أثر الدراما التليفزيونية المصرية على انتشار معدلات العنف السلوکي والجريمة بين الشباب في المجتمع المصري ونظراً لأهمية الدراما في التأثير على سلوكيات المشاهدين وخاصةً الشباب ونظراً لانتشار العديد من مظاهر العنف السلوکي وارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع المصري تم الاهتمام بدراسة أثر الدراما على ارتفاع هذه المعدلات وتتمثل المشكلة الرئيسية للدراسة في انتشار العديد من الأعمال الدرامية الغير هادفة التي أصبحت الأن تقدم نماذج وصوراً كثيرة للانحراف الأخلاقي والعنف السلوکي والتجسيد الکامل للجريمة ،
ويتبلور الهدف العام للدراسة في تحليل المحتوى والمضمون الدرامي للموضوعات والأحداث المتعلقة بالجرائم وممارسة العنف السلوكي في الأعمال الدرامية التليفزيونية المصرية لمعرفة مدى تأثيرها على انتشار معدلات العنف السلوكي والجريمة في المجتمع ،
وقد تم إجراء دراسة استطلاعية على عينة من الشباب عددها 120 مبحوث لتحديد أهم الأعمال الدرامية التي ركز محتواها على تناول الأحداث المتعلقة بالجرائم وممارسة العنف السلوكي والتي عرضت خلال عام 2021 وتم مشاهتها والتعرف على مدى تأثير الأعمال الدرامية المصرية التي يتم مشاهدتها على انتشار معدلات العنف السلوكي والجريمة في المجتمع المصري ،
وفي ضوء ذلک تعد هذه الدراسة من الدراسات الوصفية التي اعتمدت على منهج المسح واستخدمت أداة تحليل المضمون لعينة من الأعمال الدرامية التليفزيونية المصرية والتي تمثلت في مسلسلات ( بنت السلطان – الطاووس – کله بالحب – ضل راجل ) ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة ارتفاع نسب العنف والجريمة والانحراف الأخلاقي في الأعمال الدرامية عينة الدراسة ووجود تأثير کبير للتنشئة الاجتماعية والمحيط الاجتماعي على سلوک الشخصيات الدرامية
فقد شهدت دول عديدة بالمنطقة تقليدًا لبعض أحداث العنف التي تضمنتها الدراما التي تعرض على شاشات بعض وسائل الإعلام، سواء كانت دراما محلية أو عالمية، بشكل بات يثير استياءً واضحًا بسبب تدني مستوى المحتوى الدرامي، وسعى القائمين على إنتاج هذا النوع من الدراما إلى تحقيق أرباح سريعة، بدعوى أن هذه الأعمال ذات جماهيرية عالية، وشعبيتها في بعض المجتمعات تفوق الحملات التي يشنها النقاد والمثقفون ضدها.
وبعبارة أخرى، فإن تعمد منتجي هذه النوعية من الدراما تسليط الأضواء على القضايا ذات الطابع الجنائي، على غرار الإتجار بالمخدرات والإدمان وتهريب الأسلحة والخروج على القانون وعلى تضمين تلك الأعمال أكبر قدر من مشاهد العنف الجسدي واللفظي، يهدف إلى استقطاب بعض الفئات الاجتماعية، لا سيما الشباب والأطفال، لمشاهدة تلك الأعمال، بالتوازي مع عدم الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تساعد في تنمية الوعي المجتمعي والأخلاقي لدى تلك الفئات.
شهدت مصر في الفترة الأخيرة جرائم قتل بشعة تتسم بقدر غير مسبوق من العنف والوحشية، وهو أمر غريب على المجتمع المصري، ويثير تساؤلات بشأن العوامل التي تسهم في زيادة حوادث العنف والقتل في المجتمع، وليست أعمال الدراما بعيدة عن هذه التساؤلات.
وشهدت مصر في الفترة الأخيرة حوادث عنف وحشية،. ويرى البعض إن نسبة جرائم العنف في الأعمال الدرامية والسينمائية بشكل عام تزايدت في الفترة الأخيرة، مما قد يلقي باللوم على صناع هذه الأعمال وأبطالها في نشر العنف في المجتمع. وقد بلغ الأمر حد اعتماد بعض نجوم التمثيل في مصر على العنف كوسيلة لتحقيق الشهرة، بغض النظر عما إذا كانت مشاهد العنف موظفة لخدمة الدراما والمحتوى الفني أم مقحمة على الأعمال بهدف إحداث ضجة على نطاق واسع.
لماذا نلوم الدراما وحدها؟
لكن هل أعمال الدراما وحدها المتهمة بالترويج للعنف، أم أنها تنقل صورة حقيقية لما يحدث بالفعل في المجتمع من أعمال عنف، وتحذر منها؟
وعلى مدار سنوات عدة، سيطرت على الساحة أعمال درامية ذات طابع عنيف، استخدم العنف فيها من قبل صناعها كوسيلة لتحقيق نجاح جماهيري في الموسم الأكبر للدراما المصرية في شهر رمضان.
أن للدراما دورا كبيرا ومؤثرا للغاية في تشكيل ملامح السلوك الجمعي للمجتمع، خاصة بين فئات معينة. “الدراما لها أثر كبير في المجتمع، خاصة في الفئات الأقل تعليما وثقافة؛ لأن أفرادها ليس لديهم القدرة على معارضة ما يرونه في الأعمال الدرامية، على عكس من يتمتعون بمستويات مرتفعة من التعليم ولديهم الكثير من الوعي الذي يمكنهم من مناقشة ما تطرحه الأعمال الدرامية”.”لا يمكن تحميل الفن وحده مسؤولية نشر العنف لأن ذلك هو الحل الأسهل لتحميل كل ما يشهده المجتمع من عنف على شماعة الدراما”.
أن “أغلب الدراسات التي أُجريت في هذا الشأن ترجح أن التأثر بالعنف الذي تنطوي عليه الدراما وترجمته إلى عنف في المجتمع الحقيقي غالبا ما يكون بين الأطفال وعلى المدى القصير…”. إن “العنف قد ينتقل من الدراما إلى سلوك الناس في المجتمع عن طريق آلية المحاكاة، وهو ما يلقي الضوء على أهمية دور الآباء والأمهات في تهيئة الأطفال وتزويدهم بمهارات التحليل والنقد التي يمكنهم من خلالها التفريق بين الواقع والخيال، وتقييم ما يعرض عليهم من محتوى درامي، وتقبل ما هو صحيح منه ورفض ما يتناقض مع قيم المجتمع داخل العمل الدرامي”.
أحلام المجتمع وعلاج مشكلاته
أن الدراما المصرية كانت رائدة في المنطقة العربية وكانت لها أثر كبير في المجتمع من خلال الرسائل التي كانت تتبناها والتي كانت تحاول دائما ربط الناس بالمجتمع وأهدافه. “كانت الدراما الأمريكية، والأعمال الفنية في الولايات المتحدة تستهدف في المقام الأول ربط الناس بالحلم الأمريكي، وهو ما يتضح من خلال أعمال درامية وسينمائية كثيرة علاوة على كتب ومؤلفات لها نفس الهدف أيضا”.
“الدراما المصرية فقدت الريادة نظرا لتغيرات سياسية واقتصادية مثل إطلاق سياسات الانفتاح الاقتصادي التي وضعت رأس المال في أيدي فئات جديدة أعادت صياغة المحتوى الدرامي ليتناسب مع أهدافها”، وهو ما نتج عنه ما قالت عنه زكريا إنه “تجفيف لوسائل التجانس الاجتماعي”.
وسيطرت مشاهد العنف على كثير من الأعمال الدرامية في الفترة الأخيرة، ويكاد يكون موضوعها الرئيسي، الذي يعتمد على الظلم والانتقام، من الموضوعات الثابتة في الوجبة الدرامية التي يحصل عليها المصريون في شهر رمضان تحديدا، وقد ارتبطت تلك الأعمال الدرامية في الفترة الأخيرة بعدد من نجوم الفن في مصر،
أن ذلك التحول أدى إلى نقض الاتفاق المجتمعي على القضايا المتعارف عليها، من قيم وأخلاقيات وصواب وخطأ، قائلة: “عندما كنا نتحدث عن حق المواطن المصري في دراما أخلاقية تحض على الالتزام بالقيم، كنا نواجه الكثير من الانتقادات من جانب الكثير من نجوم الفن والدراما، حتى أن أحدهم وصف لجنة الدراما ذات مرة بالفاشية، مما أدى إلى استقالة المخرج الكبير محمد فاضل من رئاسة اللجنة احتجاجا على ذلك الوصف”.
وتبقى الدراما في دائرة الاتهام من حين لآخر، وخاصة مع ظهور قضية من قضايا العنف المجتمعي أو حوادث اجتماعية من تلك التي تثير ضجة وجدلا في مصر.
ويظل الخلاف قائما حول ما إذا كانت الأعمال الدرامية تزيد من نسبة جرائم العنف في المجتمع أو تجسد الواقع الحقيقي الذي يعيشه أفراد هذا المجتمع.
قدمت أعمال الدراما في بعض الدول، خلال السنوات الماضية، نماذج عدة لأشخاص يمارسون العنف أو يقعون ضحية له، بشكل دفع بعض الأطفال والمراهقين إلى محاولة تقليدهم، فانتشرت حوادث الانتحار لأطفال أفاد ذووهم بأنهم كانوا يحاولون تقليد أبطال بعض المسلسلات. وقد أجريت دراسات عديدة أشارت إلى أن هناك علاقة طردية بين تعرض الأطفال تحديدًا لمشاهد العنف في الأعمال الدرامية وبين سلوكياتهم الاجتماعية، التي تتسم بطابع عنيف في بعض الأحيان. كما احتوت بعض الأعمال الدرامية على كم كبير من مشاهد العنف ضد بعض الفئات المجتمعية، وهو ما بدأت اتجاهات عديدة في التحذير منه،.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا