فى بعض وسائل الإعلام العربية ترتفع أصوات نشاز تبث روح الاستسلام فى نفوس العرب وخاصة تلك الشعوب التى احتل العدو الصهيونى جزءا من أراضيها وقتل الآلاف من أبنائها فضلا عما فعلته آلته العسكرية من دمار وخراب.. ومسوغات من تستعين بهم هذه القنوات فى بث روح الاستسلام والخنوع فى نفوس العرب تتركز حول أن مواجهة العدو الصهيونى المجرم المدعوم من أمريكا تعد انتحارا بعد أن شاهدنا ماذا فعل فى غزة، وفى الضفة الغربية، وفى لبنان واليمن.. وأخيرا فى سوريا رغم أن السوريين لم يطلقوا رصاصة واحدة تجاه إسرائيل.
والواقع أن ناشرى روح الاستسلام والخنوع فى نفوس الأجيال الجديدة من العرب لن يوفروا للبلاد العربية وخاصة تلك المجاورة للعدو الصهيونى أمنا ولا أمانا، ولن يضمنوا لها حماية، لأن العصابات المتعاقبة التى حكمت وتحكم تل أبيب تنفذ مخططات رسمها لهم المتطرفون الصهاينة لتحقيق حلم دولتهم الكبرى والخرائط التى عرضها مجرم الحرب “النتن ياهو” فى الأمم المتحدة قبل حرب طوفان الأقصى وبعدها تؤكد أهداف الصهاينة فى المنطقة العربية وأن الأمر لن يتوقف عند إعادة احتلال غزة وابتلاع الضفة الغربية.. لكن الأطماع تفوق ذلك بكثير وما تحت يد الصهاينة الآن من أراضى عربية محتلة هو مقدمة لما يخططون لاستكماله خلال السنوات القادمة.
لذلك.. فإن قتل روح المقاومة فى نفوس العرب هو جريمة حقيقية تستهدف تحقيق أطماع الصهاينة بسهولة ويسر كما حدث فى سوريا بعد سقوط بغداد فى يد الجماعات المسلحة السورية.. فقد فعلت إسرائيل كل ما يحلو لها فى سوريا دون مقاومة، واحتلت ما أرادت من الأرض دون أن يتصدى لها أحد.. ودمرت كل أسلحة الدفاع السورية دون أن توجه لها عبارة إدانة واحدة من أى مسئول سورى!!
****
نشر روح الاستسلام وقبول احتلال الأرض دون مقاومة أبشع جريمة ضد الأمة.. جريمة يدينها الشرع، وتدينها كل القوانين والأعراف الدولية.. وتدينها النخوة والشهامة العربية.. ومن يقبل بذلك هو إنسان ضعيف هزيل لا يستحق البقاء على قيد الحياة لحظة واحدة.
لقد سجلت الشعوب العربية التى واجهت عدوان وأطماع الصهاينة صفحات من الكفاح والجهاد المشرف دفاعا عن الأرض والعرض والكرامة.. وهذا ما أمرنا به ديننا الذى يرفض كل صور العدوان على أرض وحقوق الآخرين، لكنه يحثنا على مواجهة جحافل المحتلين المجرمين، ويجعل مواجهة المعتدين الآثمين فريضة على كل من يستطيع المواجهة.
نعم الجهاد المسلح يسبقه جهاد سياسى عن طريق المفاوضات، والتقاضى أمام المحاكم الدولية، واللجوء للمنظمات الدولية، وغير ذلك من الوسائل والجهود التى تكفل استعادة الحقوق المغتصبة.. وعندما تفشل هذه الجهود، وتستنفذ مراحلها، ونفقد الأمل فى جدواها كما حدث مع العدو المجرم على مدى عقود؛ يصبح الجهاد المسلح واجبا لتحرير الأوطان؛ خاصة إذا ما مارس المحتل عنفا وصلفا وعدوانا، وصادر حقوق أصحاب الأرض، ورفض الانصياع لنداء الحق.
نحن مأمورون شرعا بمواجهة المعتدين الذين يحاربوننا حربا ظاهرة وباطنة، وهؤلاء هم الذين وصفهم الحق سبحانه وتعالى بأنهم “لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمةً وأولئك هم المعتدون”، أي أن هؤلاء الذين أمرنا بجهادهم والتصدي لهم يمارسون الحرب علينا، ولا يقيمون وزنا لكرامتنا الإنسانية، ولا للعهود التي بيننا وبينهم، وسلوكهم الذي لا يحيدون عنه هو العدوان والظلم.. فهؤلاء الذين يعتدون على أوطاننا ويلحقون الأذى بنا، ويصرون على ظلمنا وقهرنا وإهدار حقوقنا.. هم الذين أمرنا بالتصدي لهم، ووقف عدوانهم، ورد كيدهم إلى نحورهم.. وهذا الحق تكفله كل الشرائع السماوية وليس شريعتنا الإسلامية فحسب، لأنه يقوم على ميزان الحق والعدل، وهذا يعنى أن أهداف الكفاح المسلح ومشروعيته في ديننا أهداف أخلاقية لا تعرف الظلم، وهنا يضع القرآن الكريم (ميزان الحق والعدل) في قول الحق سبحانه: “إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز“.
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى بفضله وكرمه يمنع عن المؤمنين ظلم أعدائهم، فيأمر برد كيد هؤلاء الأعداء في نحورهم، لأنه ليس من العدالة والإنصاف أن يترك هؤلاء يواصلون ظلمهم وعدوانهم وإهدارهم لحقوقنا والعدوان علينا ونهب ثرواتنا.. ولولا أن الله تعالى قد اقتضت سنته أن يسلط على الظالمين من يردعهم لعاثوا في الأرض فسادا، ولهدموا معابد الرهبان التي تسمى بالصوامع،
ولهدموا أيضا كنائس النصارى وأماكن العبادة لليهود، وأماكن العبادة للمسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا، وهذا ما شاهدناه ونشاهده دائما فى سلوك العدو الصهيونى المحتل للأراضى الفلسطينية والعربية منذ أن ابتليت فلسطين بهذا الاحتلال.. وهؤلاء المعتدين الظالمين لا يحث ديننا وحده على التصدي لهم ووقف عدوانهم.. بل كل الشرائع السماوية تحث على وقف ظلمهم وعقابهم على ما اقترفت أياديهم من جرائم ضد الإنسانية.
****
بالتأكيد.. لسنا دعاة حرب، ولسنا من عشاق الدماء.. لكن كفاحنا نحن العرب ضد من يحتل أرضنا وينهب ثرواتنا ويزهق أرواح أطفالنا ونسائنا وشيوخنا هو الحق المشروع بعينه.. ومن يتهمنا بالعدوان وممارسة الإرهاب هو العدو المجرم الطامع فى أرضنا وثرواتنا الذى يستحل دماءنا.. فالارهاب يعنى العدوان على الآخرين دون وجه حق، وطمعا فى أرضهم وأموالهم وبغية ظلمهم.. والارهاب فى نظر شرعنا سلوك محرم ومدان ويأثم فاعله، ومن يقوم به محارب يجب مقاومته وعقابه.. أما من يدافع عن أرضه ويسعى لتحريرها فهو يقوم بأشرف وأكرم عمل لأنه يواجه أعداء الدين والوطن والإنسانية، طالما يتم ذلك وفق الشروط والضوابط الحاكمة له في شريعتنا الإسلامية.. فالدفاع عن الوطن والأهل شرف ما بعده شرف، ولا شأن لنا بما يردده هذا أو ذاك من محترفى خلط الأوراق، ولا علاقة لشريعتنا الإسلامية بالخلط الفاضح بين المقاومة المشروعة للظالمين والمعتدين والمجرمين؛ وبين الإرهاب المنبوذ الذي يصنف ضمن أبشع أشكال الظلم والعدوان، لأنه يهدر حقوق الآخرين، ويمثل عدوانا صارخا على الأبرياء الذين تزهق أرواحهم دون وجه حق، وتدمر ممتلكاتهم ويروعون في منازلهم ومتاجرهم ومدارسهم وأوطانهم التي ينبغي أن تكون آمنة ومستقرة.
b_halawany@hotmail.com