إن البيئة الصحية الأمنة المليئة بالحوافر الإيجابية التي تستثير بواعث العمل لدى الفرد تعبر عن الأمن التربوي والتي تعد ممارساته متكاملة وفعالة على أرض الواقع وتشكل حماية للأفراد والمجتمعات والممتلكات والحقوق، من خلال رفع مستوى الوعي بأهمية الأمن التربوي والاستفادة من دور المؤسسات التعليمية ويجني ثمرتها المجتمعات المدنية، ومن ثم ينبغي أن ترسخ وتوطين جميع الوسائط التربوية الثقة والاستقرار في المجتمع، ليشعر الأفراد بالأمن والأمان تجاه أنفسهم ومن ثم تتقد عقولهم بأفكار بناءة.
والمطالع لأهداف مبادرة بداية لبناء الإنسان يرى مساعي الدولة تجاه بناء الأمن التربوي الذي يوفر للإنساني عناصر التنمية البشرية الشاملة المتعلقة بالسلامة الجسدية والعقلية، وذلك من خلال توفير بيئة تعليمية تضمن السلامة الجسدية والعقلية للطلاب بما في ذلك حمايتهم من أي شكل من أشكال العنف أو التنمر، بالإضافة إلى التنشئة الأسرية التي تجعل الفرد يحافظ على نفسه وممتلكاته ومقدرات مجتمعه وهذا يرتبط بصورة وثيقة بقيم المواطنة الصالحة.
وبما لا يدع مجالًا للشك نجد أن الأمن التربوي يقدم مقومات الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب لمساعدتهم على مواجهة التحديات والضغوط التي قد يوجهونها خلال مرحلة التعلم، ويركز على توفير بيئة محفزة تشجع الطلاب على تطوير مهاراتهم وقدراتهم بشكل فعال وإيجابي وتقوية رغبتهم في التعلم المستمر مدي الحياة ويقوي من حوافر التعلم الموجه ذاتيًا.
وفي ضوء ما تقدم نوقن أن الأمن التربوي جزء أصيل من عملية التعلم؛ فمن خلاله تحترم آراء الطلاب وتنشط عزيمتهم ويصبحوا فاعلين طوال فترة تعليمهم داخل وخارج إطار المؤسسات التعليمية، مع الاهتمام بتزويد المتعلم بفرص التطوير الشخصي والمعرفي والفكري والمهاري من خلال برامج تعليمية شاملة تهدف إلى تطوير جميع جوانب والتعليمية التي تسهم في تحقيق النجاح والازدهار والتطور في كافة جوانب الحياة.
وفي ضوء مقومات الأمن التربوي يتطور دور المعلمين بشكل كبير ليشجع على الديمقراطية والحوار والتوجيه بدلاً من السيطرة والتلقين التقليدي كما يضمن تشجيع التنوع والاختلاف بين الطلاب واحترام الفروق الفردية وتعزيز التفرد والتميز لديهم، كما يجب أن يتحلى المعلمين بدور حيوي في المنظومة التعليمية حيث يعتبرون أصحاب مهنة أساسية ورفيعة المستوى، فهم أصحاب رسالة سامية في نقل المعرفة وتوجيه الطلاب نحو التعلم والبحث المستدام.
وفي هذا الخضم يتوجب إحداث تنمية مهنية وأكاديمية للمعلم تجعله قادر على العطاء والبذل، وأن يكون لديه الرغبة في ممارسة المهنة كي يصبح فاعل ومشارك بخبراته في مجال تخصصه، فهذا دون شك يساعد في بناء جيل متعلم ومثقف قادر على التفكير النقدي والابتكار.
وقد باتت هناك قناعة تامة بأن بناء الإنسان والأمن التربوي يشكلان حجر الزاوية في بناء الأمة وثقافتها، بشرط أن تكون هذه الثقافة مبنية على المعتقدات الاجتماعية وتتضمن منظومة من القيم المستمدة من تعاليم قوية وسطية ومعتدلة تعتمد في تكوينها الوعي الصحيح الذي يحفز الفرد ويدرك إمكاناته الكاملة لإعادة البناء والمشاركة في حل المشكلات التي يواجهها المجتمع واتخاذ الإجراءات اللازمة عندما يتعرض للتهديد داخليًا أو خارجيًا ويصبح درعًا منيعًا، لا يمكن اختراقه من قبل أصحاب الأجندات، ويغريه الفاسدون، ويضلهم أولئك الذين ينحرفون عن مسار الوسطية ويتبنون أفكارًا متطرفة ومنحرفة .
وثمة حاجة ملحة للعمل معًا تجاه المحافظة وتعزيز المنظومة القيمية لدى الإنسان حيث تعتبر أمرًا حيويًا لبناء مجتمع قوي ومتلاحم؛ فالقيم تشكل الأساس الذي يُبنى عليه التطور في مجالات التنمية والخدمات، ومن الضروري أن نعمل على تقوية الهوية المصرية والمحافظة عليها، من خلال التربية والتعليم، ووسائل الإعلام، والمبادرات المجتمعية، لضمان تحصين المجتمع ضد أي محاولات للإضعاف أو الاستبدال، كما يمكن أن يحدث تضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني فرقًا كبيرًا في هذا السياق؛ فمتى ما كان لدى المواطن وعيٌ عميق بقيمه وهويته، يصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات والعمل من أجل مستقبل أفضل، حفظ الله بلادنا آمنة مستقرة وقيادتنا السياسية وأبنائنا وشبابنا.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر