أن “القضية السكانية من الملفات المهمة التي ستستكمل اللجنة مناقشتها خلال دور الانعقاد الحالي”، وأظهرت السلطات المصرية حزْماً واضحاً، إزاء مواجهة الزيادة السكانية المتنامية، باعتبارها خطرا متصاعدا بات يهدد بالتهام كل معدلات النمو، في أكبر بلدان العالم العربي من حيث عدد السكان.
النمو السكاني السريع غير المنتظم أصبح سمة العصر الحالي وزيادة السكان هذه مرتبطة بازدياد الحاجة الي الغذاء والخدمات العامة على شتى الصعد بدءاً من حاجة أكبر للمياه النقية وانتهاء بالسكن الصحي وما يرافقه.. أما عن سورية وعدد سكانها فقد تضاعف هذا العدد/ 4/ مرات خلال الأربعين عاما الماضية وهو أمر طبيعي..
لكن اذا قارنا ذلك مع دول أخرى صناعية فنجد أن الأمر مختلف و غير طبيعي أيضا فهذه الدول تحتاج لأكثر من 200 عام لكي يتضاعف عدد سكانها مرة واحدة فقط.. وهذه الظاهرة بالذات أخذت تشكل ضعفا على خطط التنمية والتقدم الاجتماعي..
النمو السكاني في البلدان النامية مسؤول عن قلة الغذاء وزيادة الاستهلاك وظهور التجمعات السكانية غير المنظمة في المدن الكبرى وافتقارها الي الخدمات الصحية والمياه النقية والصرف الصحي والطرق وشروط السكن الصحي الأمر الذي انعكس سلبا على الواقع البيئي والاجتماعي والصحي.. وتشير الدراسات الي وجود علاقة عكسية بين زيادة السكان وصحة الفرد.. وأكدت دراسات الباحثين في هذا المجال أنه كلما ازداد عدد السكان تزداد الحاجة الي الطلب على المياه المستهلكة فتزداد المياه العادمة ويزداد التلوث وفي مجتمعنا لا نراعي ذلك فنتيجة لازدياد عدد السكان في سورية انخفضت حصة الفرد من المياه.
ولنأخذ مثالا على أسرة مكونة من أب وأم وولدين ستكون حصة الفرد في هذه الأسرة معتدلة أما اذا أصبحت ضعف العدد فستقل هذه الحصة الي النصف وستتحمل الأسرة أعباء إضافية أكبر..
إذن كي نحافظ على وطننا وعلى الأسرة والمجتمع والبيئة المحيطة يجب أن يؤدي كل فرد في المجتمع دوره كاملا سواء كان مسؤولا أم مواطنا عاديا لأن الجميع مسؤول عن تقدم وتطوير المجتمع والمساهمة في رفع شأن البلاد خاصة أننا نعيش عصر التحديات
ولأجل ذلك ينبغي تجاوز السلبيات وتحقيق الأحلام والطموحات والعمل الجاد للتطوير والاهتمام بالصحة الإنجابية وتوعية الأمهات بكل الأمور المتعلقة بازدياد عدد السكان وكيف تنعكس آثارها السلبية على البيئة والمجتمع ..
تشكل المسألة السكانية في الوقت الراهن تحديا للدول على اختلاف أنظمتها سواء للمتقدمة أو النامية, فثمة حقائق دامغة وفي الوقت نفسه مذهلة لا يمكن تجاهلها عن المشكلة السكانية عي عالم اليوم, ولكي ندرك مشروعية هذا الاهتمام وخطورة الوضع يكفي أن نشير أن سكان العالم بل عند أية الستينات من هذا القرن 3 مليار نسمة
ويصل عام 1999 ستة مليارات. فالزيادة في فترة الأربعين سنة الماضية تساوي الزيادة الكلية عبر ملايين السنيين, وأن نساء العالم ينجő كل دقيقة 150 طفلا أي 220 ألف طفل في اليوم ما يعادل 80 مليون طفل في العالم, بمنع أبسط أن سكان العالم يتزايدون بمقدار ثلاثة أطفال في الثانية, وتأسيسا على هذه الزيادة من المتوقع أن يصل تعداد سكان العالم إلى 8 مليارات سنة .2020 إن الزيادة السكانية الحالية والمتوقعة مستقبلا على الصعيد العالمي تبرز مشكلتها في تركيز هذه الزيادة في الدول النامية إذ من أصل 10 أطفال جدد تقدم هذه الدول 9 منهم, لتهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدول, لهذا شغلت المسألة السكانية اهتمام المفكرين على مر العصور, لا سيما الحديث منها على كافة المستويات, لتحتل مكانة مرموقة من الناحية النظرية وأحسن دليل لذلك تجاوزها الحدود الإقليمية إلى العالمية,
أصبحت تفرض على أجماع الدولي مجابهة أثارها ومحاولة التصدي لها, لتعقد عدة مؤتمرات دولية كان أخرها مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية في سبتمبر .1994 بيدا أن إذ أمعنا النظر في ملامح الصورة الراهنة لسكان الوطن العربي فسوف تنكشف لنا سريعا تلك الضلالة القائمة التي يتم في طياهتا هذا لنمو السكاني لمتزايد والملاحǚ, إذ انتقل من 140 مليون نسمة عام 1975 إلى حوالي 270 مليون نسمة عام 1998 بنسبة تقدر بحوالي %93 خلال 23 سنة, ليصل حسب آخر إحصاء إلى 288 مليون نسمة عام ,2001 ومن المتوقع بلوغه حوالي 449 مليون نسمة سنة ,2020 ليفضي هذا التزايد إلى تحديات كبرى على الموارد والبيئة والسياسات التنموية اللازمة للوفاء باحتياجات السكان
من عمل, تعليم, صحة وغذاء, هذه الاحتياجات التي تستوجب على الدول العربية بذل جهود وحشد إمكانيات لإرساء مقومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, لتتشابك أبعاد هذه التحولات و الحركة السكانية وترتبط ارتباط وثيقا بقضايا التنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي, فلا يستحق أي عمل إسم التنمية إن لم يكن لخدمة السكان ورفاهيتهم باعتبارهم هدف ووسيلة لها, إذ يعد السكان العامل الحاسم والدافع لعملية التنمية لتبرز معالم العلاقة الجدلية والمعقدة بين النمو السكاني والتنمية.
وعلى غرار الوطن العربي لم تنج الجزائر من هذه المشكلة التي تنامت وازدادت حدتها وألقت بأعبائها الثقيلة على مسارها التنموي وما ترتب عنها من وطأ المشكلة الغذائية والإسكانية والتعليمية والبيئية وهي التي كانت تستهدف إرساء مقومات التنمية لتعرف الإخفاق في أهدافها لتتزامن و النمو الديمغرافي السريع الذي عرفته الجزائر وفشل التنمية هبا ونتيجة تعقد الظاهرة وتناميها وارتباطها الوثيق بالتنمية تطلب منا وقفة تحليلية وتفسيرية من أجل الوقوف على انعكاسات هذه الظاهرة على التنمية ومن أجل الإلمام بالموضوع من أهم الظواهر السلبية التي نتجت عن الزيادة السكانية الكبيرة في العديد من الدول العربية أن تزايدت أعداد المهاجرين من الريف إلى المدينة، وبذلك نضب معين القوى البشرية القادرة على العمل في قطاع الزراعة. ولذلك تعطلت فرص زيادة الإنتاج الزراعي في الوقت الذي تزيد فيه الأفواه الباحثة عن الطعام. وقد أدى التراجع في الإنتاج الزراعي إلى زيادة الاعتماد على استيراد السلع الغذائية من الخارج.. واستنادا إلى التقرير الاقتصادي العري الموحد لعام 1992 فإن قيمة واردات السلع الغذائية عام 1990 قد بلغت 18 بليون دينار تمثل الحبوب منها نسبة 35 في المائة، وتأتي الألبان في المركز الثاني، والخضر والفواكه في المركز الثالث، والسكر في المرتبة الرابعة وبعد ذلك تأتي الزيوت النباتية والحيوانية، واللحوم، والشاي والقهوة وغيرها.. و لا شك أن قيمة وكمية المستوردات من السلع الغذائية كان يمكن أن تنخفض لو بذلت جهود كبيرة في الإنتاج الزراعي.. ومما يفاقم من الأزمة أن الأعداد الكبيرة المهاجرة إلى المدن تزيد من أعداد المستهلكين لهذه المواد الغذائية دون أن يساهموا في إحلال بدائل للمستوردات.
هناك اعتبارات تراثية وقيمية في الوطن العربي تحبذ زيادة الأولاد وتسلم بأن رزقهم يأتي معهم، ولذلك حارب أصحاب هذه المعتقدات والقيم كل محاولات وإجراءات تحديد النسل في أكثر من دولة عربية. إلا أن التطورات في العالم وزيادة اهتمام منظمات الأمم المتحدة دفعت العديد من علماء الدين إلى تبني مفاهيم عصرية ووافق- الكثير منهم على الترخيص لتنظيم الأسرة، وأن عارض هؤلاء عمليات الإجهاض المقصودة.. وحتى في الإجهاض فإن هناك بعض الفقهاء الذين يوافقون على القيام به في حالة تعرض الأم الحامل لأخطار تهدد حياتها نتيجة لذلك الحمل. لكن التخلف الاجتماعي وقصور التحصيل التعليمي مازالا يهددان برامج تنظيم الأسرة في العديد من الدول العربية، بل أبعد من ذلك أن هناك المتعلمين والذين حصلوا على شهادات جامعية عليا ممن يعتقدون بضرورة إنجاب أعداد كبيرة من الأبناء، وخصوصا في الدول الخليجية التي تتمتع بمستويات معيشية مناسبة. لكن هؤلاء لا يأخذون بعين الاعتبار أن مقياس القوة والمنعة ليس في الأعداد ولكن في كفاءة الأجيال الجديدة وقدرتها على تحصيل العلم والمعرفة ومواكبة الحياة العصرية.. وقد لا يقتنع الكثيرون بأن زيادة الإنجاب في الدول الخليجية من أهم عناصر اختلالات التركيبة السكانية في هذه البلدان نظرا لتنامي احتياجات الخدمات التي تزداد بازدياد أعداد المواليد، مما يؤدي إلى الطلب على العمالة الوافدة، لكن هذه الحقيقة المرة مثبتة إحصائيا وعلميا..
مما يساهم في تزايد أعداد البشر في الدول العربية ظاهرة الزواج المبكر، حيث تحرص العائلات وتضغط المجتمعات التقليدية على زواج الأبناء وهم في أعمار قد لا تؤهل لإدارة حياة زوجية معقولة، ويندفع هؤلاء الأزواج الصغار إلى إنجاب أطفال وهم في أعمار لا تمكنهم من تربية الأبناء بطريقة تفيدهم وتفيد مجتمعاتهم وأوطانهم.. ومن الطبيعي أن هذه الظاهرة آخذة في التراجع خصوصا في المجتمعات المدنية، وفي البلدان العربية أكثر تطورا والتي ترتفع فيها أعداد المؤهلين تعليميا. كذلك فإن تراجع مستويات المعيشة في مجتمعات المدن وبين السكان المتعلمين وتقلص فرص العمل دفعت الكثير من الشباب إلى العزوف عن الزواج. هناك عوامل أخرى تدفع إلى تأخير سن الزواج في بعض الدول العربية مثل ارتفاع قيمة المهور، والشره الاستهلاكي الذي يضغط على الراغبين في الزواج ويحطم إمكاناتهم المالية.. ويعجز الكثير من الذين يدخلون سوق العمل عن تحقيق طموحات تكوين أسر بسبب الضغوطات الاقتصادية، فهم لا يملكون ما يكفي لاقتناء أو استئجار سكن مناسب. وعلى الرغم من أن هذه العوامل تعطل الزواج ثم الإنجاب، إلا أنها لا تمنع الجميع- هـان كانت إمكانات الغالبية متواضعة- من الزواج. هناك من يتزوج وهو في حالة معيشية صعبة ويعيش عالة على أسرته وأبويه، وبعد أن ينجب يضغط على إمكاناته وإمكانات أسرته، وأهم من ذلك إمكانات المجتمع. بيد أنه يمكن القول إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة سوف تنعكس على معدلات الإنجاب ومن ثم ينجم عن ذلك تراجع في معدلات النمو الطبيعية في العديد من الدول العربية.