في الحقيقة ، تأملت مقولة “أميتوا الباطل بالسكوت عنه”، فوجدتها نِعم المقولة في فترة ما مضت ؛حين كان الإعلام محدوداً، قبل انتشارالفضائيات، حتى غدا العالم كقرية صغيرة، حين أصدر رويبضة ، نكرة ، مأجور، يدعى سلمان رشدي رواية تافهة مثله أسماها آيات شيطانية، فأفتى وقتها الخميني مرشد إيران بإهدار دمه ، ورصدت طهران مليون دولار لمن يقتل المجرم ، في تفكير ساذح، وتصرف أهوج، وسلوك قوبل من الغرب بالسخط وقطع العلاقات الدبلوماسية، وسحب السفراء من طهران؛ ولوأن الخميني لم يتسرع ، وإيران لم تتهور؛ لماتت الرواية في مهدها، ومات اسم مؤلفها ؛ لأنه في كل يوم يصدر في أنحاء العالم عشرات الكتب والروايات تهاجم الإسلام، وتشكك فيه، وتَحُطُّ من شـأنه، وغالبيتها العظمى لم يسمع عنها أحد، ولن يسمع عنها أحد؛ لأنها ماتت بتجاهلها.
أما الآن ، وبعد أن اطلع الصغير والكبير، والجاهل والمثقف، ورجل العلم ورجل الشارع، على آخر الصيحات الإلحادية (تكوين) فلا مناص من محاربتها بسلاحها، من خلال وصف العلاج الناجع لمواجهتها.
إنهم بهذا التكوين يزعمون إعادة بناء المسلم من جديد من خلال التوليفة التي اختاروها له مما يُملى عليهم من أسيادهم لتقويض هذا الدين، الذي تعهد المولى سبحانه له بالبقاء إلى قيام الساعة بحفظ القرآن الكريم الذي هو عماد وقوام هذا الدين ، فقال جل شأنه في محكم تنزيله في سورة الحجر : ( إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
إنهم يريدون استبداله بدين جديد يوافق الأهواء ، ويجمع برأيهم الشرائع الثلاث في دين واحد؛ تحت مسمى (الديانة الإبراهيمية) سهل يتقبله الشباب والشيب، وتقبل عليه البنات والأمهات ؛ لأنه بلا طقوس أو شعائر، فليس فيه وضوء، ولا صلاة، وليس فيه صيام، أوزكاة، أو حج؛ وليس فيه حلال أو وحرام، الخمر مباح ، والزنا متاح ، و النفس البشرية ترحب بدين بلا فرائض ، ولا التزامات.
والغريب في الأمر أن أعداء الإسلام يعرفون حق المعرفة، ومتأكدون حق اليقين بأن الدين الحق هو دين الإسلام ، من أجل ذلك تتم محاربته بكل الوسائل، وبمختلف الطرائق، وإحداها شراء ذمم بعض اصحاب الذمم الخربة؛ ففي جَعبة هؤلاء المارقين الكثير لتقويض هذا الدين .
ولضرب السنة المطهرة والأحادبث النبوية؛ يَدَّعون زورًا أنهم لايعتدُّون إلا بالقرآن الكريم ، على اعتبار أن فيه كل شيء، ولاحاجة للسنة، وواقع فكرهم عكس ذلك؛ يظهرون شيئًا ويبطنون أشياء أخرى ، ونحن نقول لهم : إن من ينكر السنة المطهرة ينكر القرآن الكريم ، فقد جاءت السنة النبوية مفصلة ومبيِّنة للأحكام المجملة في آيات عديدة من القرآن الكريم؛ واللفظ (المجمل) هو ما لم تتضح دلالته، والمراد ما كان له دلالة في الأصل، ولم تتضح، ويكون التفصيل ببيان كيفيات العمل أو أسبابه أو شروطه أو موانعه أو لواحقه وما أشبه ذلك؛ كبيانها للصلوات على اختلافها في أنواع مواقيتها، وركوعها وسجودها وسائر أحكامها، وبيانها للزكاة في مقاديرها ونُصبِ الأموال وتعيين ما يزكى مما لا يزكى، وبيان أحكام الصوم وما فيه، مما لم يقع النص عليه في الكتاب العزيز.
كما فصّلت السنة أحكام الطهارة والحج والذبائح والصيد، وما يؤكل وما لا يؤكل، والأنكحة وما يتعلق بها من الطلاق والرجعة والظهار واللعان، والبيوع وأحكامها، والجنايات والقصاص وغيره، كل ذلك بيان لما وقع مجملاً في القرآن الكريم، وكل هذا يندرج تحت قوله تعالى: في سورة النحل: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) .
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا، وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله».
روى الحديث الإمام أحمد في مسنده ، والإمام أبو داود في سننه ، والحاكم أبو عبدالله النيسابوري في مستدركه بسند صحيح عن الصحابي الجليل المقدام بن معديكرب رضي الله عنه .
والقرآن الكريم الذي يزعمون أنهم يؤمنون به أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة لامجال لحصرها الآن، واعتبر الحق جل شأنه طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعته سبحانه، فقال الله عز وجل في الآية 59 من سورة النساء :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
وقوله تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قال السلف : أي : إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بالسؤال عن موضوع النزاع في حياته صلى الله عليه وسلم ، أو بالنظر في سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك ، فليس مؤمنًا بالله ولا باليوم الآخر .
وقال جل شأنه في الآية 65 من سورة النساء: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقال أصدق القائلين في الآية 80 من سورة النساء: ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)، وقال سبحانه في الآية 115 من سورة النساء: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) ، وغير ذلك من الآيات الكثيرُ بمختلف سور القرآن الكريم .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته من المنافقين الذين يجادلون بالقرآن كما في الحديث الذي رواه الإمام البزار، والإمام الطبراني عن الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان.
وكم رأينا من منافق عليم يجادلنا بالقرآن والآيات بغير معناها إذعانًا لأسياده، سواء كان الأمر من نفسه ، أو من خلال أجندة يقوم على تنفيذها.
وقد أورد الإمام احمد في مسنده عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، قال : ” كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لَغيرُ الدجال أخوفني على أمتي ( قالها ثلاثًا ) ” ، قال أبو ذر: قلت : يا رسول الله ! ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك ؟ قال : ( أئمةً مُضلِّين )
وأورد الإمام ابن ماجة في سننه عن النواس بن سمعان الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قالل: غيرُ الدجال أخوفني عليكم ، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه ، واللهُ خليفتي على كل مسلم .
ونحن لانخشى هؤلاء على أنفسنا ؛ إنما الخوف كل الخوف على أطفال وشباب المسلمين من الأجيال الصاعدة الذين هم نواة المستقبل، الذين لم يتحصنوا ضد هؤلاء، فهم عرضة للانزلاق إلى الهاوية .
والعلاج الناجع هو عمل عكس كل مايفعله دعاة الإلحاد ، يحاولون النيل من القرآن الكريم ، نعظِّم القرآن الكريم، بقراءته آناء الليل وأطراف النهار، نُحِلُّ حلاله، ونُحَرِّمُ حرامه .
يحاولون النيل من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، نقوم نحن بتعظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونجله ونوقره، ومن صور تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره :
الثناء والصلاة عليه ، والتأدب عند ذ كره صلى الله عليه وسلم بأن لا يذكر باسمه مجرداً ، بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ، ونسبق اسمه بالسيادة ، فهو سيد الأولين والآخرين ، فلقد حرَّم الله تعالى على الأمة نداءه باسمه مُجرَّدًا عن صيغة التكريم فقال في سورة النور : (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) أي: لا تجعلوا نداءكم له وتسميتكم إياه كما يكون بين بعضكم بعضًا، ولكن قولوا: يا رسول الله، أو يا نبي الله، ولانقول عنه (محمد) بل نسبق اسمه بالسيادة، فنقول : نبينا وحبيبنا وشفيعنا وقرَّة أعيننا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن صور تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، الإكثار من ذكره ، والشوق لرؤيته ، وتعداد فضائله وخصائصه ، ومعجزاته ودلائل نبوته ، وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها ، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه ، وذكر صفاته وأخلاقه وشمائله ، وما كان من أمور دعوته وسيرته الشريفة، ومن أرقى صور التعظيم للحبيب صلى الله عليه وسلم تعظيم ما جاء به من الشريعة المتضَّمَنَة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف الأمة ، وذلك باتباعها والتزامها قلباً وقالباً ، وتحكيمها في كل مناحي الحياة ، وشؤونها الخاصة والعامة ، فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي ، والتوقير الصادق لخير الخلق وحبيب ـ الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
يقول القاضي عياض :”واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته، وتعظيم أهل بيته الأطهار وصحابته الأخيار.
يحاولون النيل من صحابته الكرام، ومن أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين، نُطلع الأجيال الصاعدة على بطولاتهم وتضحياتهم من أجل نصرة الإسلام ، ولانذكر أسماءهم مجردة بل نتبعها بقولنا رضي الله عنه ، ورضي الله عنها.
يحاولون النيل من أصحاب كتب الصحاح والسنن ، وعلى رأسهم الإمام البخاري، نُجِلُّ الإمام البخاري بأن نبين له حقه، ونظهر كم سافرهو وكبار علماء الحديث، وبحثوا وقطعوا الصحارى والفيافي والقفار؛ لينقلوا لنا حديثًا سمعه أحدهم ممن سمع مَن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتصر على الأقوال والمظاهر والشعارات فحسب؛ ولكننا نحتاج بالإضافة إلى ذلك، التصديق بالعمل بأن نسير على هديه صلى الله عليه وسلم ، في أمورنا كلها، فليس محبًا للنبي صلى الله عليه وسلم من يكذب، أو يغش، ومن يحتكر السلع ، ومن يستغل حاجة الناس، وليس محبًا للنبي صلى الله عليه وسلم من يخالف المنهج النبوي مهما ادَّعى ذلك، أو رفع من شعارات!
وبذلك نتغلب على كل المؤامرات التي تحاك ضد الإسلام ، من خلال إبطال اللعب بعقول الأطفال والشباب، والحَدِّ من إغرائهم بمغريات الحياة.