فى الحادى والعشرين من أكتوبر عام 1967 حققت القوات المصرية أغلى انتصاراتها فى العصر الحديث, يوم أغرقت أكبر قطعة فى الأسطول الإسرائيلى المدمرة إيلات, أمام سواحل بورسعيد فى أهم معركة بحرية فى التاريخ, والتى غيرت الكثير من المفاهيم, سواء فى التسليح أو التكتيكات البحرية, واستشهد على عظمة هذا الحدث بكلمات المقدم بحرى إسرائيلى إسحاق شوشان قائد المدمرة إيلات فى كتابه بعنوان”الرحلة الأخيرة للمدمرة إيلات” والذى حاول فى هذا الكتاب أن يلقى اللوم على المخابرات الاإسرائيلية التى كانت السبب فى إغراق المدمرة التى ترقد الآن فى قاع البحر الأبيض المتوسط أمام سواحل بورسعيد.
يقول المقدم شوشان فى كتابه عن اللحظات الأخيرة للمدمرة
إيلات يوم 21 أكتوبر عام 1967 :عندما اقتربت المدمرة من شاطىء بورسعيد, صعدت إلى السطح لكى أتطلع إلى المدينة, كانت الشمس تغرب فى الأفق خلف مدينة بورسعيد, وبدأت الأضواء تضىء مبانى المدينة, وفجأة سمعت صراخ ضابط الرادار بأن صاروخا يقترب من المدمرة أطلق علينا من اتجاه مدينة بورسعيد, فرفعت المنظار, ورأيت الصاروخ يقترب من المدمرة, مخلفا وراءه ذيلا أسود ليصيب المدمرة فى ثوان قليلة تسبب فى ميلها حتى بدأت المياه تتسرب إليها من الجانب, فإذا بى أتلقى خبر إصابتها بالصاروخ الثانى من الجانب الآخر, ورأيت المدخنة تتهاوى ومعها منصة إطلاق صواريخ الطوربيد, وبدأت المدمرة فى الغرق.
وبنجاح عملية إغراق المدمرة إيلات باستخدام لنشات صواريخ صغيرة, تغير فكرالبحرية العسكرية فى العالم بأسره, إذ توقفت جميع الدول عن بناء القطع البحرية الكبيرة مثل حاملات الطائرات والطرادات والمدمرات, وتحولت نحو الاعتماد تدريجيا على الفرقاطات صغيرة الحجم ولنشات الصواريخ.
وعندما نقص تفاصيل تلك المعركة العظيمة لاننسى ذكر النقيب أحمد شاكر, والنقيب لطفى جاد الله قائدى لنشات الصواريخ اللذين نجحا فى إغراق المدمرة وإتمام العملية بنجاح, ولاننسى معاونيهما الملازم أول السيد عبد المجيد, والملازم أول حسن حسنى, والضابط البحرى سعد السيد ومعهم 25جنديا مصريا, هم أطقم هذه اللنشات, ولايفوتنا أن نترحم على الشهيد الرقيب محمد فوزى البرقوقى الذى ضحى بحياته أثناء تلك العملية, فما كان من القوات البحرية المصرية إلا أن خلدت ذكرى هذه الملحمة باعتبار يوم 21أكتوبر عيدا لها, وهكذا سيظل هذا اليوم فخرا للبحرية المصرية عبر التاريخ.
أملى أن يتم الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر عاما كاملا, وأن تشكل لجنة من كبار القادة العسكريين الذين شاركوا فى هذا الانجاز العظيم مع عدد من كبار المثقفين وأساتذة التاريخ المعاصر, وأن يشارك فيها عدد من المقاتلين يحكون تجربتهم فى ساعات النصر والعبور, ويجب الكشف عن بعض وثائق الحرب لدى مؤسسات الدولة, وإعادة نشر ماكتب فى الصحف المصرية, وماقالته الصحف الأجنبية, ومانشره الجانب الاسرائيلى من الوثائق والأحداث, وهناك مذكرات للقادة المصريين يمكن إعادة قراءتها ومنها مذكرات قائد العبورالرئيس أنور السادات, ومذكرات رئيس الأركان سعد الشاذلى , ومحمد عيد الغنى الجمسى, وأحمد إسماعيل على, وماكتب عن الفريق عبد المنعم رياض, وهناك عدد من الكتب حول المعارك كتبها المحررون العسكريون من مواقع القتال, واتمنى أيضا إنتاج فيلم تاريخى عن هذا الحدث, وجمع الوثائق وإصدارها فى كتب تشرف عليها لجنة عسكرية, ولابد أن نعترف أن هذا الحدث التاريخى الكبير لم يأخذ حقه من الكشف والتوثيق, وربما جاء الوقت لكى تعرف أجيالنا الجديدة هذا النصر العظيم, كما أن نصر أكتوبر لم يأخذ حقه فى مراكز الأبحاث والجامعات والمؤسسات العلمية.
قال أهارون ياريف مدير المخابرات الاسرائيلية الأسبق فى ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس فى 16 سبتمبر 1974: “لاشك أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين, بينما نحن من ناحية الصورة والاحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء, وحينما سئل السادات: هل انتصرت فى الحرب أجاب: أنظروا إلى مايجرى فى إسرائيل بعد الحرب وأنتم تعرفون الإجابة عن هذا السؤال!, وذكر زئيف شيف المعلق العسكرى الاسرائيلى فى كتاب له بعنوان” زلزال أكتوبر” إن حرب أكتوبر تعد أول حرب للجيش الاسرائيلى التى يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسى, موضحا أن هناك من الجنود من نسوا أسماءهم, وأكد أن نجاح العرب أذهل إسرائيل فى حرب يوم عيد الغفران وفى تحقيق نجاحات عسكرية , وشدد على أن هذه الحرب أثبتت أن إسرائيل عليها أن تعيد تقدير المحارب العربى خاصة وأنها دفعت ثمنا باهظا أثناء هذه الحرب.
الجيش المصرى خير أجناد الأرض فى السلم والحرب, فانتصار حرب السادس من أكتوبر عام 1973 لم يكن من باب المصادفة, بل وراء هذا النصر أبطال عظام, وجنود بواسل ضربوا أروع الأمثلة فى حماية وتحرير وطنهم الغالى, ولهذا الجيش العظيم إسهام كبير أيضا فى فترة السلم من خلال تحقيق الأمن والاستقرار وإقامة المشروعات الوطنية والخدمية بجودة عالية وفى أوقات زمنية قياسية, وهذا يترجمه الحديث النبوى فيما يرويه عن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال: حدثنى عمر رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” إذا فتح الله عليكم مصر بعدى, فاتخذوا فيها جندا كثيفا, فذلك الجند خير أجناد الأرض”, فقال له أبو بكر: ولم ذلك يارسول الله؟,قال:”لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة”, وفى رواية أخرى:” إذا فتح الله عليكم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن فيها خير جند الله”, ويروى أيضا”إن جند مصر من خير أجناد الأرض لأنهم وأهلهم فى رباط إلى يوم القيامة”