إن محاولات إسقاط الدول من خلال الآليات الممنهجة التي تقوم على نشر الفوضى والتأثير على الرأي العام بمزيد من إثارة البلبلة التي تستهدف زعزعة الاستقرار وتفكيك النسيج الوطني أمر تهتم به جماعات ودول بعينها؛ حيث أضحت الشائعات في عالمنا الافتراضي ممولة ومدعومة من كتائب مدربة على نشرها واستخدام الطرائق المبتكرة في وصولها للفئات المستهدفة.وإذا ما سلطنا الضوء على ماهية الرأي العام نجد أنه يُعبر عن معتقد أو فكرة الشعب عن قضية ما تُسلط وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة الضوء عليها، ومن ثم تخرج التصريحات لتعبر عن وجهة النظر في صورتها العامة عن تلك القضية المثارة، وهنا تؤدي الشائعات الممولة والمغرضة دورًا واضحًا في تضليل الرأي العام.وعلينا أن نوقن بأن الشائعات الممولة تقوم على خططٍ واستراتيجياتٍ مدروسةٍ جيدًا وتتبناها دولٌ خارجيةٌ أو جماعاتٌ لها أجنداتٌ خاصةٌ؛ حيث تستهدف بصورةٍ صريحةٍ معنويات الشعوب كونها تعد أحد أسلحة الحروب النفسية؛ كي تخرج هذه الشعوب عن أنظمتها وتهدم مؤسساتها الوطنية؛ نتيجةً للاحتقان الذي سببته الشائعات الممولة على المدى القريب والبعيد.وتعالوا بنا نطالع الأثر المدمر للشائعات الممولة التي ساهمت بقوة في تغيير سياسات الدول مما أدى لانهيارها عبر فكرة النزاع والصراع الذي لا نهاية له، كونه مدعومًا لوجستيًا بصورة مستدامة، وفي خضم ذلك نجد أن دولًا بعينها حرصت على رعاية وتمويل الشائعات المغرضة والتخطيط لها بصورة ممنهجة؛ لتحقق الغايات والمآرب التي تعجز أن تنجزها الحروب العسكرية، ومن ثم تؤثر على الأمن القومي لدول أخرى.وبالطبع نرصد تبعات غير محمودة جراء الأثر الهدام للشائعات الممولة المغرضة على المجتمعات المستهدفة؛ حيث السعي إلى إيقاف قطار النهضة بإضعاف مسارات التنمية المستدامة لهذه المجتمعات خاصة في الجانب الاقتصادي، والحد من كفاءة استثمار الطاقات البشرية، من خلال العمل على تزايد مستوى الإحباط والانكسار لدى شباب الأوطان؛ كي تصل لغايتها الكبرى والمتمثلة في إسقاط أنظمة مستقرة.ومن المداخل التي تتبناها الكتائب الممولة التي تعمل على بث الشائعات المغرضة أنها تنتهج استراتيجيات تقوم على التشكيك، إذا ما ظهرت قضية على السطح شابها الغموض في بعض جوانبها؛ حيث تبادر بضخ مزيد من المعلومات المغلوطة التي تحمل في طياتها الشائعات المسمومة التي يتلقفها من لا يمتلك الوعي الصحيح، ومن ثم يخضع هواه ورغبته لما جاءت به هذه الشائعات التي حلت بكل سهولة مكان الحقيقة الغائبة عن المشهد.وهنا نتذكر نصائح وتوجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي دومًا يؤكد على ضرورة إعلام الشعب بالحقيقة في كافة الملفات التي تتعلق باهتمامات الرأي العام؛ كي لا ينساق البعض وراء الشائعات ويتحصل على ما يلبي احتاجه للمعرفة من مصادر تنشر وتروج للشائعات على مدار الساعة عبر الأبواق والمنابر الممولة.ومن الأسباب التي تساعد في نشر وذيوع الشائعات المغرضة في ربوع الوطن أن مروجيها يستغلون الفئات التي لا تمتلك الثقافة الكافية التي تشكل صورة الوعي الصحيح الذي يعد منعة أو سياجًا حاميًا ضد تقبل الشائعات الخبيثة، وللأسف هناك من يستقبل هذه الشائعات ويصدقها ويتبادلها مع الغير بوسائل وبطرائق أضحت ميسرة، مما يعمل على مزيد من الانتشار السريع لها، وهذا بالطبع يؤدي لتزايد حالة القلق بصورة مفرطة لدى العامة على وجه الخصوص.ومن الصعب أن ننكر أو نتغافل أو نتجاهل قوة تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الرأي العام، ومن ثم تستغل الكتائب الإلكترونية الممولة تلك المنابر بصورة جيدة لتحدث الأثر السلبي في نفوس رواد التواصل الاجتماعي، وتساهم في تكوين رأي عام عبر الفضاء المفتوح لتتكون اللجان التي تعمل على تشويه الصورة الذهنية لدى المتلقي، وتزيد من بث الفتن والاحباطات المتتالية لدى من يتابع المنابر الخبيثة المنتشرة على صفحات المواقع الاجتماعي.وفي ضوء ما تقدم فإننا نعي خطورة مواقع التواصل الاجتماعي التي ينتشر عبرها الأخبار والمعلومات غير الصحيحة والافتراءات والأكاذيب التي تصل لأكثر من نصف سكان الكرة الأرضية في وقتٍ قياسيٍ من خلال الفضاء الرقمي، وما علينا إلا أن نذكر بأهمية تنمية الوعي الصحيح من خلال غرس النسق القيمي النبيل لمجتمعنا المصري؛ فهو السبيل الوحيد الذي يحفظ الفرد من الشائعات المغرضة، ويجعله يتحرى الصدق فيما يقوله أو يتلقاه؛ حيث يدرك تمامًا خطورة الكلمة وقيمة فضيلة الصدق، ويجرم الكذب والافتراء والتقول دون سندٍ صحيحٍ.وعلينا أن نذكر مرارًا وتكرارًا بشأن أهمية تدشين وتفعيل برامج توعويةٍ وتثقيفيةٍ من خلال المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية تستهدف توعية قطاعٍ كبيرٍ بالمجتمع تجاه خطورة الشائعات بتنوعاتها المختلفة، وتوضح الغايات الهدامة التي يسعى مروجوها لتحقيقها بصورةٍ متواصلةٍ عبر العديد من الوسائل التقنية، مع عرضٍ للاستراتيجيات والطرائق المستخدمة في نشر الشائعات التي تحدث الأثر النفسي البالغ لدى الفئة المستهدفة والتي قد تشمل المجتمع كله.كما ينبغي أن تتناول هذه البرامج التوعويةٍ والتثقيفيةٍ تعريف الفرد بالتوظيف الصحيح والآمن للتقنية؛ بغية الاستفادة القصوى منها وتجنب سلبياتها وخاصةً ما يرتبط بالفكر المشوه أو المنحرف الناتج من جماعات الظلام، ولتتكون في نفوسنا النقية القناعة بأن الأمم تبنى بالوعي السليم، والإرادة القوية، والعمل الجاد المتواصل؛ لتتحقق النهضة المنشودة بعيدًا عن الشائعات المغرضة والشعارات الزائفة التي تدعوا لهدم كيان الدولة وتدميرها، والقضاء على مستقبل أبنائنا.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس