أصبح الفضاء الإلكتروني هو الحل وهو المشكلة أيضا وكذلك صار الوسيلة كما صار الخطر.
من هنا أصبح الإفادة منه على قدر ما يملكه الإنسان من قدراتعلى أعلى المستوىات فريضة حضارية تمليها حاجة الوقت والزمن لمن أراد ألا يتخلف عن الآخرين، ولمن أراد أن يختصر الوقت ويتجاوز المكان فيصل إلى كل متر من المعمورة في لحظة واحدة بعد أو قرب، ويسرع في الحركة سرعة كان لا يتخيلها أكثرأجدادنا خيالا ويتجاوز القدرات البشرية فيصل إلى كل البشر بدون جهد وقبل أن يرتد إليه طرفه ينشر أفكاره أو يروج سلعًا ،أويجمل قبيحًا أو يقبح جميلًا .
في المقابل تتفتح على مستخدم الفضاء الاليكتروني من الأخطار مالا يتخيله بشر أيضا، بل لم يتخيله أولئك الذين يبتكرون من الأدوات الجديدة في صناعة الحياة وفي تحدي للعقل البشري نفسه ما قد يجلبه ما فعلوه من مخاطر وكأننا بـ نوبل الذي اكتشف انشطار الذرة لكي يفتت الجبال لتشق الطرق ويستخدمها البشر فيما ينفع ولا يضر لكنهم قتلوا بها البشر ودمروا المدن وشوهوا الأجنة وافسدوا البيئة ونشروا الخوف ودفعوا البشرية إلى صراع تسليح ما زالت اخطاره قائمة يترقبها الناس بين لحظة وضحاها فضلا عن الاتفاقات الباهظة في صراع التسليح ،وهو أمر عندما بدأ يستشعره نوبل رصد جائزة كبيرة لمن يقدم للبشرية عملا ينفعها وكأنه يعتذر عما سببه من أخطار.
وها هو جيفري هينتون الأب الروحي للذكاء الإصطناعي يستقيل من عمله الذي يدر عليه أموالا طائله من جوجل بعد أن شعر بما يمكن أن يجلبه الذكاء الاصطناعي من أخطار على البشرية إذا ما أسييء استخدامه وصرح بأنه استقال حتى يستطيع أن يحدث الناس بخطر الذكاء الاصطناعي دون أن يكون لعمله في جوجل تأثير عليه وقال إن عزاءه الوحيد هو أنه لو لم يقم بما قام به من تطوير للذكاء الاصطناعي فإن أحدا غيره كان سيقوم بما قام به ،كأنه يقول إن الذكاء الاصطناعي كان قادمًا في كل الاحوال .
ذلك لأن جيفري لم يكن يتصور تداعيات ما أحدثه من تطورات من شأنه أن تدمر نظام العالم الإداري والقيمي وتخلط الأشياء ،وتجعل الذي كان صدقًا كذبا ،بل تسطيع أن تقوّل الإنسان ما يقله بالصوت والصورة لمجرد أن يقوم فرد ما بتسجيل نبرة صوت أحدهم، فيقوم بعدها بصناعة فيديوا له يعترف فيه بصوته وصورته بما لم يفعل ويوقع فيه على أوراق لها أثارها الوخيمة على الآخرين فينقل إلى من لا يملكون ممتلكات من يملكون إلى آخر ما يمكن أن يفسد حال الناس ونظامهن الاجتماعي والقانوني والاقتصادي ومن ذلك ما حدث من تصوير فيديو لأحد رؤساء الدول التي تواجه بلاده حربا مع دولة أخري وهو يلقي خطابا يعلن فيه هزيمة بلاده ويطالب القادة في الميدان بالانسحاب وهو مالم يحدث في الواقع . فالأمر جلل على قدر ما يمكن الإفادة بإيجابيات هذه التقنية .
ولأن الذكاء الاصطناعي طفرة كبيرة داخل طفرة كبيرة وهي الفضاء الاليكتروني لذا فإنه في حاجة كبيرة إلى تشريعات قانونية واجتهادات فقهية متطورة تناسب هذه الطفرة من شأنها أن تغير في كثير من الرؤى والقواعد الفقهية التي وضعت لظروف زمانها مراعية تقنيات هذا الزمن فتعطي من الآراء الفقهية في القضايا بما يناسب هذه التقنيات. بل إن الدعوة إلى قيم الدين سيتغير فيها الكثير من الأساليب التي تتخذ ما استجد من تقنيات آليه للوصول إلى الناس بل يصبح تشويه القيم العليا لدين ما من الصعوبة بمكان بالوسائل القديمة ويصبح الابتكار فيها موضوعا للعمل في مقابل سهولة وصول الداعية إلى من شاء من البشر وسهولة وصول الباحث عن الحقيقة إلى من عنده علم بها أيا كان مكانه
من هنا كانت فكرة المؤتمر الدولي الرابع والثلاثون للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية” الفضاء الاليكتروني والوسائل العصرية للخطاب الديني..بين الاستخدام الرشيد والخروج عن الجادة” الذي يناقش ٣٠ بحثًا تتناول ٦ محاور منها الفضاء الاليكتروني ضرورة العصر والوسائل غير التقليدية وأثرها في تناول الخطاب الديني ،والفتوى الأليكترونية ،والتدريس والتحفيز عن بعد ،والاستخدام غير الرشيد للفضاء الاليكتروني وتصحيح المسار ،والاستخدام غير الرشيد للوسائل العصرية في المجال الدعوي وتصحيح المسار.
ويصبح السؤال المهم هل يمكن للقيم الأخلاقية أو مطالبات عقلاء العالم وقف طوفان الذكاء الإصطانعي .