اهداني الصديق العزيز د.احمد العرفج استاذ الإعلام بالمملكة العربية السعودية احدث إصداراته التى يوثق فيها عمق العلاقات والروابط بين مصر والسعودية على مر التاريخ.
الكتاب بعنوان ” سعوديون عاشوا في مصر”..وقد أقيم حفل توقيع للكتاب في افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ أيام بحضور السفير السعودي في القاهرة أسامة بن احمد نقلي الذي قدم للكتاب بعبارات موجزة معبرة ليس بصفته كدبلوماسي فقط ولكن ككاتب وصحافي يملك رؤية وتحليلا لما يجري على السطح وما يدور في الكواليس ..في تقدمته أوضح سعادة السفير ان العلاقات المصرية السعودية تاريخية تضرب بجذور عميقة اجتماعيا وسياسيا..
بعبارة بليغة موحية لخص بن نقلي طبيعة العلاقة وحقيقة الارتباط والحب الخالص وهو يصف من عاشوا في مصر من السعوديين بقوله” أنهم رموز وشخصيات سكنت مصر وسكنتها مصر”.. ويشير الى ان المؤلف حاول من خلال تلك العلاقات “الى ان ينفذ الى ابعاد اجتماعية وإنسانية من خلال استعراض تلك الشخصيات في شريحة زمنية امتدت لقرن من الزمان وهي حقبة يمكن وصفها بالتاريخية وقال السفير ان المؤلف اجاد في رصد لمحة موجزة لتاريخ مصر في خط درامي صيغ بعناية فائقة للحق الزمنية وصولا الى البيئة المجتمعية التي عاش وعمل فيها السعوديون في مصر دبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفنيا مم يعكس شمولية العلاقة بين البلدين وعمقها التاريخي”..
بالفعل استغرق العرفج وبذل جهدا كبيرا في عمليات الرصد والتتبع للعديد من الشخصيات على مختلف المحاور الثمانية التى حددها للكتاب الذي تجاوزت صفحاته ٤٨٤ صفحة من الحجم المتوسط وهو زاخر بالاسماء والقصص والحكايات للالاف من السعوديين الذين زاروا مصر او استقروا فيها واقاموا إقامة شبه دائمة وبعضهم ارتبط بعلاقات صهر نسب وغير ذلك ووصل عددهم وفق اخر الاحصائيات الى اكثر من نصف مليون سعودي وسعودية معظمهم من الطبقة الثرية والمتوسطة على حد تعبير العرفج..
الكتاب جاء في ثمانية فصول أو مسارات كما سماها بحسب تقسيمه بدأها بالمسار السياسي وتوقف فيها أمام زيارة الملك عبدالعزيز المؤسس لمصر..يشير إلى أن الملك لم يسافر خارج الجزيرة العربية إلا مرتين وكانتا الى مصر الأولى في العام ١٩٤٥ للقاء الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل..
والثانية عام ١٩٤٦بدعوة من الملك فاروق وقيل إن القاهرة قد تزينت بشكل لم يسبق له مثيل لاستقبال العاهل السعودي والوفد المرافق له..
ويعرج سريعا على تطور العلاقات بين البلدين حتى يصل إلى المرحلة الحالية والملك سلمان.. ويصفه بأنه مهندس عودة العلاقات العربية مع مصر ابان المقاطعة العربية اثر توقيع معاهدة السلام وذلك وقت أن كان أميرا للرياض والتقى بالرئيس حسني مبارك في باريس..والاتفاق على إقامة المعرض السعدي في القاهرة وعودة العلاقات..
ويصل إلى محطة تكريم الملك سلمان ومنحه الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة..
وتتواصل الفصول والمسارات..العلمي والديني والدبلوماسي والاقتصادي والاستثماري والثقافي والفكري والصحفي والفني والاجتماعي..
تصورت أن المسار الإقتصادي والاستثماري سيكون الأكبر أو الاكثر مساحة لكن تقدم عليه بكثير المسار الثقافي والفكري والفني ايضا..
ويختم المؤلف الكتاب بفصل خاص للشهادات الحية ممن عاشوا في مصر وارتبطوا بها فترة من الزمان ووثقها الكاتب بخط أيديهم خصيصا لكتاب سعوديون عاشوا في مصر.. حوالي 15 شهادة جديرة بالتأمل والدراسة والإفادة منها..
اللافت أن هذه الشهادات ليست مجرد ذكريات ومواقف وطرائف ولكنها سجل حافل لوقائع التاريخ المعاصر وتقدم رؤية صادقة عن طبيعة حال البلاد والعباد والتفاعلات الاجتماعية والسياسية وغيرها..وكذلك تعكس حبا صادقا لمصر والمصريين وارتباطا وجدانيا من نوع خاص..
ويكفى للإشارة ما أقر به الاستاذ محمد سعيد طيب وهو محام وكان يشغل العضو المنتدب لشركة تهامة في أول الشهادات وقد قضى بمصر أكثر من نصف قرن بدأت منذ العام ١٩٥٤.اقام فيها ٣٧ عاما في فندق شبرد ولايزال مرتبطا به ويقول إنه انبهر بالقاهرة منذ اللحظة الأولى وبالمستوى الحضاري الرفيع مثل الاتوبيسات التى تقف عند مجمع التحرير وكانت تذاكر الصعود للدرجة الاولى بقرشين والدرجة الثانية بقرش!.
ويتحدث عن السينمات والمطاعم والمكتبات والحفلات وخاصة حفلات ام كلثوم ويشير إلى أنه حضر حفلة في سينما قصر النيل وكان أغلى سعر تذكرة ما بين ثلاثة جنيهات وخمسة في الدرجة الأولى بالصفوف الأمامية..
وكذلك شهادة محمد عبد الله الحسون مدير عام مؤسسة عكاظ والذي اصطحب أبناءه جميعا ذكورا وإناثا في العام ١٩٥١ ليلحق أبناءه بالمدارس فقد كانت مصر كما يقول منارة العلم في عامنا العربي وأقاموا في شقة بشارع ابراهيم باشا في ميدان الاوبرا ..وكانت القاهرة من ارقى عواصم العالم واجملها بمبانيها الأنيقة وشوارعها الفسيحة وميادينها الجميلة وحدائقها المتنوعة مثل حديقة الباهر والأندلس والازبكية وغيرها ويشير إلى المسارح ودور السينما المتعددة والحفلات الموسيقية والغنائية .. ويذكر العديد من زملائه ورفاقه السعوديين في الدراسة بالقاهرة.
أما د. بدر بن صالح الوهيبي فيقدم شهادة من نوع مختلف عن أبناء وأحفاد العقيلات ومضمار الفروسية في مصر.. ويضرب أمثلة على من شاركوا في ميدان الخيل والفروسية سباقا أو تدريبا أو رعاية للمضامير مثل عبدالرحمن الحجيلان وأحمد الفائز وحمد المرزوقي وحمد البريدي وعبدالله أبا الخيل ومحمد التميمي..
ويشير إلى نقطة مهمة حين يذكر أن العقيلات شاركوا في حفر قناة السويس من ٢٥ ابريل١٨٥٩وحتى ١٦ نوفمبر ١٨٦٩ متعهدين في نقل الإمدادات والتموين بواسطة الإبل والخيل وقد كافأهم الخديوي اسماعيل باقطاعهم أرضا في عين شمس والمطرية وحلمية الزيتون فأقاموا عليها بيوتا لهم واسطبلات لتربية خيولهم وكانت إمبابة مناخ الإبل وسوقهم المشهورة..
وتتنوع الشهادات من شخصيات عديدة شغلت مواقع مهمة ومناصب سياسية كالسفراء وغيرغم وايضا رجال الأعمال الذيك كان لهم إسهامات كبيرة في إقامة ورعاية الكثير من المشروعات ..
لابد من الإشارة إلى أن د.العرفج بذل جهدا كبيرا ومضنيا في
عملية الرصد والمتابعة للاسماء والأماكن والتفاعلات المختلفة واحيانا الذكريات والمذكرات والدراسات السابقة واللاحقة.. وهي أمور رغم أهميتها وضعت المؤلف في دوامات كبيرة مزعجة ومربكة احيانا خاصة مع خوفه وخشيته ان ينسى أسماء مهمة ومواقع ومراكز مؤثرة ولذلك اعترف في البداية أنه استعد لمواجهة الأمر والقيام بالتعديل والإضافة فور وروده التعليقات ممن سقطوا في عملية الرصد والاحصاء.. وأنه لم يطبع من الكتاب الا ألف نسخة فقط لهذا السبب ..
وكان لكل هذا تأثيره على خطة العمل والسعي نحو الهدف الرئيسي لوضع الكتاب..لذلك لم استغرب من انحراف البوصلة عندما تاه منه الهدف الذي أعلن عنه في بداية الكتاب وبالتالي غابت اهم النتائج التي كنا ننتظرها عن طبيعة التفاعل الحضاري بين الشعوب والأمم وماذا صنع كل طرف بالاخر واي طرف كان الأكثر تاثيرا وايهما ذاب وانصهر في الاخر مع العلاقات الحميمية المتواصلة لم يقل لنا العرفج هل تمصر السعوديون ام تسعود المصريون؟.. خاصة وان مصر لها تاريخها الكبير والحافل وتأثيرها الذي لا يبارى في تمصير من وفد اليها واستقر فيها واستقام سواء كان من العرب أو العجم.. ومعظمهم ذاب في النسيج المصري وتمصر بحمد الله واصبح يتباهى بانه ينطق بلهجتهم وياكل طعامهم واكلاتهم الشعبية الشهيرة.. وما حكايات الاستعمار الإنجليزي والفرنسي ببعيدة عمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..
&& من بديع ما خط الكاتب السعودى جميل الفارسي عن مصر: كتب يقول : «سوء حظ مصر مع مجموعة من الشباب العرب الذين لم يعيشوا فترة ريادة مصر» تلك الفترة كانت فيها مصر مثل الرجل الكبير تنفق بسخاء وبلا امتنان، وتقدم التضحيات المتوالية دون انتظار للشكر. هل تعلم يا بنى أن جامعة القاهرة وحدها قد علمت حوالى مليون طالب عربى، ومعظمهم بدون أى رسوم دراسية؟ بل وكانت تصرف لهم مكافآت التفوق مثلهم مثل الطلاب المصريين؟
وقال أيضا :مصـــــــــر هي بلاد الشمس وضحاها،غيطان النور،قيامة الروح العظيمة،انتفاض العشق، اكتمال الوحى والثورة “مراسى الحلم” /العِلم والدين الصحيح،العامل البسيط الفلاح الفصيح،جنة الناس البسيطة/القاهرة القائدة الواعدة الموعودة/الساجدة الشاكرة الحامدة المحمودة العارفة الكاشفة العابدة المعبودة العالمة الدارسة الشاهدة المشهودة /سيمفونية الجرس والأدان/كنانة الرحمن /أرض الدفا والحنان /معشوقة الأنبيا والشُعرا والرسامين /صديقة الثوار /قلب العروبة النابض الناهض الجبار/عجينة الأرض التي لا تخلط العذب بالمالح ولا الوليف الوفى بالقاسى والجارح ولا الحليف الأليف بالغادر الفاضح ولا فَرح بكره الجميل بليل وحزن امبارح ولا صعيب المستحيل بالممكن الواضح/ كونى مصر دليل الإنسانية ومهدها..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com