في 20 أكتوبر 1979 التحقت بنادي المسرح المصري الذي أسسته الفنانة القديرة السيدة سميحة أيوب، حيث كانت تشغل آنذاك منصب مديرة المسرح القومي بالقاهرة.
استهدف النادي نشر الثقافة المسرحية الجادة بين الشباب، فضلا عن توفير فرص حقيقة ليشبع الموهوبون منهم مهاراتهم في فنون الكتابة والتمثيل والإخراج إلى آخره.
ولأن الفكرة نبيلة، فقد شارك مع السيدة سميحة في تأسيس هذا النادي كوكبة معتبرة من رجالات المسرح في مصر أذكر منهم بكل توقير الأساتذة والدكاترة الأفاضل:
نبيل منيب وفوزي فهمي وسمير سرحان وأسامة أبوطالب وعبدالغفار عودة ومرسي نويشي وصفوت شعلان والفنان التشكيلي حسن درويش المسؤول عن إخراج مجلة المسرح التي كان يصدرها النادي.
المهم… تلقينا، نحن الشباب الشغوف بفنون المسرح، العديد من المحاضرات والتدريبات الخاصة بفنون التمثيل والإخراج والديكور،
وكنا نلتقي كل مساء تقريبًا في إحدى قاعات المسرح القومي لنتدرب أو نستمع إلى محاضرات هؤلاء الكبار، وقد سمحت لنا السيدة سميحة باستخدام تلك القاعات بوصفها مدير عام ذلك المسرح.
في تلك الفترة كنت أغادر كلية الفنون الجميلة بالزمالك في حدود الرابعة عصرًا، إذ كنت طالبًا في السنة الأولى، لأتوجه نحو ميدان العتبة، حيث المسرح القومي، وأنتظر موعد المحاضرات والتدريبات.
وخلال أشهر عديدة تكونت صداقة عميقة بيني وبين خشبة المسرح وصالته ومقاعده وجدرانه ومعماره الجميل وبعض العاملين فيه. وكان من ضمن أولئك العاملين الرجل المسؤول عن غرفة الملابس. وما أدراك ما غرفة الملابس في المسرح القومي؟.
تكرم هذا الرجل مشكورًا واستجاب لشغفي الشديد للاطلاع على محتويات هذه الغرفة التاريخية. وهكذا وجدتني أدخل قاعة ضخمة تزدان حوائطها بأزياء وملابس عجيبة تفوح منها روائح التاريخ العامر للمسرح. ومضى الرجل يشرح لي:
هذه ملابس جورج بك أبيض وهو يلعب دور لويس الحادي عشر، وتلك ملابس يوسف بك وهبي وهو في دور راسبوتين، وذاك فستان السيدة روزاليوسف وهي تؤدي دور كذا،
وفستان آخر ارتدته السيدة فاطمة رشدي في مسرحية كذا، أما هذا الفستان فتزينت به السيدة أمينة رزق وهي تقوم بدور كذا، وأما هذا السروال العجيب فكان من نصيب حسين رياض وهو يجسّد شخصية كذا…
وهكذا مضى مسؤول غرفة الملابس يعدد لي الفساتين والبدل والسروايل ذاكرًا أسماء النجوم الذين تركوا روائح أجسادهم الطيبة وأرواحهم الطاهرة عالقة فيها.
أجل… تأسس هذا المسرح عام 1869 بقرار من الخديو إسماعيل، وظل أهم مسارح القاهرة بامتداد أكثر من قرن ونصف القرن،
وقد تألق على خشبته التاريخية الرواد الأوائل من نجوم التمثيل والغناء والموسيقى في مصر، فارتدوا ملابس تاريخية وعصرية متنوعة وفقا لطبيعة الأدوار التي يتقمصونها.
والسؤال… هل مازالت غرفة الملابس بكنوزها العجيبة موجودة؟ وهل يتم حفظ هذه الملابس بأسلوب علمي؟ ولماذا لا ننشئ متحفا لملابس نجومنا العظام وهم يتقمصون أهم الأدوار؟.
نسيت أن أخبرك أنني دفعت أربعة جنيهات فقط قيمة الاشتراك السنوي في نادي المسرح!
يوسف وهبي يرتدي ملابس الكاردينال في مسرحية (كرسي الاعتراف).