وكيل الأزهر يشارك بملتقى الشباب الثامن للندوة العالمية للشباب الإسلامي
وكيل الأزهر: من مظاهر التحضر والرقي لدى الأمم أن تعنى بالشباب
وكيل الأزهر: الإسلام عني بالشباب عناية تامة فأعلى من قيمتهم
وكيل الأزهر: النبي محمد جعل أركان الدولة قائمة على أكتاف الشباب وجهودهم
وكيل الأزهر: نحمد لقياداتنا الواعية ومؤسساتنا الوطنية سعيهم لتمكين الشباب واستثمار طاقاتهم
وكيل الأزهر: المسؤولية الاجتماعية مفهوم أصيل في الإسلام سبق الأفكار والنظم المعاصرة
وكيل الأزهر: قيام المسلمين بأداء المسئولية المجتمعية ليس تقليدا لنظم وافدة.. بل نوع من العبادة الواجبة
كتب – د. عبد العزيز السيد
قال فضيلة أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، إنه إذا كان لكل أمة ثروة تعتز بها، ورصيد تدخره لمستقبلها وقوة تبني عليها مجدها ونهضتها، فإن في مقدمة هذه الثروة الشباب الذي يعد الدعامة الأساسية في المجتمع، والثروة الحية الحقيقية فيه، والأمل المرتجى على الدوام، وإن من مظاهر التحضر والرقي لدى الأمم أن تعنى بالشباب، وأن تهيئ لهم ما يجعلهم رجالا أكفاء أقوياء تقوم الأوطان على سواعدهم.
وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بالملتقى الدولي الثامن للشباب، للندوة العالمية للشباب الإسلامي، والذي جاء تحت عنوان” الشباب والمسؤولية المجتمعية”، أن الله أثنى على أهل الإيمان الذين أووا إلى الكهف فذكر أول صفاتهم أنهم شباب، قال الله تعالى: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}، وكان النبي ﷺ محاطا بشباب الصحابة الذين نقلوا نور الوحي إلى الدنيا، وكثيرا ما كان صلى الله عليه وسلم يكلفهم للقيام بعدد من المهام الجسام؛ فكان الصحابي الجليل مصعب بن عمير أول سفير للإسلام في المدينة يعلم أهلها، وكان الصحابي الجليل أسامة بن زيد قائد جيش، ولم يتجاوز عمره ثمانية عشر عاما، رضي الله عن الصحابة أجمعين.
وأردف الدكتور الضويني أن الإسلام عني بالشباب عناية تامة فأعلى من قيمتهم، وزكى نفوسهم، ووجه قلوبهم وأفكارهم ومشاعرهم، وراعى طاقاتهم، ووضع السبل التي تعينهم على تسخير تلك الطاقة في الخير والمعروف، وبما يعود عليهم بالفائدة في أنفسهم وأوطانهم، وبما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وهذا ما قدمه الإسلام ورسول الإسلام حين جعل أركان الدولة قائمة على أكتاف الشباب وجهودهم، علماء ودعاة وأمراء وقادة، ممن تنطق كتب التاريخ بآثارهم.
وتابع فضيلته أنه إذا تحدثنا عن منهج النبوة في توجيه طاقات الشباب؛ فإننا نحمد لقياداتنا الواعية ومؤسساتنا الوطنية أنها تدرك أهمية هذه المرحلة، وأنها تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتمكين الشباب واستثمار طاقاتهم، وحينما نتكلم عن الشباب والمسؤولية المجتمعية فنحن بهذا نأخذ بأيديهم إلى الطريق الصحيح، الطريق الذي ينبي في نفوسهم حب الوطن والناس والحياة.
وبيّن وكيل الأزهر أن المسئولية التزام أخلاقي يبدأ بالوعي بأن يعرف الإنسان دوره وما هو مطلوب منه فيلزم به نفسه أولا، ويكتمل بالسعي فيفي بعد ذلك بالتزامه، فهي قيمة يحتاج الناس إليها دائما، ولولاها لعاش الناس في فوضى تدمر ما حولها، وإن هذه المسؤولية – وإن كانت ملقاة على عاتق كل فرد – فهي منوطة بالشباب بالدرجة الأولى؛ لأنهم قاطرة عمليات التغيير في المجتمعات، وفي عزلتهم تراجع الأمة وضعفها، ونحن عندما نقول “شخص مسؤول” نعني بذلك مسؤوليته ذات الأبعاد المختلفة المتصلة به وببيئته وبمجتمعه ثم بأمته.
وأكد الدكتور الضويني أنه إذا استقر الإحساس بالمسئولية في قلب الإنسان انبثق من هذا المعنى شعور عميق بعظم ما يتحمله ويؤديه، فيسعى جاهدا للقيام بما تفرضه المسئولية من أعمال على أكمل وجه بما لديه من استعداد فطري، ولقد خلد القرآن هذه النماذج المبادرة التي أحست بواقعها وفهمت الواجب فيه، ولم تتأخر عنه، فهذا رجل يذكره القرآن فيقول: ﴿وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين﴾، وأكاد أشعر أن كلمة «يسعى» تحمل معها معاني كثيرة من بذل هذا الرجل المسئول جهده لحماية قومه من الهلاك، وحرصه على نجاتهم، وحبه للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والخير، ولا أتصور أن تكون الشخصية المؤمنة إلا على هذه الصورة من المسئولية والإيجابية التي تسعى بالرحمة والإشفاق وإرادة الخير للناس.
وأوضح وكيل الأزهر أن مفهوم المسئولية المجتمعية وإن بدا معاصرا فإن أصوله في الإسلام، وذلك واضح من خلال قراءة عطاء الإسلام قراءة معاصرة، والذي ينبغي أن يُعرف هو أن المسؤولية الاجتماعية مفهوم أصيل في الإسلام، سبق الإسلام بها الأفكار والنظم المعاصرة، وهي واجب ديني، وضرورة حياتية، لا تستغني عنه المجتمعات، وأن قيام المسلمين بأداء هذه المسئولية المجتمعية ليس تقليدا لنظم وافدة أو تنفيذا لاتفاق عالمي أو دعوات من فلسفات مستوردة، بل هو نوع من العبادة الواجبة، فالله عز وجل هو الذي أمر بالسعي في الأرض بالمعروف والخير، ورسول الله ﷺ هو الذي نقل أوامر الوحي إلى سلوك عملي حياتي.
وأضاف فضيلته أنه ليس من المبالغة قول أن المسئولية المجتمعية في الإسلام أكثر تميزا وتفردا؛ وذلك لأن القيام بالمسؤولية الاجتماعية وما تفرضه من أعمال إنما هو محاولة لعلاج فشل الفلسفة المادية والرأسمالية التي سادت في كثير من البلاد، وسكنت كثيرا من العقول، والتي لم تستطع تحقيق العدالة الاجتماعية، ثم إن الشركات والهيئات والمنظمات حين تتبنى المسئولية المجتمعية فإنما تسعى إلى تأكيد وجودها في سوق المادة، وتحقيق الأرباح، وإثبات المصداقية والموثوقية في أعمالها، فالباعث على المسئولية المجتمعية باعث مادي بحت.
وتابع الدكتور الضويني أنه في المنظور الشرعي، فالباعث على القيام بما تفرضه المسئولية المجتمعية من أعمال هو روحي مستقى من أنوار الوحي، فالتكليف الشرعي الرباني هو الذي يوجه الإنسان إلى القيام بهذه المهام، فيباشرها الإنسان استجابة لأمر الله وطلبا للثواب، ومن تأمل شريعة الإسلام وجد أن بعض أعمال المسئولية المجتمعية قد أعلت من مكانتها أوامر الشريعة فجاءت في رتبة الفريضة، وإذن فليست المسئولية المجتمعية مستحدثة كما في الأنظمة الوضعية، وإن كان هذا لا يعيبها، ولكن مبادئ المسؤولية الاجتماعية متأصلة في الإسلام من خلال آيات قرآنية و أحاديث شريفة و قواعد فقهية.
وشدد وكيل الأزهر أن المسئولية المجتمعية لا تتوقف عند صورة واحدة من صور العطاء والنفع، وإنما تتعدى العمل الخيري والتطوعي أو الهبات المالية إلى بناء المساجد والمراكز التعليمية والصحة وكفالة الأيتام والأرامل ورعاية المسنين، والحفاظ على حقوق الأجراء، وكذلك حماية الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة من مختلف أشكال الفساد، والمشاركة في التنمية الاجتماعية و الاقتصادية، كما أن المسئولية المجتمعية في الإسلام لا تتوقف عند الناحية المادية فحسب، فتعمل على توفير السلع أو الخدمات أو الأموال، ولكن تتسم المسئولية المجتمعية في الإسلام بنظرة شمولية فتشمل إلى جانب النواحي المادية النواحي الأدبية والروحية والعاطفية والعقائدية من حب و تعاطف و أمر بالمعروف و نهي عن المنكر.
وبيّن فضيلته أن المتأمل لأحاديث سيدنا رسول الله ﷺ يجد أنها أصلت للمسؤولية المجتمعية، فقوله ﷺ: «مثل القائم في حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا»، يفهم منه ضرورة أن يأخذ بعضنا بيد بعض، وألا نترك من يفسد في المجتمع دون توجيه ونصح، وتأملوا قول سيدنا رسول الله ﷺ: «وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ففيه تربية للناس بعدم إقصاء المخطئ، والتعاون على المعروف، وضرورة أن يهتم بعضنا ببعض؛ سواء أكان هذا على محيط الأفراد أو المجتمعات، وهذا لا يتحصل إلا إذا تحقق كل فرد من أفراد المجتمع بالمسؤولية التي حث عليها الحديث الشريف.
وأوضح وكيل الأزهر أن المسؤولية الاجتماعية من المنظور الإسلامي أكثر عمقا؛ وذلك لأنها لم تهمل أي فرد من أفراد المجتمع، بل تنظر الشريعة إلى أفراد المجتمع كلهم على أنهم مسئولون، وتأملوا كيف أعلن ذلك في صراحة ووضوح رسول الله ﷺ حين قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..» إنه ﷺ لم يكتف باللفظ الدال على العموم، وهو قوله «كلكم»، وإنما ضم إليه نماذج من الحياة على تفاوت بينها، ولو أنه وقف عند الأغنياء أو أصحاب القرار لكان مقبولا أيضا، ولكنه لم يرض إلا أن يجعل الرجل مسئولا والمرأة مسئولة، وحتى الخادم جعله مسئولا، فسبحان من علمه، وإذا كان المجتمع كله مسئولا فإن الشباب وهم أصحاب القوة البدنية والعقلية والصحية أكثر مسئولية من غيرهم.
وشدد الدكتور الضويني أن بث روح المسؤولية المجتمعية لدى الشباب يحتاج منا إلى وضع أرضية صلبة بيننا وبينهم أساسها الثقة والمحبة والمشاركة، وأن ننمي فيهم روح حب الوطن؛ لأجل أن يتفهم الشباب المجتمع من حولهم ويتعرفوا على عاداته وتقاليده واتجاهات التفكير فيه، وآمال الناس وطموحاتهم، مع بث روح العمل العام فيهم، وإدراكه مدى أهمية هذا الدور، ويجب علينا أن نصدر لهم القدوة الصالحة من المعلمين والمعلمات، وأن نفعل قنوات التواصل معهم، وأن نعلمهم معنى القدوة الحسنة، التي تجمع بين العلم والأخلاق، وهذا ركن ركين في بث روح المسؤولية المجتمعية، فمنه يتعلم الشباب حقيقة المسؤولية، وأنه راع ومسؤول عن رعيته.
وأكد وكيل الأزهر أنه يجب علينا أيضا أن ننشر برامج التوعية الأسرية التي توعي الآباء بدورهم الحقيقي، فالأسرة هي المكان الأول الذي يتعلم فيه الشخص القيم والمبادئ والمهارات اللازمة لتحمل المسؤولية، وفي هذه البرامج نعلم الآباء تعزيز الإيجابية في نفوس أبنائهم وتحميلهم المسؤولية منذ الصغر، فالتعليم في الصغر كالنقش في الحجر، وإن الواجب على مؤسسات المجتمع أن تربي أجيال الشباب على تحمل مسؤولياته، وأن تعزز ثقته بنفسه، وأن تغرس فيهم الشعور بالانتماء لأمتهم والاعتزاز بهويتهم الإسلامية، وأن توجد لهم مسارات مجتمعية صحيحة؛ حتى لا توظف طاقاتهم في خدمة مشاريع مضادة للهوية.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بتوجيه خطاب للشباب قائلا: أيها الشباب، أنتم مسئولون، ولستم صغارا كما يقال لكم، بل أنتم كبار بدينكم وقيمكم والتزامكم وأخلاقكم، وإن المجتمع يناديكم، وإن الأمة تدعوكم، فعليكم أن تعرفوا الأسس والمبادئ والقيم التي تسهم في صياغة شخصياتكم وصقلها.
وأن تعيشوا لهدف أسمى وأرقى وأبعد من النظرة القاصرة، وأن تقوموا بواجب الاستخلاف في الأرض وعمارتها وفق شرع الله تعالى، وأن تستشعروا هموم المسلمين وآلامهم، وآمالهم وطموحهم، وأن تتحلوا بروح المبادرة فتكونوا لبنة في بناء مجد الأمة.