القصة القصيرة فن نثري جميل
النثر هو الكلام الجميل ، المكتوب بأسلوب مرسل لايحكمه الإيقاع ، تميزه عدة سمات يشترك في بعضها مع الشعر ، منها اختيار اللغة ، والفكرة الواضحة الجلية والمنطق السليم ،القادر على التأثير في المتلقي ، والنثر أنواع عديدة : القصة ،والمقالة والرسالة والخطبة والسيرة ، والقصة القصيرة جدا ، والرواية والمسرحية ، وكل من هذه الفنون لها مميزاتها الخاصة ، وصفات عامة تشترك بها مع الأجناس الأخرى
القصة القصيرة أشهر الأجناس الأدبية ، أخذت تحتل مكانا لائقا بها ، بعد ان دخل الناس عصر السرعة ، وشرعوا في اختيار الأصناف التي تتميز بالقصر ،
وهي حكاية أدبية في أصولها القديمة ذات فكرة بسيطة ، تعالج موضوعا محددا وتدور أحداثها في لحظة مكثفة من لحظات الحياة ، تكون في صفحة واحدة او عدد قليل من الصفحات ، فهي تختلف عن الرواية التي تتناول زمنا طويلا قد يمتد إلى عدد من الأجيال.
نشأت القصة القصيرة العربية ، من أصل عربي تمثل في السير والمقامات والحكايات ، وحكايات ألف ليلة وليلة ،و كتاب الجاحظ عن الحيوان والبخلاء ، دليل على نشوء هذا النوع من الأدب ، وحين بدأت الترجمة وأخذت القصص المترجمة من الآداب العالمية ، تدخل الأسواق والمكتبات العربية ، واطلع عليها القاريء العربي ، تأثر بها ، فيكون للقصة القصيرة العربية أصلان ,، أولهما عربي والآخر أوربي
ظهرت القصة العربية الحديثة ، بسيطة في أول نشوئها ، تهتم بالفكرة على حساب الشكل الفني ، وتتخذ أسلوب الوعظ والإرشاد غاية ، لكنها تطورت سريعا ، بفضل الأقلام العديدة التي امتلكت الموهبة ، والقدرة على مواصلة الطريق ،والاطلاع على تجارب الأمم الأخرى ، فذهب القاصون العرب في رحلات الى العالم المتقدم ، الذي قطع شوطا في هذه الفنون ، وعادوا الى بلدانهم مزودين بأصول هذا النوع من الأدب ، وحاولوا ان تكون قصصهم مناسبة للبيئة العربية ، بما فيها من ايجابيات وسلبيات ، طمحوا ا في البداية ان يجدوا الدواء للأمراض العديدة المتفشية ، في جسم الوطن العربي ، ثم تطورت بعض الأساليب ، بأن تصف الداء ، دون ان تذكر الدواء ، وتعرض ما يعانيه المجتمع أمام نظار الباحثين ونقاد الأدب ، وهذا النوع الذي اصطلح على تسميته بالأدب الملتزم ،والذي يتخذ من الكتابة وسيلة لإصلاح الخلل ، الموجود في النفوس والأرواح.
وفي الأنظمة المتعددة التي تكون اقرب الى الاستبداد
استطاعت القصة القصيرة العربية ، ان تضاهي القصص العالمية في جمالها وإتقانها وفنيتها ، وتمكن القاصون العرب ان يسيروا بهذا الفن الجميل ، وان يكسبوا لهم القراء المتعددين ، بلغات كثيرة عن طريق الترجمة ، فاطلع العالم على فنية القصص العربية ، وعرفوا ان العرب او الأقوام الأخرى ، الناطقة بالعربية ، تستطيع ان تنتج أدبا جميلا ، وخالدا ، يمنح القاريء المتعة الفنية بالإضافة الى الأهمية الفكرية والعلمية ، التي تعرفه بتقاليد الشعوب وتراثها وبما ساهمت به من اعمار العالم وبناء الحضارات.
استطاع الأديب العربي ، ان ينشر أعماله ليس بواسطة الطباعة فقط ، والتي تكلف مالا قد لايستطع توفيره الكثيرون ، وإنما عن طريق تطور وسائل الاتصال ـ فأصبح العالم مدينة صغيرة ، يمكنك أن تطلع على ما يكتب في أبعد الأمكنة عنك ، وانت جالس في منزلك أمام جهاز الكمبيوتر.
تعرفنا إلى أدباء كثر ، من مختلف أقطار العروبة الممتدة من الخليج إلى المحيط ، تتميز أعمالهم بالروعة الفنية ، والتمكن والمهارة في القص والقدرة على التأثير في القاريء ، باختلاف الأساليب التي تكون طريقا لها في الإبداع ،والتعبير عما يريدون ، كثرت المواقع الأدبية ، وظهرت بالمئات ، بعضها الجيد وهو القليل ، ولكنه متطور ، وينشط فيه أدباء متميزون ، قد عرفوا عربيا وعالميا ، واستطاع القاريء ان يطلع على إبداعاتهم ، كما كثرت المنتديات الأدبية بعضها تعنى بالأدب الحديث ، والبعض الآخر تهتم بكتب التراث ، كثرت القصص القصيرة وتعدد كتابها ، وأجاد مبدعوها ، وأصبحنا نجد أنفسنا أمام ثروة كبيرة ، من القصص القصيرة ، تزهو بها المنتديات الأدبية والملتقيات.
· ورغم هذا التطور الذي شهدته الأجناس الأدبية جميعا ، الا أننا ما زلنا نسمع ذلك السؤال : هل وصلت القصة القصيرة إلى طريق مسدود ؟ وإنها سوف تتراجع لتحل مكانها الرواية ؟ والبعض الآخر يطرح سؤالا متناقضا مع الأولين ، بان القصة القصيرة جدا بما تتميز به من كثافة ،وقصر وقدرة على القص ، بأقل عدد من الكلمات ، سوف تسحب البساط من تحت أقدام القصة القصيرة ، وتسد أبواب النجاح أمام كتابها ، والجواب ان الأدب الناجح يفرض نفسه بأي شكل كان ، سواء كان النتاج الأدبي قصة ام رواية ام شعرا ، لماذا يبقى جنس واحد لتزول الأجناس الأخرى ، الفيصل والحكم للقدرة الأدبية ، التي يمتلكها الأديب ، وليس لنوع معين من الأنواع الأدبية ، ان كان ما يكتبه المبدع أدبا جميلا ، فانه يحظى حتما بالاهتمام ، ويكون قادرا على البقاء ، في بيئة تعطي للإبداع في الكلمة النصيب الأوفى من الرعاية ،وان كان لايسمو الى تلك الدرجة فان النسيان يكون نصيبه ، حتى لو دبجت عن قدرة كاتبه آلاف المقالات ، وأجريت معه الحوارات المختلفة ، ودعي الى المؤتمرات ، الجودة في الكتابة ، والقدرة الفنية وإبراز الحدث ، والحوار المقنع ، كل هذه الأمور يمكن ان تمنح القصة ديمومتها ونجاحها ، وهذا يتطلب مرانا طويلا ، وصقلا للموهبة ، وقراءة مستفيضة لأمهات الكتب عن هذا اللون ، والاستماع الى النقد النزيه ، الصائب ، وعدم التعالي على القاريء الذكي والواعي.
ان ما نطلع عليه من قصص جميلة وناجحة ، في المنتديات ، او في الصحافة الورقية ، يبشر ان أدبنا العربي بخير ، وان القصة القصيرة سوف تثبت نجاحها ، على أيد مبدعين كبار ، لايطربهم النجاح المؤقت ، ولا يحزنهم النقد البناء ، وان أمامهم الطريق طويل ، وان عليهم ان يبذلوا الجهد ويحرثوا ، كي يقطفوا الثمار ناضجة في حينها ، فالتسرع لاينتج الا طعاما مضرا.