إخواني الكرام، هذه بعض نصائح أُسْدِيها لأخواني الصغار في السن أو المبتدئين في الالتزام بالشرع وتَعَلُّمِه، وهي كذلك تذكرة لطلبة العلم. وهذه النصائح نتيجة تجربتي في الحياة الدينية، ومن تخصصي في دراسة اللغة والشريعة وتدريسها من سنة 78 حتى يومنا هذا.
أسأل الله تعالى التوفيق السداد، لي ولكم لجميع المسلمين، فأقول وبالله التوفيق:
1- اعلم أخي الحبيب، أن الدين من وضع الله، ولا دخل للبشر فيه مطلقًا، لا رسول ولا غيره، بل الرسول مأمور باتباع الوحي، كما قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). ولا دخل للعقول في تكوين الدين أو تشريعه أصلا؛ لأنها لا تصلح لمثل هذا.
- قال الله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
- (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ).
- (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
2- الهُدَى محصورٌ في الوحي، عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا. وليس وراء الوحي إلا اتباعُ الأهواء والتفرق والضلال.
- قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ).
- (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
- (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
3- أهواء البشر مختلفة في كل شيء في عقائدهم وشرائعهم وأخلاقهم وأذواقهم، ولا يتفقون فيها أبدًا، إلا الأمور الفطرية التي خلقهم الله عليها. (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) سورة هود
4- وَضَعَ اللهُ الشريعة لمصلحة الخلق الدنيوية والأخروية معًا.
-فأما الدنيوية فهي: المحافظة على النفس، والمحافظة على العقل، والمحافظة على العرض، والمحافظة على المال. قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
-وأما الأخروية فيه الفوز بالجنة والنجاة من النار.
5- بناء أحكام الشريعة على درء المفاسد وجلب المصالح.
- وتحصيل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما.
- واحتمال أدنى المضرتين بتفويت أعلاهما.
- وهذا من حيث العموم متفق عليه بين العقلاء.
6- اشتمال الأحكام الشرعية على العلم، والخبرة، والحكمة والرحمة والعدل والمصلحة؛ لأنها من وضع الله تعالى، وليست من وضع البشر ذوي الأهواء.
ولو عُكِسَتْ هذه الأحكام أو لم تُشْرَع أصلا لحدثَ اختلالٌ في المجتمع: اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا أو أخلاقيًّا، أو سياسيا.
- مثل تشريع الزكاة والصدقة، والرحمة بالكبير والصغير وإماطة الأذى من الطريق، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا، وتحريم التبرج، وتحريم الاختلاط والخلوة بالمرأة.
7- بناء الشريعة – في الأصل – على خلاف ما يهواه الإنسان. (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ).
(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ).
فتجد كثيرا من الأحكام الشرعية مما ترغب النفس من الانفلات منها، مثل وجوب الصلوات الخمس، والصيام في الحر في شهر رمضان، والحجاب، وإخراج الزكاة، وغير ذلك من الأحكام الشرعية، مع أنها في ذات الوقت من أهم ما ينفع العبد والمجتمع في الدنيا والآخرة.
8- الرسول كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يكن يعلم ساعة نزول جبريل عليه أنه أصبح رسولًا، ومن ثم فجميع ما عَلَّمَه للمسلمين من السننِ القولية والفعلية، ليستْ من عنده صلى الله عليه وسلم، بل كان لا يعلمها أصلا، وكلُّ هذه السنن مما عَلَّمَه الله له إلهامًا، أو بوساطة جبريل عليه السلام، ثم أمره بتعليمها للمسلمين.
قال تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا).
قال الله تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا). 113/ سورة النساء.
وقال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). 164/ آل عمران
ونكمل فيما بعد بإذن الله تعالى. (يُتْبَع)
مدرس الشريعة بكلية دار العلوم