لأن النصيحة ثقيلة فسوف أقوم بتأجيلها إلى نهاية هذا المقال وسأبدأ بما نجح الأهلي والزمالك في تحقيقه خلال السنوات الأخيرة.
مانجح فيه الأهلي هو هزيمة الزمالك نفسيا قبل أي لقاء قمة وهذا ما لا يليق بفريق كبير مثل الزمالك.
أما مانجح فيه الزمالك فهو أنه استطاع أن يجر الأهلي إلى نظرية المؤامرة وهذا أيضا لايليق بفريق كبير مثل الأهلي.
بالنسبة للزمالك، ربما يكون الوضع على المستوى النفسي قد تغير – هذه المرة – إلى الأفضل وأن هزيمتة – إذا أراد الأهلي – لابد أن تتم على أرض الملعب وليس نفسيا قبل المباراة.
والسبب هو الاستقرار الإداري الذي يعيشه الزمالك في الفترة الأخيرة ومحاولته الانتقال من مرحلة الاجتهاد الفردي إلى مرحلة العمل المؤسسي الذي تسعى إلى تحقيقه الإدارة الحالية.
أما مانجح فيه الزمالك في السنوات الأخيرة فهو أنه جر الأهلي إلى تبني نظرية المؤامرة وهي نظرية لا أراها تليق أبدا بالأهلي.
فقبل كل مباراة أمام الزمالك تحديدا يشن إعلام الأهلي وصفحاته حملة شرسة على طاقم تحكيم المباراة أيا كان اسمه أو تاريخه التحكيمي.
ولا تطول الاتهامات التحكيم فقط بل تمتد إلى اتحاد الكرة والإعلام ومراقبي المباريات وكلهم – في رأي إعلام الأهلي – زملكاوية يحاولون تعطيل مسيرة الأهلي.
وإذا سألت أحد هؤلاء كيف يكون 70 % من الشعب أهلاوية – كما تؤكدون – وفي نفس الوقت يكون كل أفراد التحكيم وأعضاء اتحاد الكرة ورجال الإعلام زملكاوية ؟ فلن يجيبك أحد.
وإذا سألت كيف يكون كل هؤلاء ضد الأهلي ويفوز الأهلي بكل هذه البطولات، فأيضا لن يجيبك أحد.
أما النصيحة فسوف أوجهها إلى جمهور الأهلي والزمالك اليوم وقبل ساعات قليلة من مواجهة الناديين في نهائي الكأس مساء الجمعة القادم بالرياض.
في بداية التسعينيات ذهبت إلى استاد القاهرة لتغطية أحد لقاءات القمة بين الأهلي والزمالك.
كان الأهلي قد فاز في المباراة بهدف واحد فكان من السهل الحصول على تصريحات من لاعبيه بينما ظهر الحزن على وجوه لاعبي الزمالك ولكنه الحزن الطبيعي الذي يتناسب مع خسارة مباراة وليس بالدرجة المبالغ فيها والتي كانت عليها جماهير الزمالك.
خرج لاعبو الزمالك فوجدوا بعض الجماهير الحزينة
التي أسمعتهم لوما وتأنيباثم مضت في حال سبيلها.
واحد فقط من الجماهير الحزينة رفض أن يغادر بل إنه
اعترض طريق اللاعبين وبدأ في توجيه عبارات الهجوم الشديد عليهم ” حرام عليكم .. جبتولنا المرض .. تعبتوا
أعصابنا .. و … و ….. “.
تحمل اللاعبون الرجل مقدرين الحزن والغضب التي يعاني منها وانتظروا حتى يفسح لهم الطريق.
إلا أن الرجل ظل يصرخ حتى تعجب اللاعبون من حزنه الشديد وكأن لسان حالهم يقول: (يعني أنت زعلان على الزمالك أكثر منا).
استمر الرجل على انفعاله الشديد فقام اللاعبون بوضع أيديهم على وجوههم حتى لايراهم أحد وهم يضحكون تعجبا من مبالغة الرجل في التعبير عن الحزن.
مثال آخر، زرت نادي الزمالك في اليوم التالي لخروج مصر من تصفيات كأس العالم بعد تعادل سلبي مع المغرب في الثمانينات.
طوال الطريق من المنوفية إلى القاهرة كانت مصر كلها يعتصرها الحزن: وجوه الناس، عناوين الصحف، زجاج السيارات، كراسي الأتوبيس، فناجين القهوة، أكواب الشاي، حكايات المقاهي وثرثرة الأرصفة.
دخلت النادي، ففوجئت أن لاعبي الزمالك الذين شاركوا في المباراة يتناقشون حول مجرياتها مع اللاعبين الذين لم يشاركوا بها ولكن ليس بهذه الدرجة من الحزن التي كان عليها جمهور يتكلم عن كارثة .. مهزلة.. نهاية العالم.
عبرت الشارع إلى نادي الترسانة فوجدت أحد اللاعبين الذين شاركوا في المباراة على حساب نجم كبير بعد أن تألق في المباريات الودية يتناقش بشكل عادي مع أحد زملائه عن المباراة وفي موضوعات مختلفة.
حدث مثل هذا عندما زرت النادي الأهلي بعد هزيمة غير متوقعة في مباراة مهمة.
وهنا يأتي دور النصيحة والمعنى الذي أريد أن أنقله إلى جمهور الناديين الكبيرين.
أقول لجمهور الفريق الفائز لا تبالغ في الفرح فهي مباراة مهمة..نعم ..على نهائي الكأس .. نعم .. ولكنها في النهاية مباراة كرة قدم.
وأقول لجمهور الفريق الخاسر لا تبالغ في الحزن لأن اللاعبين أنفسهم لايحزنون لهذه الدرجة، والسبب ببساطة أن اللاعب يشعر أنه لم يقصر في المباراة ولم يدخر جهدا في الملعب وأدى ما عليه ولكن التوفيق لم يحالفه.
فماذا يفعل لاعب سدد الكرة بكل قوة فارتطمت بالقائم وآخر مد قدمه على امتدادها ليمنع كرة خطيرة فذهبت إلى منافس فسجل هدفا، ولهذا فلا معنى للمبالغة في الحزن بهذه الدرجة التي يشعر بها الجمهور في المدرجات وأمام التلفزيون.
وليتتذكر الجمهور -في حالة الفوز أو الخسارة ومن باب أولى التعادل- ما قاله يورجن كلوب مدرب ليفربول الشهير بعد أن فاز بدوري أبطال أوروبا (كرة القدم هي أهم الأشياء الأقل أهمية في الحياة)!