بدأ أول أمس العام ١٤٤٦من هجرة رسول الله الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ذلك الحدث العظيم الذي كان نهاية لعهد في تاريخ البشرية كلها أغلقت فيه صفحة وحسابات وآمال ورؤى وبداية لعهد جديد بدأت فيه حسابات مختلفة ورؤى وآمال جديدة.
أما العهد القديم فكان الحصار المطبق على الدين الجديد داخل جدران مكة فلا يسمح له بالتسلل إلى خارجها وآما الآمال التي كانت تتمكن من مشركي مكة في ذلك الوقت فكانت القضاء على هذه الدعوة في مهدها وقتلها تمامًا قبل أن تتسرب إلى خارجها من خلال حصار يقضي عليها. إما بموت اتباعها أو بيأسهم وعودتهم إلى سابق عهدهم من شرك وعبادة أصنام وإما بتقزيم هذه الدعوة وإيقاف نموها وتوسعها حتى تنتهي تمامًا
وعلى الجانب الآخر فقد كانت آمال المؤمنين في تغيير يطرأ على حالهم هذه كبيرة، فهم على يقين بصدق توجههم وعلى يقين بأن نصر الله الذي وعدهم به رسوله صلى اللّه عليه وسلم آت لا محالة رغم ما يحيط بهم من دلائل قلة الأمل ومن حصار لا يبدو فيه شعاع من تغيير ومن قسوة للمشركين لا تعرف رحمة ،فعاش طرفا المعادله على هذه الوتيرة، فمن يراهن على الزمن والحصار المطبق وانتظار يأس المؤمنين ومن يصمد ويصبر أمام أذى لا طاقة لأحد به وينتظر فرجا من الله سبحانه الذي آمن ووعده بنصره .
فلما وصلت الهجرة إلى ذروة نجاحها بوصول النبي صلوات الله وسلامه عليه وصحبه إلى المدينة المنورة تغيرت نفوس الفريقين أي تغيرت آمالهم وحساباتهم توقعاتهم للمستقبل بل وتعاملهم مع التغيير الجديد فيأس أهل مكة من القضاء على سيدنا محمد وصحبه أو بمعنى آخر القضاء على القوة الجديدة التي تكونت في المدينة وأصبح لها من القوة ما يحسب لها الحسابات خاصة بعد نتائج معركة بدر الكبرى، وأصبح تفكير القرشيين مختلفا وتمثل في أن المؤمنين صاروا ندا يحتاج في مواجهته إلى تحزيب القبائل ضدهم ،وان فكرة القضاء على الدعوة انتهت تماما ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أدركت القوى القائمة بالجزيرة العربية وكذلك المحيطة بها تتحسب الحسابات لهذه القوة الجديدة فتعد للقضاء عليها خشية منها بل وتدرس فكرها حيث قام الرو بترجمة ايات من القرآن الكريم للتعرف على حقيقة هذا الدين وهذه القوة ، كما نافق اليهود وكذلك مركز القوة في المدينة هذه القوة الجديدة المناهضة التي تملك من التضحيات ما تستطيع مواجهة ثلاثة اضعافها عددًا وعدة فأما اليهود فدخلوا في اتفاق المدينة أو دستور المدينة فيما سمي صحيفة المدينة أقروا فيه بحق العيش المشترك وبحقوق المواطنة لكل من يعيش بالمدينة بالتالي مسالمة النبي وصحبه كما أقروا المشاركة في الدفاع عن الوطن ” المدينة” وإن كتموا كراهية وبغضا لهذه القوة الجديدة وسعوا للنيل منها في مواطن عدة تناولها القرآن الكريم وانتهت بإجلائهم بعد أن ثبت خيانتهم لما اتفقوا عليه وعاهدوا.
أما مركز القوة بالمدينة التي وجدت نفسها أمام قوة ناهضة لا طاقة لها بها فقد أعلنت الايمان وابطنت الكفر ” المنافقون ” وعاشوا مع اليهود والمشاركون يدبرون المؤامرات ويعلنون غير ذلك بل يخرجون مع النبي صلى الله عليه وسلم لمواجهة أعدائه.
كذلك فإن التفكر لدي المشركين في مفارقة العناد لهذه الدعوة والانصياع للحق اتسعت رقعته وأصبح التبكير باللحق بالنبي صلوات الله وسلامه عليه هم الكثيرين فلم يتوق توافد الناس على المدينة من أهل مكة لإعلان إيمانهم نساء ورجالًا
أما المؤمنون فقد شعروا أن العقبة الكأداء أمام خروج دعوتهم ووصول رسالتهم إلى العالم أجمع قد انتهت تماما وأنهم أمام عهد جديد ليس فيه صبر على الأذى وانما الصبر في ملاقاة أعدائهم إذا هاجموهم والنيل منهم والثبات في مواجهتهم والإعداد لهم ما يحقق ردعهم وعدم التفكير في الاعتداء عليهم كما اتسعت آمالهم في الدعوة إلى دينهم .
كما قام الكثير من القبائل العربية بإبرام المعاهدات مع المسلمين ووالتي تتضمن سلاما متبادلا أو تعاونا عسكريا في مواجهة الأعداء فلم يعد الرسول صلى اللّه عليه وسلم وصحبه وحدهم في مواجهة أعدائهم.
لذا فإن الهجرة كانت تغييرا جذريا في التاريخ والجغرافيا والقوى السياسية في المنطقة.