ بسبب دورية الأزمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي. وعليه، فإن أبرز أسباب تأثر الاقتصاد الإخواني بأزمات رأس المال المُعولم تتمثل في طغيان الثروة على العمل، والريع على الإنتاج.