وأنت..
ما الذي أفضى بك إلى هاوية الحزن؟!..
كنت متعبا..
من ذلك الانتظار اليائس..
من شوقي المحموم، لاأعرف كيف أعيد قلبي جلمودا لايشعر، وفي انعدام الشعور في بعض الأحيان نجاة..
من رحيل الأسئلة في رأسي بلا توقف، تقطع أشواط الأسى وكأنما تؤدي طوافا، لا قربى، وإنما إمعانا في الكيد واللدد..
من أنصاف الأجوبة المرعبة، التي لاتمنح موتا، ولاتعيد حياة..
كنت متعبا..
من جهالة، تضع روحي بين شقي رحى، تخلط كؤوس الصبر بمرارة الحرمان، وكيف يستقيم أحدهما دون الآخر؟!..
وقد تجرأ التردد في حضرة يقين أبكم، ليقدم أشباه الحلول على أطباق التضحيات..
فما من ضوء يلمع في آخر الزقاق إلا وأمضي إليه على قسوة الشظايا..
كنت متعبا..
من غربة الوجوه..
والأرصفة، والمحطات والقطارات وصافرات الرحيل، وتذاكر الذهاب إلى العدم..
من إشارات المرور التي ليس من بينها ضوء أحمر يقول(قف)، أنت على خطر، لتسمح لك بارتكاب مخالفة مع كل ثانية..
فيقبض عليك متلبسا بالجرم المشهود..
أنك تتنفس..
فقط تتنفس..
أن تقتفي أثر الحياة في جيوب الوهم..
أن تزرع وردة في حقول الملح..
ثم تبتهل، أن يزهر النوار..
كنت متعبا..
من جواز سفر ليس لي..
وهوية تنكرني..
من أوراقٍ ثبوتيةٍ مزورة، تقول أني إنسان، ولم يعلمني ذلك العالم القاسي أن عليَّ كفل من خطيئة آدم..
سأنفق عمري عبثا، دون أن أكفر عنه..
وقد أفعل وأنا على طهارة الظن، فيحبط اليقين أجر كل توقع..
فأمسي وقد قارفت جرم الظن، وجرم الإنفاق سدى..
كنت متعبا..
من ثوب خيالي الواسع، وحقائب وجعي، المملوءة عن آخرها..
وأنا لا كتف لي..
فما ذنب الحصى، إن تعثرت قدمي؟!..
ولا كنف لي..
إلا صدري العاري..
فكيف يلام الرصاص، حين تغويه تلك الغربة التي تسكن ضلوعي..
هيت لك..
هيت لك..
وكيف يهين صبوته، فيترفع، وأنوثتها أكبر من أن تجابه بالرفض..
كنت متعبا..
من حقول فرحي المحترقة، ورماد أمنياتي الذي لم تقبله الريح، ولو على سبيل هدية لا تسترد..
من غرابة الملامح، وكأني جئت من عالم بعيد، ينكر ما أرى وهو يراه، ولا أعرف، هل عن عمى يفعل، أم أني أرى أكثر مما يلزم..
من تلاشي الأشياء حولي، لأصبح وحيدا رغم الضجيج اللا متناهي بداخلي..
كنت مرهقا، من عزوف المطر..
ومن طول صبر النوافذ حين تسأل يأسا..
(متى تنفد خزائن الغياب)؟!..
وهي لاتعلم أن الريح غيرت وجهتها هذه المرة، وحملت معها ترابا قد تنمو بين خلاياه الأحلام..
كنت بائسا يا سيدي، لايعرف كيف يستلب من الحياة ما يستحق، ولايستحق ما ترميه به من فواجع..
كنت أحمل البياض في كفي، في عالم لايؤمن بالضوء..
كنت تائها جدا، لاأعرف كيف أصل إلى نهاية الدرب..
أو كيف أعود أدراجي إلى طفولة حلمي الذي شاخ ولم يولد..
تذوب الحدود، وتنتهي الفواصل، وتختفي بقايا النقاط..
وتتلاشى كل المسافات..
وينطفئ ذلك الشيء الجميل الذي كان بداخلي..
ولكن ذلك الحزن، أبدا..
لاينتهي..
حتى وإن عبر الجمل من سم الخياط..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..