ما هو تعريف الزمن؟
سؤال يبدو في ظاهره بديهيًا وبسيطًا، ولكنه في الحقيقة غاية في التعقيد والصعوبة. أو يمكنك القول إن هذا السؤال البسيط لا توجد له إجابة دقيقة منذ ظهور نظرية النسبية وحتى يومنا هذا.
عرفنا من خلال نظرية النسبية أن الثوابت البديهية التي تعلمناها منذ طفولتنا واعتدنا عليها ما هي إلا محض وهم. فبحسابات الفضاء المهول؛ الخطان المتوازيان يلتقيان في نقطة واحدة، ومجموع زوايا المثلث يكون أكبر أو أقل من 180 درجة. ولكن الأهم هو تغير مفهومنا عن تعريف الزمن. الزمن الذي يمر عليك يختلف عن الزمن الذي يمر على الآخرين من حولك زيادةً ونقصانًا، حسب مكانك وحالتك بين الحركة والسكون. فكلما زادت سرعتك، زاد تشوه الزمن.
ولتوضيح ذلك، تخيل أنك تستقل سيارة تسير بسرعة 60 كم/س مثلًا. أثناء وجودك في السيارة، ستلاحظ أن الأجسام الثابتة تمر عليك بسرعة 60 كم/س. وإذا صادفت سيارة تسير في نفس اتجاهك وبنفس السرعة، ستراها وكأنها متوقفة (تسير بسرعة صفر). أما إذا مرت بك سيارة تسير بنفس سرعتك (60 كم/س) ولكن في الاتجاه المعاكس، ستراها وكأنها تسير بسرعة مضاعفة (120 كم/س)، لأن سرعتك وسرعتها ستُجمعان. كل هذه النتائج بديهية ومنطقية.
لكن، مهلاً، لا تتسرع! الأمر يختلف تمامًا عندما تزيد سرعتك بشكل كبير. تخيل أنك استطعت – بشكل ما – أن تزيد سرعة سيارتك لتصل إلى سرعة الضوء (300 ألف كم/ث). وهذا مستحيل نظريًا، كما ذكرت نظرية النسبية لأينشتاين، لأن أي جسم له كتلة يستحيل أن يصل لسرعة قريبة من سرعة الضوء. ولكن لمجرد التخيل، سنفترض أنك وصلت إلى هذه السرعة.
عند اقترابك من سرعة الضوء، سيحدث تشوه رهيب للزمن؛ سيتمدد الزمن، أي أنه سيتباطأ بشكل كبير إلى أن يتوقف تمامًا عند بلوغك سرعة الضوء. إذا تحركت بسرعة الضوء، وفرضنا أنك رأيت شعاع ضوء يسير موازيًا لك وبنفس سرعتك، فمن البديهي أن تراه وكأنه ثابت (سرعته صفر). لكن الحقيقة الصادمة أنك ستراه يسير بسرعته الحقيقية (سرعة الضوء)، لأن الزمن لن يتحرك في هذه الحالة.
الأغرب من ذلك، أنك مهما كان اتجاه شعاع الضوء – سواء كان موازيًا لك أو في الاتجاه المعاكس – ستراه يسير بنفس سرعته الحقيقية (300 ألف كم/ث). هذا الاستنتاج في غاية الخطورة، إذ يعني أن الزمن الذي يمر عليك وأنت تتحرك أقل من الزمن الذي يمر عليك وأنت ثابت. وكلما زادت سرعتك، تمدد الزمن ومر عليك بشكل أبطأ. وإذا وصلت إلى سرعة الضوء، سيتوقف الزمن تمامًا!
الأمر الأكثر إثارة أنه لا يوجد شيء ثابت في هذا الكون. كل الأجسام والمخلوقات تتحرك؛ الأرض التي نحن عليها تدور حول نفسها وحول الشمس، والشمس تدور، والمجرات تدور، وكل شيء في الكون يتحرك. فلا يوجد مرجع ثابت يمكن من خلاله قياس الزمن أو السرعة لأي جسم مهما كان حجمه أو مكانه.
الزمن يختلف أيضًا من كوكب لآخر حسب كتلته. الجاذبية ليست قوة بالمعنى التقليدي، وإنما هي ببساطة تشوه في نسيج الزمكان تحدثه الكواكب والأجرام الكونية حسب كتلها. وكلما تغيرت الكتلة، تغيرت قوة الجاذبية ومعها يزيد وزنك أو يقل على سطح الكوكب. وفي حالة الكتلة المهولة التي تمتلك جاذبية لانهائية – مثل الثقوب السوداء – فإن الجاذبية تصبح قوية لدرجة أنها تجذب الضوء نفسه، فيتوقف الزمن تمامًا ويتلاشى الحجم في كتلة مهولة.
لنتخيل أن كوكب الأرض تحول إلى ثقب أسود، فإن حجمه لن يتعدى حجم كرة تنس الطاولة مع احتفاظه بنفس كتلته!
هذا يدعو للتأمل. الزمن لا تعريف دقيق له، ولا مقياس مطلق. أنت ترى وتسمع الماضي دائمًا؛ فالكلمات التي تسمعها من صديقك لا تصل إلى أذنك لحظة خروجها من فمه، بل بعد فترة زمنية بسيطة جدًا. صوت الطائرة النفاثة يصل إليك بعد مرورها، وصوت البرق في السماء تسمعه بعد رؤيتك للضوء بزمن معتبر.
حتى الضوء ذاته الذي تراه هو من الماضي. ضوء الشمس يصل إلينا بعد 8 دقائق من انبعاثه، وإذا انفجرت الشمس ستظل نراها مضيئة لمدة 8 دقائق أخرى. النجوم البعيدة التي تراها اليوم قد تكون تلاشت منذ آلاف أو ملايين السنين، وما تراه هو ماضيها.
إذن، ما هو الزمن؟ وما هو الماضي والمستقبل؟ هل نعيش كل الأزمنة في الوقت ذاته؟ هل هناك عوالم موازية تعيش معنا الآن وتفصلنا عنها سنوات لا حدود لها؟
وبعد كل ما قرأته، هل ما زلت ترى هذا السؤال بديهيًا وبسيطًا: ما هو مفهوم الزمن؟
عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية