لعل أهم وأسمى هدف من عبادة الحج هو خلق وإعادة بناء مسلم جديد ..جديد في كل شيء دينيا واجتماعياً وأخلاقيا وعلميا وكل ما يؤهله لكي يكون إنسانا فاعلا مشاركا في الارتقاء بمجتمعه الكبير والصغير مساهما بجدية في البناء الحضاري للأمة لتحتل مكانتها اللائقة بين الأمم.
هل الحج يفعل كل ذلك ؟!
الإجابة نعم وأكثر أنه من أهم وأكثر العبادات التى تحقق قاعدة إعادة ضبط المصنع بلغة أهل الهاي تك. نتجة واضحة وصريحة للحج الخالص الصادق المبرور والتأكيد لا لبس فيه بالوصول إلى نتيجتين رائعتين أكدت عليهما السنة النبوية هما: ليس له ثواب الا الجنة. ورجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه..
واعجب الا يدرك ذلك الباحثون عن مناهج وقواعد ووسائل تساعد في قضية بناء الإنسان. يلهثون وراء مقولات ونظريات معوجة مستقاة من تجارب مريضة ليست سوية ومن مجتمعات مغايرة للمجتمعات المسلمة شكلا ومضموناً ويزعمون ويكابرون بانها تحقق السعادة.. ولا يريد هؤلاء أن ينظروا إلى النتائج على الأرض هل حققت تلك المناهج الغاربة المستغرقة غربا سعادة حتى في مجتمعاتهم..
النتيجة واضحة بل إن كثيرا من الغربيين المنصفين يتجهون حاليا إلى ما قرره الاسلام في قضية بناء الإنسان السوي المتصالح مع نفسه ومجتمعه والآخر ومع ربه ايضا..
ومن يتأمل فلسفة العبادات في الاسلام عموما سيجد أنها تركز أساسا على بناء الإنسان وتقويمه في كل مراحل حياته بل في كل خطواته لحظة بلحظة ليضمن له الحماية والأمان من الانحراف ولا ينتظر الخروج عن جادة الصواب أو حتى وقوع الكارثة ثم يبحث له عن مخرج..
عملية إعادة ضبط المصنع سواء على الفطرة والمنهج الإلهي مستمرة ولا تتوقف ابدا. الأمر واضح في الصلوات الخمس يوميا..أرايتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه خمس مرات في اليوم..هل يبقي ذلك من درنه شيء ؟! سؤال صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة.. فأجابوا بالقطع واليقين :لا يا رسول الله .. فقال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمح الله بهن الخطايا..
بالتأكيد نتحدث هنا عن الأداء الحقيقي والالتزام بالجوهر أما المنافقون والمراءون فمستبعدون لأنهم خارج دائرة العمل الصحيح الصادق.
وكذا الحال في الزكاة الأمر قائم على تطهير النفس وتخليصها من كل معوقات الانطلاق الحقيقي نحو الخير والحب والجمال..
للأسف الشديد يجهل الكثيرون الفلسفة الحقيقية للعبادات عموماً ويركزون فقط على المظاهر والقشور والشكليات دون غوص في المعاني والأهداف وما وراء الأوامر الإلهية والتوجيهات النبوية الشريفة..ولعل هذه الحالة نتيجة طبيعية للحروب على الهوية وزعزعة أسس وقواعد راسخة لدى المسلمين تحديدا ولمحاولات تسطيح الفكر وإضعاف البنيان الثقافي ونشر التفاهة وتعزيز سيطرة الضحالة والتمكين للتافهين وهي أمور كشف عنها بوضوح فلاسفة ومفكرون غربيون في أحاديثهم عن عصر التفاهة والتافهين!!
تسطيح أمور العبادات والدفع بها بعيدا عن مقاصدها السامية جزء من الحرب على الهوية واحداث خلخلة في عملية بناء الإنسان المسلم. وهذا ليس مجرد كلام إنشائي أو محاولة لتبرير ما أو الهروبمن المواجهة.
أعداء الإسلام درسوا جيدا فلسفة العبادات في الاسلام وحددوا مكامن القوة فيها بلا مواربة أو تأويل وقدموا نصائح لقادتهم السياسيين والعسكريين منذ زمن الامبراطوريات إياها
وقالوا إذا أردتم الاختراق والسيطرة على العالم الإسلامي فلابد من القضاء على مكامن وركائز القوة لديهم خاصة فيما يتعلق بالعقيدة والايمان..
وقد حدد المستشرق الألماني شيمتز مكامن تلك القوى في كتابه المشهور الاسلام قوة الغد العالمية وخلص إلى القول بان الغرب لن يستطيع هزيمة المسلمين مادام فيهم الحج والقرآن الكريم..
تخيلوا معي في كل عام يعود من أداء فريضة الحج مايقرب من ثلاثة ملايين مسلم..لو أن نصفهم فقط على اضعف الإيمان حققوا المراد ورجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم ونجحوا في تفعيل وضع إعادة ضبط المصنع .. ترى كيف سيكون حال المسلمين في العالم؟!
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com