من المعروف خطورة التفكير النمطى، الذى يعتمد على أفكار مسبقة جاهزة لتفسير الأمور وإصدار الأحكام المطلقة، مما يؤدى لأخطاء فادحة لأنها غير صحيحة لافى المنطلقات ولا فى النتائج!. نحن كعرب ومسلمين نتعرض لأسوأ درجة من التفكير النمطى التى ترسخت فى الذهن الغربى وتستخدمها دولة الاحتلال الإسرائيلى فى غزة لتبرير أسوأ حملة إبادة وتهجير قسرى فى العصر الحديث!.
التفكير النمطى من حيث المبدأ ضرورى فى حياتنا للمساعدة فى سرعة اتخاذ القرارات، إنه يعتمد على الاستفادة من التجارب والخبرات المكتسبة فى مجال العمل اليدوى والمهن وأيضا التعاملات، ولكنه يتحول إلى فخ خطير عندما يرسخ التنميط فى الفكر والثقافة فى طبع صور معممة مطلقة (stereotype) يتم الاعتقاد إنها مضادة للتغير، وتوجد توقعات متحيزة عما يفكر وكيف يتصرف الآخرون، بناء على اللون أو الجنس أو العقيدة، لقد تم التلاعب بمجتمعاتنا العربية الهشة، حديثة العهد بالحداثة، وتم تمويل تيار بعينه ليتصدر المشهد الدينى الإسلامى، غارقا فى الماضوية والجمود على حساب التأويلات العقلانية الموائمة للمقاصد الدينية، وتضع «الزمكان» فى الاعتبار عند التفسير والإرشاد، كما يجرى حاليا عندما يتصدر المشهد حاليا شيوخ الأزهر، الراسخون فى العلم الدينى وعلى دراية بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، ويعطون صورة إيجابية متحضرة للفكر الإسلامى المتعايش والمحترم للآخر، ذلك للحفاظ على الجوهر الأخلاقى اللازم لكل فكرة، فعندما يتم نزعه منها يسهل ضربها والتخلص منها، وهو ما تتحجج به حكومة (نيتانياهو) فى ضرب أطفال ونساء وشيوخ غزة، و يتذرع بصورة الإرهاب التى تم تزييفها للمسلمين!. خطورة الصورة النمطية انها تقمع التفكير الحر المنطقى وتتبنى طرقا محددة سلفا تناسب الصورة المسبقة، بصرف النظر عن الحقيقة ولا عن الكوارث، الإنسانية الناتجة عنها. الإنسان فى الحقيقة محكوم بعالم الصور التى يكونها عقله للعالم المحيط به ،فهو يترجم الأشياء إلى صور ذهنية تحكم تفكيره وتحرك مشاعره، لذا مازالت مقولة سقراط، أبو الفلاسفة حية، وهى اعرف نفسك بنفسك، فالنفس هى المدركة للحقائق والأشياء، بل إن الفيلسوف الإنجليزى القس (باركلي) تقوم فلسفته على أن الوجود إدراك! فالأشياء توجد لاننا ندركها، وتعدم من الوجود بعدم وجود من يدركها، فالنفس هى الروح الفاعلة التى تدرك الأفكار والمعانى، وتختلف الصور الذهنية تبعا للنفوس المدركة لها، وصراع الناس ما هو إلا صراع للصور التى تصورها نفوسهم عن العالم، خاصة عندما تتحول صورهم إلى صور نمطية مضادة للتغير، وهو مغاير للطبيعة البشرية التى تكون الصور باستمرار مع حركة الزمن الذى لا يتوقف عن الحركة والتغير، ولا يبقى شيء على حاله! فحياة الصور فى التغير الدائم فى تيار الزمن، فلا يعتمد عاقل على صورة ثابتة لفرد أو أمة أو جنس!. العالم ليس إلا صورا ذهنية، فهو عالم من الرموز للأشياء تشكل الدوافع الشعورية للإحساس المباشر، والصورة النمطية تلغى الإرادة النفسية لإدراك صور حقيقية موضوعية أقرب للواقع والأشياء التى تستقبلها، وتؤدى لفهم قسرى يثير مشاعر وانفعالات كاذبة، ونراها واضحة فى طبيعة الشخصيات المتفائلة والأخرى المتشائمة.
الصراع الآن صراع صور فمن المستحيل تزييف دائم للحقائق، إما بالتشويه أو بالتجميل، فمحاولة تجميل الوجه القبيح لدولة الاحتلال الاسرائيلى ورئيس وزرائها فى الكونجرس الأمريكى، ما هى إلا فضيحة تكشف تمكن اللوبيات الصهيونية فى أمريكا، وهذه النوعية من الاجتماع على دعم الظلم والعدوان ومحاولة اختلاق صورة بطولية بسحق الضعفاء، هى ما انجبت من قبل صورة نيرون وكاليجولا وهولاكو، وغيرهم من قادة أغراهم وهم القوة بالبطولة المزيفة، ووجدوا منتفعين يجملون صورتهم القبيحة، وترتد عليهم بارتفاع الأصوات الموضوعية فى أمريكا وبين اليهود أنفسهم تستنكر سيطرة الصهيونية على القرار الأمريكى، لتسير فى اتجاه مغاير للقيم الأمريكية التى تتباهى بها على العالم، وبها ترسم صورة للحلم الأمريكى لا تبارى، إلا أن هذا الدعم للعدوان يخلخل صورتها أمام العالم كله ومؤسساته الدولية المحايدة!.
الأمل ينعقد على الصورة التى تعكس الواقع بلا تزييف من هيمنة القوة الغاشمة، فلن تستطيع آى قوة ولا آى تطور تغيير النفس البشرية، لتتخلى عن طبيعتها فى ادراك العالم، وفق ما بثه الله فيها من معان انسانية، فالنفس لانعرفها إلا بالمعنى الموجود بها، ليدرك ويحس ويكون الصور التى تحركها وتثير مشاعرها، وهو ما يحرك العالم العاجز عن منع المجازر، ويثير الطلبة فى الجامعات الأمريكية، ويخرج المظاهرات العفوية ضد الساسة الانتهازيين، وتجعل المغنى الأيرلندى (سيث ستاتون واتكنز) يصدح بصوته الشجى يافلسطين، والمراسل العسكرى الامريكى (كريس هيدجيز) يبكى وهو يلقى قصيدته عن الضحايا الابرياء، ويلعن عضو البرلمان الأيرلندى (توماس جولد) نيتانياهو وحكومته ليذهبوا للجحيم، فمن تحرر من منافع اللوبى الصهيونى فاز واحتفظ بإنسانيته، فكما يقول المسيح ماذا تكسب إن كسبت العالم وخسرت نفسك!.
فى السجون الإسرائيلية الآلاف من الشباب الذين دخلوها أبطالا لكمال وجمال الأجسام، وأصبحوا هياكل بشرية من سوء المعاملة والتعذيب الممنهج، ليكونوا عبرة للكف عند المقاومة، إلا أن الشعب الفلسطينى أكثر تحضرا من جلاديه، فيحافظ على أعلى المعدلات للالتحاق بالمدارس والجامعات، رغم ظروف الاحتلال الغاشم الذى يكيده صورة الفلسطينى المتعلم المتحضر التى تنفى الصورة التى يراد بها خداع العالم، للفلسطينى والمسلم الهمجى الإرهابى! وأصبح السؤال لماذا لا تنتهى دولة الفصل العنصرى كما انتهى غيرها؟ أعتقد أن الافتقار للصور الايجابية فى الخيال السياسى مع الدعم الامريكى المطلق، يغرى الاحتلال بالاستمرار فى القتل إلى مالا نهاية بلا حل إلا القتل! فالقوة الغاشمة لاتمنع المقاومة بل تزيدها اشتعالا، وصور الضحايا اقوى تأثيرا فى النفوس من صور الأساطير الصهيونية!. حياة الصور تتوقف على الإنسان المتفائل فى أحلك الظروف فيرى الضوء فى آخر النفق بالصبر والأمل ولعلهم يتبعون خطى المناضل الإفريقى (مانديلا) الذى عانى من قبل ما يعانونه الآن فكان يقول: إننى متفائل حتى النخاع ومن التفاؤل أن تظل شاخصا بصرك نحو الشمس، متقدما ببصرك نحو الأمام، لم أستسلم أبدا لليأس، لم تطاوعنى نفسى أبدا على ذلك فذلك السبيل يورث الفشل والموت!.