كتب عادل يحيى
صلى قداسة البابا تواضروس الثاني صباح اليوم، صلوات الجمعة العظيمة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بمشاركة أربعة من الآباء الأساقفة العموم المشرفين على القطاعات الرعوية بالقاهرة، وكهنة كنائس الكاتدرائية، وخورس شمامسة الكلية الإكليريكية بالأنبا رويس. وشهدت الكاتدرائية حضورًا شعبيًّا كبيرًا امتلأت جنباتها بهم.
كان قداسته قد صلى صلوات خميس العهد أمس، في دير الشهيد مار مينا العجائبي بصحراء مريوط بالإسكندرية.
وتتضمن صلوات يوم الجمعة العظيمة رصدًا زمنيًّا دقيقًا لحظة بلحظة لأحداث اليوم الذي صلب فيه السيد المسيح بدءًا من القبض عليه مرورًا بمراحل محاكمته والحكم عليه، وصحبه وحتى موته ودفنه في القبر، وذلك من خلال صلوات السواعي النهارية ليوم “الجمعة العظيمة” البالغ عددها ست صلوات، هي:
- الساعة الأولى (باكر): ساعة محاكمة السيد المسيح أمام مجلس السنهدريم.
- الساعة الثالثة: ساعة صدور الحكم بصلب المسيح وجلده والاستهزاء به.
- الساعة السادسة: ساعة تنفيذ الحكم (الصلب).
- الساعة التاسعة: ساعة موت المسيح.
- الساعة الحادية عشر: ساعة إنزال السيد المسيح من على الصليب بعد موته.
- الساعة الثانية عشرة: ساعة دفن السيد المسيح في القبر.
وألقى قداسة البابا العظة عقب الساعة الحادية عشرة، وتحدَّث فيها عن محبة الله التي سكبها لكل البشر من على الصليب، وتأمل فيما صنعت يد الله القوية للإنسان وماذا صنعت يد الإنسان أمام الله؟!
وأشار قداسته إلى أن الخطية هي مشكلة الإنسان الأزلية، وهي حالة الغربة التي يحيا فيها بعيدًا عن محضر الله، ولها ثلاثة أبعاد، هي: الضعف والمذلة والغربة، مدللًا بجزء من قطع صلاة الخدمة الثالثة في صلاة نصف الليل: “بعين مُتحننة يا رب انظر إلى ضعفي، فعما قليل تفنى حياتي، وبأعمالي ليس لي خلاص. فلهذا أسال: بعين رحيمة يا رب انظر إلى ضعفي وذلي ومسكنتي وغربتي، ونجني” ، لذلك نحتفل اليوم بالصليب لكي يوقظنا من حالة الخطية، “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو ٣: ١٦)، فالصليب للجميع، ولكن يوجد الذين لا يعرفون الطريق إلى الصليب والذين يتناسون قوة وفعل الصليب، بينما “هُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا” (إش ٥٣: ٥).
وأوضح قداسة البابا أن قوة السيد المسيح هي لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين، بل وأن قدرته المتخفية في الجسد المتأنس عملت من أجل خلاص الإنسان.
كما أشار قداسته إلى ضرورة أن يشعر الإنسان أن المسيح المصلوب، مصلوب من أجله، وعلى الصليب خاصةً لكي يصل خلاص الله لكل إنسان في كل الاتجاهات، وأيضًا أن المسيح قدَّم نفسه محبة واختيارًا وليس اضطرارًا أو حتمية، لذلك الإنسان على الأرض يستعد للأبدية متمسكًا بالصليب.
وتناول قداسة البابا في قصة الصلب حياة أربعة لصوص، وهم:
- يهوذا الخائن: الذي بدأ حياته تلميذًا صالحًا وانتهى إلى الهلاك.
- اللص اليمين: الذي بدأ حياته شريرًا ولكنه تاب في ساعاته الأخيرة، وسمع المكافأة “إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ” (لو ٢٣: ٤٣).
- باراباس: الذي كان شريرًا ومسجونًا، وأطلقوه في عيد الفصح وحصل على حريته أثناء محاكمة السيد المسيح، كأن المسيح فدى باراباس، ولا نعلم نهايته.
- اللص اليسار: الذي بدأ حياته شريرًا واستمر في شرّه وانتهى إلى الهلاك.
وأضاف قداسته أن المسيح جاء من أجل كل أحد، وصار ملكًا على العرش (الصليب)، مثلما جاء في لحن “أومونوجينيس”: “قدوس القوى الذى أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة”، وفي لحن “بيك إثرونوس” نقول: كرسيك (صليبك) يا الله إلى دهر الدهور، ومن خلال صليبه المُحيي نحيا ونفرح ويصير لدينا رجاء، ولحن “الجلجثة” يوضح ما فعله يوسف الرامي ونيقوديموس في دفن السيد المسيح.
واستكمل قداسة البابا بأن الله منح الإنسان ثلاث عطايا، “لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ” (٢ كو ٥: ١٤، ١٥)، وهي:
١- إمكانية التوبة الصادقة ليتطهر القلب، لأن دم المسيح على الصليب يستر كل خطية.
٢- إمكانية المحبة المشتعلة لكل إنسان، لأن الصليب يزرع في القلوب المحبة الفياضة.
٣- إمكانية البذل والخدمة بقلب حار، لأن إحساس الإنسان بالصليب تجعل قلبه ملتهبًا بالخدمة.
وأوصى قداسته لافتًا إلى أن الصليب يعالج كل مشكلة، فيجب أن يكون الإنسان لديه رغبة دائمًا أن يجعل الله فرحًا به، ويكون مشتاقًا باستمرار للسماء وذلك ببركات الصليب المقدس.