وما أشبه الليلة بالبارحة، وفي صراع وحيرة النفوس بين سمو الهدف والغاية وسلطان الحياة الدنيا، وما بين نبل المقصد والرسالة وقنص النفوذ والسلطة تدور رحي أحوال جماعات “الإسلام السياسي” من المارقين عن إجماع الأمة أو “الحشاشين الجدد” وحتي إشعار آخر ،وربما إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها !.
وفي ثياب متباينة ومع اختلاف الزمن والشخوص تتكرر حوداث التاريخ بنسخ الكربون وستظل كتابا مفتوحا لمن أراد أن يتدبر ويتوقف قليلا، ليعيد القراءة بمقاربات علمية تحليلية، وبتفحص مقارن للحوادث بين الأمس واليوم.
وتبقي العقيدة الإسلامية السمحاء برونقها الوسطى الأصيل في السامقات، رغم كيد المرجفين وجنوح المارقين!.
ومع انطلاق أعمال رمضان الرمضانيه أثار مسلسل “الحشاشين” جدلا واسعا في مختلف الأوساط وعبر شبكات التواصل الإجتماعي لتعرضه لقضية شائكة تلامس قضايا وأحداثا ساخنة أسهمت في صناعتها جماعات الإسلام السياسي عبر عصور غابرة، وأخري حاضرة.
وتشير كتب التاريخ إلي أن طائفة الحشَّاشين أو الحشيشية أو الدعوة الجديدة كما أسموا أنفسهم هي طائفة شيعية إسماعيلية نزارية باطنية، انفصلت عن العبيديين الفاطميين في أواخر القرن الخامس هجري “الحادي عشر الميلادي ” لتدعو إلى إمامة “نزار المصطفى” ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرن 5 و7 هجري الموافق 11 و13 ميلادي، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وفي الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران.
وقد أسّس الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة “ألموت” في فارس مركزاً لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته.
ورحل “الصباح” إلى سوريا وإيران واستولى على قلاع ونفذ اغتيالات سياسية ضد السلطة السلجوقية،
واستمرت جماعة الحشاشين في مواجهات مع صلاح الدين الأيوبي من جهة، والتتار من جهة أخرى حتى استطاع التتار القضاء على الجماعة في إيران، وخرجت الجماعة منها واستمرت لفترة في بلاد الشام والهند.
وقد اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام، ممَّا أكسبها عداءً شديدا مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين بالإضافة إلى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول فشلت في استئصالهم طوال عشرات السنين من المواجهات والحروب.
واعتمدت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين على فكرة الاغتيالات وبث الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة في ذلك الوقت؛ مثل الخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس “كونراد”، الوزير السلجوقي “قوَّام الدين أبوعلي الحسن بن علي” الملقب بنظام الملك رغم ما قدمه من أعمال أسهمت في تعزيز روافد الحضارة الإسلامية حيث كان داعيا للعلم والأدب محبا لهما؛ وأنشأ المدارس المعروفة باسمه “المدارس النظامية”.
وجاءت النهاية علي أيدي المغول بقيادة “هولاكو”، والذي قضي على هذه الطائفة في بلاد فارس سنة 1256م حيث قام بمهاجمة الحشاشين واستطاع أن يستولي علي قلعة “ألموت” وعلي أكثر من 100 قلعة من قلاعهم وتدميرها قبل أن يتجه هولاكو لمهاجمة العباسيين وعاصمتهم بغداد وإحراقها، وسرعان ما تهاوت الطائفة في الشام أيضاً على يد الظاهر بيبرس سنة 1273م.
وكشف د. أيمن فؤاد سيد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، في تصريحات إعلامية عن استمرار الطائفة “النزارية” التي تنتمي إليها جماعة الحشاشين حتى الفترة الحالية،لكنها ارتدت ثيابا معتدلة، وأنشأت الطائفة في القرن التاسع عشر منصب “الأغاخان”، والذي يتولاه حاليا “كريم الدين خان” مشيرا إلى أن هذه الطائفة ساهمت في تطوير عدة مشروعات في مصر أبرزها حديقة الأزهر، وضريح “أغاخان الثالث” في أسوان، وغيرها !.
ويري د. محمد عفيفي
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة أن جماعة الحشاشين تعد أحد أخطر “المنظمات الإرهابية” في التاريخ الإسلامي، وعملت هذه الجماعة على تنفيذ اغتيالات سياسية عديدة منظمة، واستمرت لعدة سنوات طويلة حتى انهارت لعدة عوامل أبرزها التغيرات التي حدثت بعد الحروب الصليبية، وقوة صلاح الدين الأيوبي، وسقوط الدولة الفاطمية “المرتبطة بالمذهب الشيعي”، مشيرا إلى الخلاف الذي نشأ بين جماعة الحشاشين والقائد صلاح الدين الأيوبي بسبب قضائه على الدولة الفاطمية.
وأرجع د. عفيفي سبب تسمية الجماعة بلقب “الحشاشين” إلى سيطرتهم على أتباعهم عبر مخدر لتجنيدهم، وفي الوقت نفسه تحمل التعذيب حال القبض عليهم.
وقد اختلف المؤرخون حول أسباب تسمية الحشاشين بهذا الاسم، فعزاه البعض إلى الحشيش الذى كان مقاتلو هذه الجماعة يتعاطونه، أما البعض الآخر، فعزوا التسمية إلى أن الأصل الاشتقاقى لكلمة الحشاشين هو Assassin، أى «القتلة» أو «الاغتياليون» وهى تسمية كان يطلقها الفرنسيون الصليبيون على الإسماعيلية، الذين كانوا يفتكون بملوكهم وقادة جيوشهم..
وأيما تكن التسمية فإن اقتصاد الحشيش والأفيون مايزال للاسف وفقا لفتاوي خبيثة ما أنزل الله بها من سلطان تعتمد عليها بعض “الدواعش”وجماعات الضلال التي تتخذ من الإسلام ستارا لممارسة أبشع صور العنف والقتل والإرهاب.
وفي حبكة درامية واقعية يفضح المسلسل خطايا المارقين ودعاة الفتنة، ويقودنا لقراءة المشهد المعاصر وتداعياته المرة، والتي تسببت في صناعة وهم ” الربيع العربي” والذي تحول لوهم كبير وكابوس مفزع، وسمح لقوي خارجية في إشاعة الفوضي والدمار، وإضعاف مقدرات عدد كبير من دول العرب، وتنفيذ مخططات “التفتيت” والإضعاف، وفقا لسيناريوهات الشرق الأوسط الجديد.
“الحشاشون” رصد درامي واقعي للانحراف الإنساني عن الفطرة السوية والسلامة مع النفس والتعايش مع الآخر وإدراك الأهداف بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن قبلها الفهم الخاطيء للإسلام بتعاليمه السمحه ووسطيته، ومن ثم خلق قناعات فاسدة أنتجت حصادا مرا وثمارا خبيثة، وتطرفا ممقوتا، فإذا تجاوز الشيئ حده انقلب إلي ضده.
ويسرد مسلسل “الحشاشين” حكاية طائفة الحشاشين وكيف بدأت الجماعة وكيف انتهت؟.
وهو من تأليف الكاتب عبدالرحيم كمال
ويشارك في بطولته عدد كبير من النجوم أبرزهم كريم عبدالعزيز، ونيقولا معوض، وفتحي عبدالوهاب، وأخرجه بيتر ميمي، واستغرق تصويره عامين، وكان من المقرر عرضه في رمضان العام الماضي، وتم تأجيله للعرض هذا العام بسبب تصوير بعض مشاهده من المسلسل في مالطا وكازاخستان.
ويستعرض المسلسل قصة حسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين، وهي إحدى أخطر الحركات السرية التي تنتمي لإحدى طوائف المذهب الشيعي، ويتناول العمل كيف نجح مؤسس الجماعة في إقناع أتباعه بأفكار خاطئة لتبرير جرائمهم، وفقا لما ذكره مؤلف العمل في تصريحات له.
ولا أدري سببا مفهوما للدعاية المضادة وثورة بعض أبواق جماعات الإسلام السياسي، التي انحرفت عن المنهج الوسطي نقدا وذما، وتجريحا، ويكاد الآثم أن يقول: “خذوني ..ها أنا ذا “!
وبنظرة للواقع المعاصر سنجد أن هناك علامات استفهام حول استراتيجية زراعة وتجارة “الحشيش والأفيون” في بعض الدول، والتي تحتضن عددا من جماعات الإسلام السياسي، فقد تربعت أفغانستان مثلا على عرش زراعة وتجارة المخدرات خلال العقدين الماضيين .
ومنذ الغزو الأميركي طوال الـ20 عاما الماضية وصلت للمركز الأول في تصدير المخدرات وإنتاجها.
وقبل سنوات وتحديدا في يناير 2017، تفاوضت شركة ألمانية مع “طالبان” لاستثمار 400 مليون يورو في زراعة الحشيش.
وكشفت تحقيق صحفي أن الشركة ألمانية طلبت إقامة مصنع ضخم لإنتاج القنب الهندي في شمال أفغانستان ، وذلك بعد أن أجاز البرلمان الأفغاني استخدام الحشيش في الطب.
وسوف تلتزم شركة CPharm ببناء “مركز استخراج” لمعالجة الحشيش المزروع في الأراضي المملوكة للمزارعين المحليين وتحويله إلى كريمات وأدوية!.
وهناك تقارير تتحدث عن علاقات “أبناء الحشيش” مع “مافيا” تجارته دوليا لتنفيذ مخططات الإفساد وإغراق مختلف دول العالم به لتحقيق أرباح طائلة وإنجاز أهداف خبيثة!.
وفي سطور الخلاصة، أتصور أن من يفتش في التاريخ ستيوقف عند محطات كاشفة وفارقة بين الحق والضلال، وستظل
الدراما الفنية التاريخية الواقعية باعتبارها قوة ناعمة من أهم وسائل غرس الوعي وتصحيح اعوعاج الفكر المنحرف وتعزيز قيم الهوية والانتماء لديننا الحنيف، دين الحق والرحمة والعدل والسلام للعالمين.