“هوس التريند”
كيف يحوّل السعي وراء الشهرة الأحداث غير المألوفة إلى ضرر اجتماعي”
في عصر السرعة والتكنولوجيا، أصبح السعي وراء الشهرة غايةً أساسية للكثير من الأفراد، خاصةً عبر المنصات الاجتماعية مثل إنستغرام، تيك توك، ويوتيوب. لم يعد الأمر مقتصرًا على المشاهير أو أصحاب المحتوى الحقيقي؛ بل باتت الساحة مفتوحةً للبلوجرز وأشخاص عاديين، يسعون لتحقيق الشهرة عبر أي وسيلة متاحة، حتى لو تطلب الأمر التضحية بالقيم والأخلاقيات. إذ أصبح البعض على استعداد لخلق أحداث غير مألوفة، بل وأحيانًا ضارة على المجتمع، بهدف جذب الأنظار والحصول على متابعة وشهرة.
صناعة “التضليل” والقدرة على خلق “التريند”
لم يعد تحقيق الشهرة على مواقع التواصل أمرًا معقدًا؛ فيكفي أن تثير حدثًا غير تقليدي أو غير مألوف ليجذب المتابعين. أصبحت المنصات الاجتماعية بيئة مناسبة لنشر القصص المختلقة أو التضليل، بحيث يقوم البلوجرز بخلق سيناريوهات كاذبة، فقط بهدف أن تصبح حديث الرأي العام. ينتشر هذا النوع من التضليل بسرعة، حيث تنقل الصفحات والمجموعات الخبر دون التحقق من مصداقيته، مما يؤدي إلى تضخم الحدث والوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور.
المؤسف أن هذا التضليل لا يقتصر على فئة معينة؛ بل وصل إلى حد أن الكثير من الناس العاديين باتوا يستنسخون هذه الأساليب ليحققوا شهرة مفاجئة. يخلقون قصصًا قد تكون مزيفة تمامًا أو يبالغون في التفاصيل حتى تجذب الأنظار. على سبيل المثال، قد يدّعي أحدهم حدوث أمر غريب أو “فضيحة” ثم يُصور الأمر كفيديو، ويبدأ في نشره على حساباته. بمرور الوقت، تجد القصة طريقها إلى الصفحات الشهيرة والمنصات الإعلامية، فتصبح “تريند” بل وتصل إلى البرامج الحوارية والمواقع الإخبارية، حتى وإن كانت القصة مجرد اختلاق.
الآثار السلبية على المجتمع والثقافة العامة
للأسف، لم تقتصر أضرار “صناعة التريند” على شهرة فردية فحسب، بل تجاوزت إلى آثار ضارة على المجتمع. هذه الأحداث المختلقة تنشر مفاهيم خاطئة، وتؤدي إلى استهلاك الجمهور لقصص وأخبار غير صحيحة، مما يؤثر على ثقتهم في المحتوى المنشور. كما تتسبب في تزييف الحقائق الاجتماعية، بحيث يصبح من الصعب التفريق بين الحقيقة والزيف.
تزايد انتشار المحتوى الكاذب يخلق بيئة سامة على المنصات، حيث يصبح التزييف هو المعيار لتحقيق الشهرة. وبدلًا من أن يتنافس البلوجرز على تقديم محتوى مفيد أو تعليمي أو إبداعي، أصبحوا يسعون لتحقيق التريند بأي طريقة كانت، مما يضر بجودة المحتوى وينحدر بالذوق العام. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي بعض الأحداث غير المألوفة إلى الترويج لسلوكيات خطيرة أو غير صحية على المجتمع، حيث يتأثر المتابعون، خاصة صغار السن، بهذه المشاهد ويميلون إلى تقليدها.
كيف تدعم بعض المنصات الاجتماعية هذا السلوك؟
تعتمد المنصات الاجتماعية على خوارزميات تعمل على توجيه المتابعين نحو المحتوى الأكثر تفاعلًا، بغض النظر عن مصداقيته أو أخلاقياته. وكلما زاد عدد التفاعلات، كلما ارتفع المحتوى إلى قمة التريندات، ما يشجع البلوجرز والأشخاص العاديين على تقديم محتوى غير معتاد أو صادم لزيادة التفاعل. فتتحول المنصات إلى ساحة لتكرار الأحداث الملفقة والتريندات الزائفة، التي تسهم في تضليل المجتمع وتشويش المعلومات.
التحول من السعي للتريند إلى المحتوى الصادق والمفيد
في مواجهة هذه الظاهرة، يظهر التساؤل حول كيفية الحد من التأثير السلبي لهذا الهوس بالتريند، وما هي المسؤولية التي تقع على عاتق الأفراد والمنصات على حد سواء؟ من المهم أن يدرك المتابعون دورهم في دعم المحتوى الصادق والمفيد، بدلًا من التفاعل مع الأحداث الملفقة والتريندات الزائفة. كما يتعين على المنصات الاجتماعية تطوير خوارزميات تساهم في تصفية المحتوى الزائف وتوجيه التفاعل نحو المحتوى الذي يخدم المجتمع ويعزز القيم الإيجابية.
المسؤولية المشتركة: من هنا نبدأ
على الأفراد، خاصة صناع المحتوى والبلوجرز، مسؤولية كبيرة في تقديم محتوى ذي قيمة، والتركيز على خلق تأثير إيجابي ومستدام على متابعيهم. يمكن تحقيق الشهرة بالطرق الصحيحة والمساهمة في بناء مجتمعات تقدر الصدق والمحتوى الجيد. كما على المتابعين أنفسهم مسؤولية عدم دعم التريندات الكاذبة أو التفاعل معها، بل البحث عن الحقائق ودعم البلوجرز الذين يقدمون محتوى نافعًا وصادقًا.
في النهاية، فإن الهوس بالتريند ليس مجرد مسألة شهرة، بل أصبح تحديًا أخلاقيًا واجتماعيًا يواجهه كل مستخدم للمنصات الاجتماعية. ويظل دورنا كأفراد في بناء محتوى هادف وثقافة ترتكز على الحقيقة هو المفتاح للتغلب على هذا السلوك الضار.
اخصائية تخاطب وإرشاد نفسى