يعبر الميل عن شعور الإنسان مشفوعًا بالحب، والرغبة نحو شيء ما، سواءً ارتبط ذلك بالأداء، أو الاطلاع، أوالتقرب، وهنا لا مجال للنقيض؛ فلا يجتمع الميل مع الكره، أو العزوف، أو الإعراض، أو ما يشكل ضعف الرغبة، والإرادة، وما شابه ذلك من الممارسات التي تدل على الفرد الذي لا يرغب في الإقدام نحو أمر ما؛ ومن ثم يشير الميل إلى الجانب الإيجابي لدى الإنسان.
وبناءً على ماهية الميل ينبغي أن نعمل بقصدٍ على تغذية ميل الوجدان؛ وذلك من خلال تقديم ما يفضله الإنسان من ممارسات، أو أداءات، أو أنشطة يقبل عليها برغبة تُزيد من قدرته، وعزيمته، وتجعله محبًا شغوفًا لكل ما يقوم به من مهامٍ، بغض النظر عن مجالاتها، وما تحويه من أداءات نوعية؛ فالأمر مرهون بارتياح، ومصبوغ بمحبة مفعمة بعمق الرغبة الصادرة عن الوجدان، والتي تترجمها مشاعر الفرد، وممارساته الظاهرية.
وفي ضوء الفلسفة التي تعتمد عليها تنمية الميول لدى الإنسان، وما يعكسه ذلك على قوة الوجدان، وسبر غور الفراغ الذي قد ينتابه جراء العديد من الأسباب؛ فقد يستلزم الاهتمام بكل ما يرغب الفرد القيام به في صورته المشروعة؛وذلك ليتمَّ تفريغ الطاقات في صورة إيجابية، وهنا يتوجب علينا أن نروي هذا الميل بمنحِ الإنسان ما يريده من هواياتٍ، وأنشطةٍ سواءً أكانت تعلمية، أو ترفيهية، أو رياضية تسهم في بناء البنيان، وتقويته.
وعلينا أن نحترم ميول الأبناء؛ فلا نقهرها بالمزيد من الضوابط، والمواقيت التي تكبح نموها، وتقدمها في الاتجاه المرغوب فيها؛ فالحرمان يعد بمثابة فقدان التغذية السليمة اللازمة؛ لنمو تلك الميول؛ فإذا فقد الإنسان الشغف، والرغبة، والدافعية نحو القيام بأمر ما، فإن الميل حينئذ يتضاءل، ويضمر، وقد يتلاشى بالمزيد من الضغط، والقهر، وصب التحديات التي تقف حجر عثرة أمام الغايات المنشودة من وهج الميول، وتدفقها، وصهجها.
إننا نريد أن نغذي الميول بالمزيد من التشويق، والإثارة المرتبطة بكل ما يقوم به الإنسان؛ كي نشبع حاجاته، ونملأ فجوات الوجدان التي تسبب فيها متغيرات خارجة عن الإرادة، قد يكون منها زخم الحياة، وتسارعها في ضوء عالم صار كالقرية الصغيرة، قد ألمت بها أحداث يصعب على العقل تعقلها، والتفكير فيها بصورة كلية؛ فأضحت التفاهمات بعيدة، والمفارقات حتمية الحدوث، والمتناقضات نتقبلها في ضوء نظريات المصالح المشتركة.
وربَّ سائلٍ يسأل: هل هنالك ميل ثابت؟ وأخر متغير؛ فنقول له مجيبين:إن فقد الإنسان لشغفه تجاه ما يقوم به لأي سبب من الأسباب التي لا تشكل تحديًا حقيقيًا له، أو ابتعاده عن ممارسة ما يؤديه لمتغير، لا يعد مؤثرًا يشكل عاقًا له؛ فإن هذا في مجمله نطلق عليه ميلاً غير حقيقيٍّ، وهذا ما يدعونا إلى أن نعزز الميول الدائمة؛ وذلك عندما تبدو ملامح وجودها متوافرة؛ كالحماس، والحافزية الجاهزية التي نرصدها من الفرد؛ وكأنه يبحث بصدق عن حاجة أساسية تغذي ميوله، وتدعم بقاءها.
كما يبدو سؤالا مفاده: هل هناك علاقة بين تغذية الميول، والعمل على إنمائها، وتنمية مهارات التفكير لدى الإنسان؟، والإجابة القاطعة عن هذا السؤال تكون بـ ( بنعم)؛ حيث إن تلبية الفرد لمطالبه، واحتياجاته وفق ميوله يجعله قابلًا للمزيد من التعلم، واكتساب الخبرة التي تسهم في تنمية مهارات التفكير العليا لديه؛ فيصبح التفكر لديه سمة رئيسة، يزاولها في تناوله للقضايا التي قد تبدو شائكة لدى البعض من منظور الرغبة في بلوغ الهدف، وهنا يعمل الميل على تهيئة الإنسان؛ كي يؤدي أفضل ما لديه؛ فليس للتراجع مكان في قاموسه، ولا لليأس قوسٌ منزعٌ في جعبته؛ إنما القدرة على التكيف، والعطاء، والمثابرة، وسرعة الإنجاز من ثمرة حصاد غذاء الميول لدى الفرد.
ما أروع الاهتمام بالميول!،والحرص على تغذيتها، وإروائها من خلال توفير المناخ الداعم؛ لتنميتها، وما أصعب أن نتحمل مسئولية نقص الغذاء للميول!؛ حيث يعد ذلك من مسببات الاضطراب الرئيسة التي تشعر الفرد بالقهر، والحرمان، والخذلان؛ فلا يرى النفع فيما يقوم به من مهامٍ، وما يؤديه من ممارسات؛ فالوجدان تملؤه ثقوبٌ، وثغور عميقة، قد نتجت عن تلبية المطالب، والاحتياجات التي أوجدهما الميلُ، مما أثر سلبًا على اتجاه الفرد نحو أمور عديدة يصعب حصرها، قد يكون منها التقدم في طريق العلم، أو العمل.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر