يقول الكاتب الأمريكي ستيف مارابولي: “الألم هو موجود في الحياة، ولكن العزيمة والأمل يجب أن تكونا أقوى منه”.
كثيرا ممن أوجدتهم الظروف القهرية سواء منهم الأسرية أو الاجتماعية داخل بؤرة من الفقر والبؤس والحرمان علاوة على المرض والتهميش والاقصاء والنسيان، كان مصير هؤلاء إما الانحاراف أو الإدمان على المخدرات وأقراص الهلوسة والخمور وكذا المشروبات الكحولية “كحول الحريق”، ومرات قليلة يقدم اليائسون منهم على عملية الانتحار القسرية لا لشيء سوى لفشلهم الذريع للتأقلم مع الحياة وكذا نتيجة لعدم توفرهم على إي وازع ديني أو قيمي وأخلاقي، لأن الهروب من المشاكل لا يعد حلا البتة، بل هو طريق سيزيد لا محالة من تلك المشاكل تتفاقم يوما بعد يوم إلى درجة أن تصير جبالا من الصعاب لا يمكن ساعتها التعايش معها لايجاد الحلول المناسبة لها فبالأحرى أن يتمكن مثل هؤلاء الزمرة من مواجهتها، حيث يقول الكاتب المصري فرج فودة: “إن أقصر السبل إلى حل المشاكل هو المواجهة والوضوح وقد تكون المواجهة قاسية لكنها أرحم من الهروب وقد يكون الوضوح مؤلماً لكنه أقل ضرراً من التجاهل”.
وبالنسبة لي فقد كادت الحياة أن تجعلني واحدة من هؤلاء الذين سبق لي ذكرهم أعلاه، لولا لطف الله الخفي، وكذا اتصافي بنوع من الوازع الديني الذي لقنني إياه الفقيه “رحال حبشي” منذ نعمومة أظافي مرحلة بداية طفولتي، إذ عشت كل المعاناة، وذقت جميع المرارات، وتجرعت الفقر والمرض والحرمان والاقصاء والتهميش، أيامها لم أجد أبي بجانبي منذ ولادتي، وخلال مرضي لم يعطف علي أحدا لا بالعناية ولا بالرعاية ولا بالتطبيب أو المداواة سوى أمي تلك المرأة المطلقة الفقيرة والبئيسة الحال والمآل.
نعم، لقد عانيت كثيرا إبان مرحلة طفولتي، وفشلت فشلا ذريعا خلال مساري الدراسي الابتدائي والاعدادي، ونتيجة لظروفي الأسرية المزرية قررت التخلي عن الدراسة رغم أن ذلك القرار كان قرارا قد آلم قلبي ومزق كياني لكني كنت مضظرا للتضحية بتعليمي في سبيل البحث عن أي عمل شاق ومضني لكي تستريح أمي من الخدمة لدى الناس في البيوت فهؤلاء يكرمونها وهؤلاء يهينونها في أسوى مشاهد لانحطاط الكرامة الانسانية.
لكني رغم هذا كله، كنت قررت منذ رعياني فترة شبابي بأن أكون شابا جسورا ومقداما، شابا يواجه كل الصعبا ومستعد للموت المفاجئ والأذى المباغث ليقيني التام بأن الحياة لا ترحم الضعفاء أينما كانوا، ولا مكان فيها لذوي الشخصيات المستسلمة والانهزامية، هكذا بدأت أوجه مشاكل الحياة شيئا فشيئا، تارة أجد نفسي صريعا لصدماتها وضرباتها التي توجع بألم كبير ولا ترحم أبدا، وتارة أخرى كنت أجد نفسي أقوى وعصيا على مثل تلك المشاكل إذ كنت أجد لها حلولا متوافقة ومتناسبة وأحيانا أخرى كنت أجد السند في بعض ذوي القلوب الرحيم والمدد من الله الرحمن الرحيم.
هكذا، عشت مرحلة طفولتي التي تلتها مرحلة شبابي إلى حين أن شاء القدر بأن أجد عملا مشرفا ضمن الوظيفة العمومية، التي كان لها الأثر الكبير في تطوير شخصيتي وبلورة تجاربي وصقل مهاراتي ونمو ثقافتي وازدياد معرفتي الأدبية والفكرية، مما خول لي العيش بثبات تام داخل الحياة من خلال نسجي لعلاقات جد متميز مع نخبة من المفكرين والأدباء والباحثين والأساتذة الجامعيين علاوة على الكتاب والشعراء والفنانين التشكيليين والموسيقيين والمسرحيين إلى جانب ثلة من الأبطال والحكام الدوليين والوطنين والمدربين الرياضيين، هذه النخبة جعاتني أشكر تلك الصعاب وأثني على تلك الآلام التي طورتني من إنسان فاشل إلى إنسان قادر على تحقيق النجاح الذاتي والأمل الشخصي.
وللبرهنة على كل ما سبق لي ذكره، قررت تجسيدة كل مراحل حياتي العمرية ضمن سلسلة من الكتب التي هي عبارة عن سيرتي الذاتية التي أحببت أن أتركها لأبنائي بعد مماتي لتكون لهم بمثابة المشعل المنير في حياتهم اليومية المستقبلية التي من شأنها أن تنير طريقهم بالحكمة والموعظة والتجربة الصادقة التي تخللها الصبر وتحمل الصعاب وعدم الضجر أو اليأس والقنوط أبدا.
هذا، وقد عاهدت نفسي وأخذت على عاتقي بأن أجعل من ذات السلسلة الكتبية التي تمثل عن حق سيرتي الذاتية “قصة حياتي الواقعية” هدية لكل الأطفال والشباب ليقتدوا بها خير اقتداء، وليعتبروا بها خير الاعتبار، ولكذا لكي يتشبثول بالأمل المشرق الذي يعقب أي ظلام حالك في الحياة طبقا لقول الله عز وجل “فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا” صدق الله العلي العظيم.