اضطرتنى الظروف كثيراً قبل ذلك للعمل ككمسارى عندما يكلفنى سائق المينى باص أحياناً لقطع التذاكر للركاب حيث لا يوجد كمسارية على خطوط الميكروباص ،لكنى فى هذه المرة لم أعمل كمسارياً بل تسلمت قيادة المينى باص من السائق الذى استأذن ليشترى حلاوة المولد.
الحكاية بدأت عندما ركبت المينى باص من ميدان عبد المنعم رياض متجها لمدينة نصر. وبعد مرور ربع ساعة تقريبا من التحرك استغرقت فى النوم ثم أفقت عندما ركن السائق على جانب الطريق وسمعته يقول موجها كلامه للجميع: لامؤاخذة يا بهوات خمس دقايق بس أجيب علبة على السريع للعيال، لو حد عايز حاجة يتفضل ينزل يجيبها أو لو حابب أنا أجيبهاله بنفسى ثم قفز دون أن ينتظر إجابة.
فوجئت بغالبية الناس قد تركوا المينى باص. وبقيت تقريبا لوحدى فى مقعدى حيث قال لى السائق: معلش طالما حضرتك مش نازل خلى بالك من المينى باص. ثم سلمنى المفاتيح قائلا: بتعرف تسوق؟ فأومأت برأسى أن نعم فقال: طب الله لا يسيئك لو أمين شرطة غلس عليك ولا حاجة عشان احنا راكنين فى الممنوع حرك المينى باص أو اعملك لفة ولا لفتين على مانرجعلك. ثم غادر المكان دون أن يدع لى فرصة لأشرح له أننى وإن كنت أجيد القيادة إلا أننى لم يسبق لى قيادة مينى باص ضخم مثل هذا.
نظرت من شباك المينى باص لأستطلع الأمر. كان هناك زحام رهيب أمام محل يبيع حلوى المولد. قلت لنفسى والله الدنيا بخير فمن الواضح أن صاحب المحل الله يعمر بيته قرر توزيع حلوى مجانية علشان خاطر الغلابة. استنكرت بينى وبين نفسى حرص جميع من كانوا معى فى المينى باص على الحصول على الحلوى المجانية، ولو كان هناك مبرر للسائق باعتباره من الطبقة الكادحة فهل كل ركاب المينى باص من نفس الطبقة. رويدا رويدا كان الزحام يزداد أمام المحل وكان شعورى بالوحدة داخل المينى باص أيضاً يزداد. نظرت حولى جيدا فوجدت أنه حتى أمين الشرطة المسئول عن تنظيم المرور فى المنطقة نقل مقر عمله لينظم طوابير المحتشدين أمام محل حلاوة المولد مما شجعنى على غلق باب المينى باص بإحكام وأخذت المفتاح واتجهت صوب المحل أقدم رجل وأؤخر رجل لاستطلع الأمر عن قرب.
تحدثنى نفسى قائلة: ما تدخل يا عم الطابور تجرب أبو بلاش ده مرة ؟ فأرد عليها قائلا: لالا مايصحش ياراجل، انت الحمد لله مش غلبان وتقدر تجيب لعيالك علبة كيلو ولا اتنين من أبو سبعين جنيه الكيلو. وبينما أنا فى هذا الحوار لمحنى بعض الركاب ممكن كانوا يجاوروننى فى المينى باص فأشاروا لى مرحبين وحاولوا إفساح مكان لى فى الطابور. قلت لهم: لالا مستورة الحمد لله أنا أبقى اشترى مش محتاج هدية. فنظر لى أحدهم باستغراب قائلا: هدية إيه يا أستاذ سلامة عقلك إحنا واقفين هنا عشان نشترى!. فقلت مستدركا: قصدى يعنى مش عايز من الحلاوة الرخيصة دى. أنا عامل حسابى السنة دى اشبرق العيال باتنين كيلو من ام سبعين جنيه. فقال آخر وهو يضرب كفا بكف: سبعين جنيه إيه يا حاج ده أقل كيلو هنا بتلتميت ربعميت جنيه ده موسم الحلاوة يا حلاوة. فقلت له:عارف عارف طبعا بس باضحك معاكم ياجماعة فهمس لى أحدهم قائلا: لو مش عامل حسابك أنا ممكن أسلفك وأبقى أديك عنوانى تردهوملى الناس لبعضها ده موسم الحلاوة ياحلاوة.. فشكرت له قائلا: لالا كتر خيرك بس أنا فعلا مش عايز حلاوة فقال آخر: ازاى يعنى مش حاتشترى حلاوة هو انت مش بتحب النبى؟
أيقنت مع هذا السؤال أنه لا جدوى من النقاش فقلت: عليه أفضل الصلاة والسلام بس لأنى أحبه كل يوم وليس فقط يوم مولده فلا تنقطع الحلاوة عن بيتى يوما! وفى هذه اللحظة انطلق آذان العشاء فقلت لهم: طب بينا نصلى فنظروا لى باندهاش وقال أحدهم: وهو معقول يعنى نسيب دورنا فى الطابور ونروح نصلى. لا طبعا وقت العشا ممدود ونبقى نصلى بعدين ده موسم الحلاوة ياحلاوة، أخذت أردد بسرعة: أيوه فعلا الحلاوة أصدق أنباء فى التعبير عن حبنا للرسول ثم إن ده موسم الحلاوة ده موسم الحلاوة ياحلاوة وفى هذه اللحظة استيقظت على صوت السائق يهزنى بشدة وهو يقول: فوق يا استاذ انت بتحلم بالحلاوة ولا إيه؟ عموما إحنا وصلنا لآخر الخط هو حضرتك نازل فين بالظبط؟.شكلك كنت بتآكل حلاوة مع الملايكة يا أستاذ! سألته مندهشاً: هى الملايكة دلوقتى بطلت تأكل رز وبتاكل حلاوة؟ فقال :طبعا يا استاذ مش مولد النبي؟!