يعبر الوعي السياسي في صورته الصحيحة عن إدراك الفرد لما يدور حوله من مجريات أحداث في المجالات المختلفة بشكل متكامل، كما يشمل المعرفة العميقة لحقوقه السياسية فيلتزم بها، وواجباته فيؤديها، كما يدرك بعمق غايات النظام السياسي ومدى اتساقه مع الدستور، ومن ثم يستوعب ما يصدر من قرارات سياسية تحقق مصالح الدولة العليا؛ بالإضافة لفقهه الصحيح للتحديات السياسية التي تواجه الوطن والعالم بأسره؛ فيتمكن من تحليل ما يطرح عليه من قضايا، وفي هذا الخضم تصبح مشاركته السياسية إيجابية فيقوم بالتصويت عبر صناديق الاقتراع، أو التمثيل الانتخابي، أو التعبير عن الرأي من خلال القنوات المشروعة.
وتؤدي الكتائب الإلكترونية دورها المنوط بها في تزييف الوعي السياسي؛ حيث تعمل على تشويه الأطر المعرفية والممارسية والقيمية التي تشكل سياج الثقافة السياسية للدولة، ويتم لك بصورة ممنهجة تستهدف بث الكراهية والعمل على فقد الثقة وإثارة الرأي العام، مع تنامي وتيرة الاحباط لدى الشعب؛ فما تقوم به السلطة السياسية لا ينال القبول والرضا من وجهة نظر الجميع، وبمزيد من الاحتقان تبدأ حالات الامتعاض يتلوها الخروج عن النظام ومحاولات إسقاطه بالطرق السلمية وغير السلمية.
ومن هنا تبدو الرؤية واضحة تجاه ما تنفقه دول أو منظمات أو جماعات على الكتائب الإلكترونية وتمدها بالدعم اللوجستي في الداخل والخارج؛ حيث إن الغاية بالنسبة لهم عظيمة، والفكرة متجذرة في وجدان خرب يملئه الحقد والضغينة؛ فالأمل بالنسبة لهم سقوط أو انهيار نظام الدولة، ثم الانقضاض عليها من قبل فئات ضالة ترى أنها أحق من غيرها في الحكم، وإقامة الخلافة وتنفيذ مخططات صارت بالية.
وتقوم فلسفة عمل الكتائب الإلكترونية على تقزيم إنجازات القيادة السياسية والحكومة معًا، وإظهار الصورة قاتمة لإقناع الداخل قبل الخارج بأن النظام السياسي بات فاقدًا للرشد ولا يستطيع أن يؤدي ما عليه ولا يلبي احتياجات الشعب الأساسية ولا يحقق ماهية الأمن القومي للدولة؛ فيعظم من الأحداث والقضايا قيد اهتمام الرأي العام، ويطمس الحقائق ويزيد من وتيرة نشر الشائعات التي تخلق حالة من الارتباك بين المجتمع.
وآليات تزييف الوعي السياسي من قبل هذه الكتائب تركز على التشكيك بقنوات الدولة الشرعية، حتى ينساق ضعيفي النفوس إلى منابرهم التي ينطلق منها فيض الأكاذيب وصور التحريف والتزييف وقد من الامتهان في تناول الجهود المبذولة؛ فلا يسلط الضوء إلا على مواطن الخلل والاعوجاج؛ فتنتهج سياسة التهويل، وتثار حولها مزيد من الشائعات، ومن ثم يسهل إلقاء الاتهامات في كليتها على رأس النظام.
ويتضاعف نشاط تلك الكتائب عندما يكون هناك واجب وطني يستوجب من المواطن المشاركة الفعالة وفق ماهية الوعي الصحيح المشار إليه سلفًا؛ لكن صورة التشوية التي تظهرها الفئات المستعبدة تشير إلى أنه لا ديمقراطية حقيقية، وأن الحرية لا مكان ولا وجود لها، وأن من يشارك يعد آثمًا من وجهة نظرهم وفي عقيدتهم المشوهة وفكرهم غير الناضج؛ فالمراد إفراغ الحياة السياسية من مضمونها وجعلها خاوية، حتى يتسنى لأصحاب المآرب استكمال مسيرة بث الشائعات والفتن التي تضير بالدولة واستقرارها وتطيح بجهود التنمية والنهضة في ربوع الوطن.
وتزييف الوعي السياسي من قبل الكتائب يقوم على طرائق وأساليب انتقائية منها منهجية الحذف من محتوى مشاهد أو غير مشاهد؛ فيصبح الخبر أو البيان أو القضية مشوهة، كما قد يتم اختيار جزء دون أخر بغرض إضعاف استكمال الصورة في إطارها الصحيح، وهناك التضخيم أو المبالغة في العرض لمشكلة أو قضية تشغل الرأي العام، وسياسة التكرار في العرض بما يؤكد صورة العوار في ذهن المتلقي، ومن ثم يتشكل الإدراك المنقوص.
وعطفًا على ما سبق؛ فتزييف الوعي مبني على تحقيق ماهية الإحباط في النفوس والإحساس بالتهديد والخطر، والتقليل من كل شيء بهدف التأثير المباشر على المعنويات؛ فيتحول الرأي العام من وضعيته المؤيدة للدولة وسياستها ونظامها إلى معارض أو منسحب من المشهد؛ فلا يصطف خلفها ولا يقدم الدعم لإدارتها؛ فقد باتت السلبية شعار المرحلة والانتقاد من المفضلات التي يذهب إليها المغيبين ومشوهي الرؤية والوعي.
ولا ضير من أن تستعين الكتائب الإلكترونية بمقولات وآراء بعض الخبراء المأجورين بغية تعضيد أكاذيبهم والترويج لها في الأذهان وتشويه الواقع وتعتيم الصورة؛ لتظل الأذهان والوجدان في حالة من التشتت والترقب لما ستؤول له الأمور من سيئ لأسوء؛ فلا أمل ولا مجال للتفاؤل في ساحة سياجها الإحباط ومتنفسها التناقض والتعارض.
إنها دون مواربة حرب متكاملة الأركان تقوم بها الكتائب الإلكترونية من أجل تشويه وتزييف الوعي والوصول بالمواطن لحد التشكيك حتى يفقد الثقة بصورة مطلقة، ومن ثم يسعى لزعزعة الاستقرار بكل أسلوب وطريقة مشروعة وغير مشروعة، وهذا مكمن الخطورة التي تستوجب منا أن نحسب لها الحسابات ونعقد من أجلها لمقاصد التي تزيل الأثر الفتاك لتلكما الشرذمة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر