ثمَّة معلومة طالما تداولها الجمهور في العقود الَّتي سبقت ظهور موجات الفضائيَّات الَّتي تتناسل كُلَّ يوم، تقول إنَّ المذيع في حال أخطأ في النُّطق «لُغويًّا»، فإنَّ مبلغًا يتمُّ خصمُه من مرتَّبه الشهري ولا يوجد تساهل في ذلك.
وبسبب الأغلاط اللُّغويَّة الفاضحة والكثيرة الَّتي ترتكبها الغالبيَّة من مذيعات ومذيعي ومُقدِّمي البرامج الحواريَّة، بادر اثنان من المختصِّين في اللُّغة واللذان يمتلكان تجربة واسعة في الإعلام لتأليف كتاب «لُغويَّات ـ للإعلاميِّين والإعلاميَّات» هما، الخبير اللُّغوي الدكتور أحمد كسار الجنابي والإعلامي والكاتب الدكتور عبدالله فرج المرزوقي. وترجع أهمِّية صدور هذا الكتاب لأسباب عدَّة، أهمُّها حاجة الإعلاميَّات والإعلاميِّين «من الجادِّين والحريصين» لمِثل هذا الكتاب. وبِدُونِ شكٍّ، هناك مَن يحرص على أن تكُونَ لُغته سليمة نطقًا وكتابةً، إضافة إلى معرفة الزوايا العلميَّة للُّغة العربيَّة وتبويباتها الرئيسة والفرعيَّة، كما أنَّ الأمواج العاتية من الأغلاط في اللُّغة الَّتي تزخر فيها المنصَّات والمواقع وحتَّى التعليقات والكتابات والاجتهادات تتفوق كثيرًا من حيث الكثرة على السليمة المتعافية، وهذا يُحدث تشويشًا كبيرًا حتَّى عند القادرين على الكتابة والنُّطق السليم؛ لأنَّ كثرة الأغلاط قد تُوحي للبعض أنَّها «سليمة» ولا أريد أن أدخلَ في التفاصيل الَّتي ضمَّتها صفحات الكِتاب الصادر مؤخرًا عن «مؤسَّسة البصائر للدراسات والنشر»، إذ يُمكِن القول إنَّ كُلَّ سطرٍ فيه يحمل معلومات ويرشد القارئ ويسند المختص، لكن لا بُدَّ من ذكر الفصول الرئيسة الَّتي تناولها المؤلِّفان، وبعد المقدِّمة الَّتي تُعَدُّ المفتاح المهمَّ لمحتويات الكِتاب، يتناول الفصل الأوَّل قضيَّة الحروف والأصوات بدءًا بالحروف الشمسيَّة والقمريَّة والترتيب الصوتي للحروف، المخرج الأوَّل الجوف والمخرج الثاني الحلق ثمَّ اللسان والشَّفتان، ثم حروف المعاني وبتفاصيل وشروحات علمية وافية. ويشغل الفصل الأوَّل أكثر من نصف صفحات الكِتاب، ويتناول الكِتاب في الفصل الثاني الألفاظ والكلمات ثم يسلِّط الفصل الثالث الضوء على الفروق اللُّغويَّة، والفصل الرابع جاء بعنوان بالقطري الفصيح.
وفي رأيي أنَّ الكِتاب يتصدَّى لقضيَّة في غاية الأهمِّية، وأنَّه واحدة من المعالجات الضروريَّة للانتهاكات الخطيرة الَّتي تتعرض لها اللُّغة العربيَّة، فقد بذل المؤلِّفان جهودًا بحثيَّة وعلميَّة متميِّزة في المعلومة والتكثيف ومحاولة الوصول بهذا العلاج لجميع طبقات المُجتمع ولم يقتصر على الفئة المتعلمة فقط.
أعتقد أنَّ كليَّات ومعاهد الإعلام في الوطن العربي وتلك الَّتي تدرِّس باللُّغة العربيَّة يجِبُ أن تضعَ نسخًا من الكِتاب في مكتباتها إن لم يكن ضِمْن المناهج التدريسيَّة، كما أنَّ الفضائيَّات والإذاعات بحاجةٍ حقيقة لحثِّ المذيعات والمُذيعين على اقتنائه، ويُفضَّل أن يكُونَ حسابًا في صفحات «السوشيال ميديا» تُنشر فيه باستمرار مقتطفات وفصول من الكِتاب، وقَبل ذلك أن يهتمَّ مَجمع اللُّغة العربيَّة بهذا الجهد المبدع.