يشكل العنف أحد أهم مخرجات العدوان الملموسة والتي تستهدف الإضرار بالآخر أو بالممتلكات، بغض النظر عن الأسباب الكامنة، وله العديد من الصور والآثار المترتبة عليه، ويأخذ الصورة الفردية أو الجماعية في القيام به، ويمثل توظيف غير مشروع لماهية القوة؛ حيث يترتب عليه تهديدًا أو إكراهًا أو تسلطًا، وله العديد من التصنيفات وفق بعض المتغيرات التي يشملها.
وهذا يستوجب منا أن نؤكد على ماهية السلوك غير المرغوب فيه كي نحاول تعديله أو إصلاح الخلل بعد معلومية الأسباب والمسببات التي تؤدي إلى القيام به؛ فهذا النمط من السلوك يخالف جملة المعايير التي يتعامل بها المجتمع، بل ولا يتسق مع صحيح النسق القيمي له، وعندما نشاهد تكراره ينبغي أن يتنامى لدينا القلق تجاهه؛ فهو بذلك قد يأخذ صفة الثبات، وهذا يشكل بالضرورة خطرًا على الفرد والمجتمع.
وبغض النظر عن التصنيفات التي وردت بشأن العنف وصوره المتباينة؛ لكنني أريد أن ألقي الضوء على بعض الممارسات الإيجابية التي إذا ما قمنا بها ونالت حيز الاهتمام؛ فإن هذه الظاهرة سوف تنحسر بشكل كبير؛ ومن ثم نحد من آثارها المدمرة على كافة المستويات المادية منها والمعنوية، بل ونضمن شيوع حالة من التعايش السلمي في مجتمعنا الكبير والمجتمعات الصغيرة مثل المدرسة والأسرة وداخل مؤسساتنا المجتمعية الأخرى.
وأرى أن البداية تكمن في مقدرتنا على إيجاد المناخ الهادئ الذي يمكننا من أن نتحكم في سلوكيات الفرد بقليل من التوجيه والمتابعة والرعاية والاهتمام؛ فعندما يدرك الإنسان أهمية ما يقوم به وما يؤثر فيه حينئذ يحاول أن يعدل من سلوكه بصورة تدريجية، وهنا اتحدث عن ضرورة تدشين علاقات إيجابية مع الفرد؛ كي يستشعر أنه مقبول؛ فتقل لديه موجات التوتر والانفعال عبر ما يبرمه من علاقات إيجابية مع الآخرين.
وهجر الإنسان للسلوك العنيف يقوم على فلسفة التعزيز وأنماطه الوظيفية التي تسهم في التنفير من هذا السلوك، بل والبعد عنه بمزيد من المحاولات الصادقة والجادة، واعتقد أن البداية تكمن في غرس قيم رئيسة في وجدان الفرد يأتي في مقدمتها الولاء والانتماء للمكان الذي ينتسب إليه؛ حيث إن محبة الموطن تزيد حرصه على تقديم ما من شأنه المحافظة على مقدراته وتكوين علاقات سوية مع رواده ومنسبيه بغض النظر عن مستويات التعامل معهم.
وهنا لا نتحدث عن تقديم النصح والتوجيه والإرشاد الشفهي فقط؛ لكن ينبغي أن تسبق الممارسة والفعل الكلام؛ فما يشعر به الفرد من احتواء ومودة وتكليف بمهام يستطيع أن يقوم بها وتجعله محل اهتمام وأن له دور إيجابي ويستطيع أن يشارك الآخرين في إنجاز مهام نوعية، فإن هذا وفق معتقدي يرسخ لفكرة فرض السيطرة الإيجابية على سلوكيات غير مرغوب فيها وفي المقابل تعزيز لسلوكيات مرغوب فيها، كما يهيئ الفرد لأن يستقبل طيب الكلم أو النصح والتوجيه بصورة صحيحة؛ ومن ثم يترجمها لممارسات مقبولة.
وجميعنا يدرك أن الإقناع يقوم في الأصل على حوار بناء مع من نستهدفه بالتوجيه والنصح والإرشاد؛ إذ يتوجب أن نستمع له جيدًا ونتعرف عما يجول بخاطره؛ كي نغرس لديه بذور الطمأنينة التي تمكنه من أن يستقبل الطرف الآخر من الحديث ولا تجعله يتوقف عن أفكاره ومعتقداته وثوابته التي يتبناها وفق قناعات بعينها يرى أنها صحيحة؛ ومن ثم وبمزيد من الصبر والمثابرة نستطيع أن نصوب ما لديه من معتقدات خطأ ونستبدلها بمعتقدات صحيحة تتسق مع قيمنا وخلقنا الحميد.
وفنون الحوار والمناقشة تستدعي منا أن نبرمها بصورة فردية في بداية الأمر، حتى يعتاد الإنسان على آدابه وأسسه الصحيحة، وحتى يعي أن ثمرته ممتدة ليس في إطار الإشكالية التي بصددها؛ لكنه أسلوب حياة راق يستطيع من خلاله أن يحل مشكلاته ويتغلب على تحديات ويصل لمستهدفاته؛ فيقتنع أن التفكير الجمعي تفوق ثمرته تفكيره الفردي، وبعد ذلك نعقد حوارات جماعية وفق آدابها المعلومة التي تضمن نجاحها وفعالية أثرها لدى جميع الأطراف.
إن النصح والتوجيه والإرشاد ومتعة الحوار الهادف يمكن الفرد الذي يمارس العنف من أن يستكشف طبيعته السوية ويتوقف عن ممارساته غير السوية التي تشوه ما لديه من مظاهر راقية؛ فالإنسان لديه من الصفات الطبيعية الكامنة في طبعه وخصاله ما يجعله كائن اجتماعي يحب الآخرين ويتفاعل معهم ويأنس بتواجده بينهم، وهذا ما يفتح أمامنا الباب على مصراعيه لنبحث عن آليات أخرى من شأنها أن تسهم في القضاء على هذه الظاهرة غير المقبولة في مجتمعنا المصري الراقي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر