إن من حق الإنسان أن يعيش في بيئة نظيفة؛ لكونها مقوم رئيس لجودة الحياة، ولأنها متطلب النمو الصحي السليم لبنيانه، كما أنها تساعده في أن يقدم أفضل ما لديه في شتى مجالات الإعمار، والإنتاجية المادية منها، والفكرية؛ ومن ثم يستطيع أن يبنى ثقافته، ويعلي من شأن حضارته، ويستمتع بمفردات الحياة، وما يتضمنها من طبيعة، وهذا يضمن تحقيق ماهية الاستدامة التي بالأحرى تعني مشاركتنا الحقيقية في الحفاظ على الأجيال.
وأرى أن الوعي البيئي يتمحور حول فهم، الإنسان، واستيعابه لمكونات البيئة، ومعرفة آليات، وصور التعامل الصحيح مع المقدرات البيئية؛ ومن ثم نرصد له ممارسات قويمة تجاه البيئة، وما بها من موارد تتسق تمامًا مع ما يمتلكه من جوانب معرفية، بما يعزز لديه القناعة التامة بضرورة مشاركته في الحفاظ على البيئة، وتعظيم مقدراتها، والعمل على تحسنها، وتطويرها، بما يضمن استدامتها لجيل تلو الآخر، وهنا نصف هذا النمط من الوعي بالمتكامل؛ حيث يبدي الفرد رغبة في تناول قضايا البيئة، والتعامل معها وفق ما يخدمها، وهذا مؤشر إيجابي دال على سلوك بيئي ننشده جميعا، ونعمل على تعضيده.
ويرتبط بالوعي البيئي فقه الإنسان لفلسفة التوازن، والتي تحقق استدامة الموارد البيئية؛ حيث إن معظم التحديات تنجم عن إسراف متعمد، أو غير متعمد يتمخض عنه آثار وخيمة، قد يكون منها ندرة المياه، والتصحر، وتلوث الهواء، والتلوث البحري، وفقدان التنوع البيولوجي، وهذا ما يوجب علينا أن نعيد النظر في الممارسات، بل ويحتم علينا اتخاذ إجراءات توصف بالرادعة، والعاجلة حيال أي ممارسة تُعد من مسببات فقدان التوزان البيئي، وهنا لا نقصد مجالًا بعينه، بل نعني به كافة المجالات.
وإذا ما تأملنا فلسفة ماهية الاستخدام الرشيد للموارد؛ فأرى أنها تعني التوظيف الصحيح في الاستخدام، كي يتحقق عن ذلك المنفعة المرجوة، وفي المقابل لا يحدث الضرر، وهذا لا يتنافى مع تجنب الإسراف، ولا يتعارض مع سياسة العمل الممنهج على تعظيم تلك الموارد، بل أن هناك انسجام، واتساق تام تجاه ذلك، وهنا يجب ألا نتجاهل الابتكارات العلمية التي استهدف القائمون عليها المحافظة على البيئة، ومقدراتها، وفي الوقت ذاته تحد من التغيرات المناخية التي قد يكون أحد مسبباتها الإضرار الناتج عن الاستخدام غير الرشيد وفق ما أشرنا سلفًا.
وأعتقد أن الاستدامة تعني الاستثمار في المورد؛ ليصبح متعدد الفوائد طويل الأمد، وأن المورد لا يسفر عن استخدامه تغيرًا في صفات البيئة بما قد يؤثر سلبًا على البشر، وسائر الكائنات الحية، وأن الاستدامة تعني حرص المستخدم من استنزاف هذا المورد خاصة غير المتجدد منه، كما أن الاستدامة لا تنفك عن تغييرات لا ينبغي أن تفقدنا القيمة الجمالية التي تبدو في الطبيعة الساحرة البرية منها، والبحرية؛ فمن حق الأجيال أن تستمتع بتلك المقدرات دون جدال.
ومن مقومات ضمان الاستدامة تفهم، وتقبل سياسات الاستهلاك الرشيد للموارد الطبيعية؛ لنحافظ على البيئة، واستدامتها من جهة، ونحافظ على حقوق الأجيال من جهة أخرى، وهذا ما يجعلنا ندرك أهمية القيم الاقتصادية، وضرورة غرسها في النشء، كما يؤكد علينا ضرورة تعزيز الابتكارات، والأعمال الريادية التي تصب في بوتقة التدوير الصديق للبيئة، وأود أن أشير إلى أن الأرض مليئة بالخيرات التي يمكن العمل على تعظيمها، وتعميم فوائدها إذا ما تمسكنا بالقيم النبيلة التي يقوم عليها فلسفة الوعي البيئي.
وإذا ما نظرنا إلى ممارسات العصر الحديث، والتي إن دلت على شيء، إنما تدل على الأنانية، ولو تغلفت بمفاهيم التطور، والحداثة، واللحاق بركب التقدم؛ فقد بات النظام البيئي متأثرًا بممارسات الإنسان التي قامت فلسفتها على تحقيق النفع بغض النظر عن الآثار الناجمة عن ذلك الفورية منها، والمؤجلة، وهنا يتوجب على الضمير العالمي أن يتوقف عند تلك الممارسات، ويضع من القيود ما يفرض منعها؛ فالأمر جد خطير.
وثمت جهود دولية، ومصرية تُبذل؛ لمواجهة التغيرات المناخية، والآثار المرتبة عليها؛ حيث إن هناك سعيًا حثيثًا حيال التخلص من طرائق استخدام الطاقة في صورتها التقليدية التي يتمخض عنها انبعاثات كربونية له سلبيات مباشرة على الكائنات الحية قاطبة؛ فقد بات التحول إلى مصادر الطاقة الجديدة، والمتجددة الآمنة آخذ في تقدم نوعي، خاصة من الدول التي فقهت خطورة الموقف، واستوعبت ضرورة التضافر من أجل الحفاظ على الاستدامة البيئية.
ونثمن ما تقوم به الدول من أجل تنمية الوعي البيئي؛ حيث إن إطلاق المؤتمرات الدولية، وتبني المبادرات بفعاليات تتسم بالشمول، والانتشار، وتعزيز البعد البيئي في المناهج، والمقررات الدراسية، والتربية الرقمية التي تستهدف مزيدا من التوعية الجماهيرية المقصودة؛ بالإضافة لوسائل التواصل الاجتماعي، عالية الانتشار، ووسائل الإعلام المرئي، والمقروء، والمسموع، وهنا نشيد بالدور المؤسسي غير الرسمي الذي يشارك بقوة في مسارات التوعية البيئية التي تُبث عبر منابرها الإعلامية المختلفة.
وجمهوريتنا الجديدة من الدول التي تبنت استراتيجية وطنية؛ لمواجهة التغيرات المناخية، والتي دشنتها في 19 مايو 2022م، وتمتد إلى 2050م، وهذا يعني أن الدولة ملزمة، وحريصة على اتباع الإجراءات الداعمة للبيئة؛ ومن ثم تستهدف تبني مشاريع تنموية تحقق هذه الغاية النبيلة، وفي القلب منها مصادر الطاقة النظيفة، والصديقة للبيئة؛ لتصبح خارطة الطريق التنموية مرتبطة بصورة وثيقة بالعمل الجاد نحو مواجهة تحديات التغير المناخي، وفق ما ورد بالهدف الثالث من رؤية مصر 2030م .. ودي ومحبتي لوطني للجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر