منذ فترة ليست بالقصيرة بدا واضحًا لأكثر المتابعين أن اختراقًا استخباريًا شديدًا تعاني منه جبهة الإسناد في لبنان بسبب كثرة عمليات الاغتيالات للقادة المؤثرين في الحرب هناك، وكانت الطامة الكبرى في ثلاث عمليات متتالية .وصف حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني العمليتين الاوليين بأنهما ضربة كبيرة حيث تم تفجير أربع آلاف من أجهزة “البيجر” التي يستخدمها القادة في حزب الله في لحظة واحدة الأمر الذي أسقط الكثيرين من المدنيين والأطفال والعسكريين بين شهيد وجريح ثم تم تفجير اللاسلكي الذي لجأ إليه أعضاء الحزب بعد التخلص من “البيجر ” وكان ذلك يومي الثلاثاء والاربعاء ١٧ و١٧ /٩ / ٢٠٢٤ م ولم يكد يمر يوم حتى تم استهداف عشرين من القادة الكبار للحزب في اجتماع من المفترض أنه سري.
وفضلًا عما تتصوره إسرائيل أنها قادرة على إسكات المقاومة وجبهات الإسناد بمثل هذه الأعمال الوحشية لتتصرف بعد ذلك كما تشاء وتملي على الجميع أوامرها ،وفضلا أيضا عن فشل هذا التصور حتى الآن . إلا أن ما حدث لا يجوز أن يمر لا على رجال المقاومة وجبهات الإسناد فقط وإنما على جميع من يهمه الأمر في المنطقة.
أولا : فعودة إلى الخلف قليلا فإن المتأمل يخامره الشك في طرق القتل للقادة السابقين مثل اسماعيل هنية في إيران وغيره في لبنان مثلا كما ذكر زميلنا الكاتب الصحفي فراج اسماعيل في مقال له
ثانيا: كإجراء سريع، على الدول التي تتوقع خطرًا يأتيها من قبل أسرائيل بل والتي لا تتوقع أن تعيد النظر في وسائل اتصالات القادة والمسئولين المنوط بهم التعامل في مثل هذه الأمور فالعاقل من اعتبر بغيره كما يقول الشاعر:
وأغزر الناس عقلًا من إذا نظرت
عيناه أمرًا غدا بالغير معتبرا
وقد سبق أن علم العالم العربي كله أن الرئيس القذافي تم قتله من خلال معرفة مكانه بواسطة تليفون محمول كان يستخدمه ويعتمد على الأقمار الصناعية ،فقام من يريدون قتله بتوجيه القتلة إلى مكانه.
ثالثا :على الدول المهتمة أن تدرك أن التكنولوجيا التي تنتج خارجها شديدة الخطر عليها وعلى أمنها القومي وعلى مجتمعها لأنها لا تعلم فيما يمكن استخدام مثل هذه التكنولوجيا ضدها خاصة فيما يتعلق بتكنولوجيا التوجيه من بعد .ولا تعلم من صنع ومن باع ومن استغل ومن أعد العدة للمستقبل، وبالتالي فالحل أن يتم إنتاج مثل هذه الوسائل محليا وفي مصانع تسيطر عليها أجهزة مسؤولة تعرف كيف تحترز ويحتاط . إذن فالعلم والتعليم باب من يريد حماية نفسه
رابعا : ورغم ما جاء في قرار مجلس الأمن من قرارات في صالح الحق الفلسطيني ألا أنه تأكد أن القانون الدولي الذي أشار إليه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان “فولكر تورك” في كلمته بمجلس الأمن أثناء مناقشة الاعتداء على لبنان من خلال تفجير البيجر لا شأن لاسرائيل به مثل كل القرارات السابقة التي لم تعبأ بها . فقد جاء في كلمة مفوض الأمم المتحدة : إن “القانون الدولي يحظر “تفخيخ” أجهزة مدنية الطابع. واعتبر أن “ارتكاب أعمال عنف تهدف إلى نشر الرعب بين المدنيين يعد جريمة حرب”، مضيفا أن “الحرب لها قواعد”، داعًا إلى إجراء تحقيق “مستقل ودقيق وشفاف”. مضيفا “إن استهداف آلاف الأفراد بشكل متزامن، سواء كانوا مدنيين أو أعضاء في جماعات مسلحة، دون معرفة من يحمل الأجهزة المعنية وموقعهم وبيئتهم وقت الهجوم، ينتهك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي حيثما ينطبق”.
خامسا : مازالت أمريكا مؤمنة بمنهجها القديم في التعامل مع القضايا ومع الحقوق الواضحة فقبيل حرب يونية ١٩٦٧م أعلنت أنها ستقف مع أسرائيل وتدافع عنها فلما اجتاحت أسرائيل – بدعم عسكري واستخبارتي وخداعي امريكي -الدول العربية أعلنت حيادها تجاه ما يحدث وطالبت بضبط النفس وهكذا .فبينما تتزايد أعداد ضحايا الجريمة البشعة التي ارتكبتها إسرائيل من خلال تفجير أجهزة مدنية وقتلها قادة في حزب الله في غارة أخرى يعلن الرئيس الأمريكي أنه يسعى لإعادة السكان الاسرائيليين واللبنانيين إلى مناطقهم على طرفي الجبهة في الوقت التي تعود البوارج الأمريكية إلى الشرق الأوسط لإرهاب دوله ولا يتوقف وزير خارجيته من الحديث عن قرب إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب وهو في الحقيقة يسعى لأيام المواطنيين الأمريكان والإسرائيليون- بذلك لتأخذ إسرائيل وقتها في إتمام الإبادة الجماعية للفلسطينيين