عندما يجبر إنسان على هجر موطنه أو الخروج منه أو مغادرة أرضه؛ فإنه يشعر وكأن روحه تغادر جسده، وأن مرارة الفراق تزداد يومًا تلو الآخر؛ فللوطن مكانة في النفس، ومقدار في القلب، ومتسعٌ في الوجدان، والحياة بعيد عن الموطن دونها الموت؛ لذا بات الحفاظ على الأوطان وصيانة مقدراتها فرض عين، وأولوية مقدمة عما سواها؛ فبدونها تصبح السماوات غريبة لا نأمن تحتها بالاستقرار ولا نتطلع لآمال وطموحات ومستقبل نحقق من خلاله ما نصبوا إليه.
إن محبة الأوطان لا تترجمها الأقوال دون الأفعال، ولا تعبر عنها المشاعر والأحاسيس بعيدًا عن الممارسات؛ لذا صار حب الوطن تترجه تصرفات الفرد الذي تظهر حرصه وخوفه على مقدراته والعمل على حفظها وصيانتها، وعندما يواجه الوطن تهديدًا فإن الإقدام وتقديم ما في المستطاع من محكات الولاء والانتماء لترابه؛ فتتنوع الدفاعات بالقول والفعل وتقدم المساعدات والمساندات بكافة الصور، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تقدم الدماء والأرواح في سبيل حريته.
والتضحية في سبيل الوطن ليست مكتوبة على فئة دون الأخرى؛ لكنها تعم الجميع دون استثناء؛ حيث إن الشعارات الجوفاء التي لا ترتبط بخدمة هذا الوطن بصورة وظيفية لا يعتد بها ولا يعول عليها ولا تمنح الثقة لرافعيها؛ فالحفاظ على الأوطان والذود عنها عبر الخدمة الوطنية بمختلف مسمياتها من ملامح الشرف التي يوسم بها الموطن؛ فالرباط في سبيل الله والوطن خير من الدنيا وما فيها.
ومن مظاهر الحفاظ على الأوطان التي تعد مقومًا من مقومات بنائه ورفعة وعلو شأنه وتقدمه وازدهاره نراها في صيانة مقدراتها وما يتعلق بها من مرافق وثروات مادية عامة وخاصة؛ فتنحو السلوكيات والممارسات تجاه التعمير لا التخريب ونحو سلامة المنشآت لا تخريبها والعبث بها؛ فالفساد والإفساد من أخطر ما تواجهه الأوطان، وتقديم المصلحة الخاصة على العامة معول الهدم ومسبب الإخفاق لا ريب.
إن مسئوليتنا حيال وطننا الغالي تكمن في الحفاظ عليه من كل ما قد يضير به وبمقدراته؛ فلا فارق بين مؤسسات خاصة أو عامة؛ فالمليكة تؤول في النهاية للوطن والمواطن دون شك؛ حيث إن المال العام ملك للجميع، والبيئة تخص الجميع، ناهيك عن سمعة الوطن التي يتوجب علينا أن نصونها ونعلى من شأنه وقدره ومقدراه؛ فلا نتقبل إساءة المغرضين، ولا نأمم على أقاويل الكاذبين، ولا نعضد مفاسد الأشرار والمغرضين؛ فهذا قدر ومسئولية المخلصين.
ومن واجبنا الوطني الذي يتسق مع صحيح العقيدة والمعتقد أن نعمل مجاهدين على الحفاظ بكل قوة ومنعة لصورة الجمال التي وهبها الله عز وجل لأرض المحروسة؛ فنحمي الممتلكات العامة ونصون الخاصة وندحر أي محاولات تستهدف إضعاف العزائم والهمم تجاه العمل والإنتاج، ونتجنب كل صور ومظاهر الإسراف، ونتبع أساليب الترشيد التي تحقق العدالة وتحفظ حقوق الأجيال.
وشهادة حق نصدع بها؛ فنقول إن صورة الشراكة المجتمعية في مصرنا الحبيبة عبر العديد من المبادرات العديدة والمتعددة خير شاهد ودليل على المسئولية التي يتحلى بها شعب مصر العظيم، وقيادته السياسية الرشيدة ومؤسسات الوطن الخاصة منها قبل العامة، إعمالًا بقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ) [المائدة: 2].
نوقن بأن الوطن مسئولية الجميع، ونترجمها بكل إيجابية فنتصدى لكل محاولات العبث بهذا البلد الأمين المحفوظ بإذن ربه، ونحذر كل من تسول له نفسه أو تحدثه أو هامه من انتهاج صور إعاقة حركة الحياة ببلادنا أو التخطيط لمكائد تعطل مسيرة نهضتنا؛ فالمصريون قادرون على التحدي والمواجهة في كل وقت وحين، والتاريخ خير شاهد.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر