يُنظر إلى ماسح الأحذية في سائر الإقليم العربي، نظرة شنف وازدراء، ببأو واستعلاء ، وبالكُلية يخرج صاحب هذه المهنة من قواميس الآدميين.. في النواميس المخطوطة ببنان الساسة المُتغطرسين..
فما ظنك بماسح أحذية يُصبح حاكماً، وأي دولة هذه؟ إنها أكبر دولة في أمريكا اللاتينية.. وخامس أكبر دولة على بساط الأرض ، والثامنة عالمياً سكاناً…
أرأيت إن كانت هي البرازيل..
أرأيت إن كانت دولة الربع مليار نسمة؟
أرأيت إن كانت دولة ظلت عقوداً رهينة محبسين ( كرة القدم والبن ) فقط ….
وإن تك ثمةَ مفارقات في العالم بأثره، فقد اجتمعت في نواحي هذا الرجل.. عصامية من نوع فريد، تُصلح أن تكون منهجاً دراسياً تليداً، في شتى مناحي الحياة… يتدارسه طلاب الجامعات، والعاملين والكادحين، والذين ضاقت عليهم أرض الفقر بما رحُبت، بل وعظماء السياسية والدبلوماسيين والاقتصاديين …
والأنصع من كل ما سبق، رنين صوته في سماء العالم، بمناصرة فلسطين، ومجابهة بني صهيون….
استقرأت حياة لولا داسيلفا منذ أن كان صبياً، إلى حيث بلغ من الكبر عتياً،.. وخلبتني مثابرته على غلواء السفود… طفل صغير في فقر مدقع، يتوارى من زملائه في الدراسة خجلاً من رثاثة ملابسه، فينهي مسيرة تعليمه في سن العاشرة.. وعندها يكون التحول المذهل :
لم يجد غضاضة في العمل بمحطة وقود، فميكانيكي سيارات، ثم عاملاً في مصنع حديد، وفيه اشتدت سواعد بأسه على مكابدة الظلم، فسُجن لمطالبته بحقوق العمال وتلويحه بمعاقبة المفسدين.
فلما أفرج عنه، كان هو الأيقونة الساحرة في مسار المجتمع البرازيلي عن بكرة أبيه….
كان طوق النجاة للكينونة البرازيلية، التي اعترتها جفوات وعثرات، في مسارات الاقتصاد ، وكان بالفقراء رحيماً ، ليكتسب شرعيته من سوادهم ( بطل الفقراء )
اعتلى السلطة البرازيلية عن جدارة في عام 2003م، وكان بمثابة رئة التنفس النهضوي البرازيلي، بروح وثابة، ومطامح خلابة… فأضحى بدولة الفقر أنموذجاً جديراً بالفخر..
وكأن مولد البرازيل الحقيقي على أيدي داسيلفا وحده، لا على يد بيليه ولا زيكو ولا سقراط، ولا روماريو ولا رونالدو ولا رونالدينيو.. ولا أجدى معها مولداً أديبها المتوهج باولو كويليو…
ولدت البرازيل على يديه بشهادة معتمدة على سرح السياسة الدولية، خلال فترة رئاسته من 2003- 2011م… فانفطر قلبها حين أصابه السرطان عقيب انتهاء مدة رئاسته، ثم دب فيها روح الانشطار والانتصار بعد أن تماثل للشفاء من السرطان عام 2017م.. فإذا اعتسف طريقه عقبة كؤود بالسجن مجدداً ، كان سراحه مطلوقاً معقباً، ليكمل مسيرة شعب عرمرم، أنشد فيه الضمير الحضاري الذي تحقق من العدم، وأطلق له كل صلاحيات توجيه البوصلة، وقيادة السفينة إلى شاطيء النجاة..
لولا داسيلفا يدنو من الثمانين، ولا يزال يقود النظام الرأسي لدولة البرازيل ببراعة فائقة، وحري به البطولة القومية في البرازيل، وجدير بمثله جل الجوائز العالمية.. في الكفاح والنجاح، في البسالة والريادة، في السؤدد والتنمية…
وخليقٌ هو بنوبل للسلام، إذا ما روعي صياحه واستيائه واستنكاره لحرب الإبادة الفلسطينية…
كم يحتاج المسلمون لرجل كهذا، فاللهم أكرمه بالإسلام….